الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذاك يرمي فيحظى
…
وذا تراه يصيب
وذاك موصول شملٍ
…
وذا معنى غريب
وذا يعمر دهراً
…
وذاك طفلاً يغيب
وذا لئيم بخيل
…
وذا كريم وهوب
وذا يعيش قنوعاً
…
وذا حريص كسوب
وذا حليم صبور
…
وذا جزوع غضوب
وذا وفي صدوق
…
وذاك جاف كذوب
وذا قبيح بغيض
…
وذا مليح حبيب
وذا جبان يروع
…
وذا شجاع يريب
وذاك طلق المحيا
…
وذا عبوس قطوب
وذا ذليل غبي
…
وذا نبيل أريب
وذاك غر جهول
…
وذا عليم أديب
وذا الكن عي
…
وذا قؤول خطيب
هذى الحياة وفيها
…
أمر الإله عجيب
فأختر لنفسك منها
…
ما الذكر فيه يطيب
إبراهيم منيب الباجه جي
عمل الطاباق في العراق
1 -
مدخل البحث
سافرت في شهر كانون 2 سنة 1911 متوجهاً نحو العراق لمهمة صناعية واتخذت طريق البر مسلكاً لي. وتمكنت في أثناء إقامتي في الأقطار التي هبطتها من أن أبحث عن حاصلات هذه الديار من صناعية وزراعية فشاهدت فيها من الشؤون التجارية ما لا ينكره أحد وأن مجاري الحياة تتدفق في بغداد.
وفي المدة التي قضيتها في عدة مواطن من العراق وهي مدة ستة أشهر جمعت في المواضع التي يعتمد عليها من الإفادات المدققة بخصوص مقدار ونوع المواد التي تنفق كل سنة ما لا يشك في صحته وكذلك فعلت بما يتعلق بقيمتها وكلفتها
بنقلها أو تحميلها وأجرة العمل والشغل وعدد العملة ووسعهم وطاقتهم في كل ما يعالجونه ويزاولونه.
ويحسن بنا هنا أن نطلق طائر البصر ونتركه يحوم حول بنية أرض هذه الديار ليوقفنا بسرعة القابس العجلان على جوهر مواد البناء تلك المواد التي تستخرج من الأرض لتقوم بحاجتنا المنشودة.
وأعلم قبل كل شيء أن الحجارة الكلسية لا ترى إلا في شمالي هذه الربوع أي في الأرجاء التي ينشأ فيها الفراتان أو الرافدان وتكون مقالع الحجارة الكلسية في سقي الفرات في هيت ومقالعها في سقي دجلة في سامراء.
ولما كان هذان المقلعان بعيدين عن أمهات المدن التي توجد فيه التجارة والبياعات غدا نقل هذه المواد من أشد الأمور كلفة ومصرفاً. وأنت تعلم أن الإنسان إذا أراد أن يبني بناية يتخذ لها من المواد أقربها إليه وأصلبها وأرخصها لديه ولهذا ترى أغلب أبنية هيت وسامراء من حجارة الجص وهذه الحجارة لا ترى في بغداد ولا في ما أحاط بها فعوضوا عنها باللبن أو بالطاباق أو الطابوق وهو الذي يسميه أهل مصر الطوب وأهل الشام الآجر وغيرهم القرميد.
ولقد أوغلت في البحث عن هذا الضرب من نتاج الصناعة الذي كان ولم يزل مستعملاً في هذه الديار إذ البابليون والكلدانيون أنفسهم لم يتخذوا في عماراتهم إلا الطاباق كما تشهد
عليه من آثارهم ما صبر على صروف الزمان وطوارئ الحدثان.
2 -
نظرة عامة في تربة العراق المتخذة للطاباق.
تربة العراق صلصالية جصية متخلخلة هشة سهلة الكراب لنسبة ما يدخل في تركيبها من الكلس وهذه النسبة هي من 12 إلى 15 بالمائة وهذه الحواري الصلصالية سهلة العجن والتمثيل والتصوير لكنها إذا شويت انقلبت قوية صلبة بعض الصلابة إلا أنها قليلة المقاومة لما يعاندها من الأحداث والطوارئ.
والطاباق المتخذ هنا هو ذو حبة رخوة سهلة النحت. وقد يكتفي به لعدم وجود ما يقوم مقامه أو يسد مسده أو ريثما يأتي من يعجنه عجناً مطابقاً لأصول الفن بعد أن يكون قد أدخل على كتلته ما يزيدها تماسكاً وتضاماً وصلابة وشدة.
ونحن نعلم علما عاما أن أحسن التراب لصنع الطاباق هو الصلصال الخالي
من المواد التي تفرق حبيبات جواهره ولو تفريقا زهيداً أو تمنع ضم بعضها إلى بعض ضماً محكماً.
وأحسن فخار هذه الديار هو ما كان في شمالي بغداد على مقربة من السندية على عدوة دجلة اليمنى وما يداني مشارعه فان هذا الفخار من أنقى ما يوجد من نوعه هنا وهو سهل العجن وصلب وآجره رنان عند القرع دقيق الحبيبة متلززها متماسكها أشد التماسك. وإذا حاولت وجود مثله في سقي وادي السلام لا ترى ما يضاهيه ولا يقاربه أو يدانيه. على أنك تجد والحق يقال طبقات من الفخار في مواضع مختلفة لكنه دون ذاك صنعة ونقاء دع عنك م يكلفك من المصاريف الباهظة.
3 -
مقادير الطاباق
يغلب على هيئة طاباق العراق التربيع فانه في بغداد يساوي 30 سنتيمتراً في الطول و30 في العرض و6 في الثخن وفي الكاظمية 25 - 25 - 6 وفي النجف 19 - 19 - 6 وهذه المقادير عينها كانت مستعملة سابقا عند البابليين والكلدانيين ويرى كثير منها إلى يومنا هذا في الاخربة التي صبرت على فتكات الدهر.
وكان للصورة المربعة شأن في أبنية الأقدمين لأنهم كانوا يبنون الحيطان أثخن مما يبنيها أبناء هذا الزمان الذين يرمون دائما بسهم التوفير إلى غرض الرخاء في العيش. وأغلب
الناس يبنون جدرانهم بنصف الطاباقة فيحتاجون إلى قطعها أو نشرها بمنشار وهذا يكلفهم أجرة قطاع يستغنون عنه. وقد لاحظ البناءون أن الطاباق المستطيل أصبر على نوائب الزمان من المربع. ولهذا ترى أغلب الناس قد اتخذوا اليوم في جميع الديار التي يستعمل أصحابها الآجر المقياس الآتي 25 - 12 - 6 ولا يبعدون عنه إلا قليلاً. وهذا القدر في الحجم يشوي الأجرة شيئاً محكماً ومنتظماً ويبعد عنه كل خللٍ من هذا القبيل وأعلم أن بناية 1. 000 طاباقة تساوي مترين مربعين و360 سنتيمتراً مربعاً أو 424 طاباقة لمتر واحد مكعب.
4 -
صنع معجون الآجر
إن الآجر في بغداد هو بحالته الأولى التي كان عليه في بدء هذه الصناعة
ومنذ ذاك العهد إلى هذا العصر الأنور لم تتقدم خطوة واحدة. بخلاف المصريين فأنهم سبقوا العراقيين غايات بعيدة ولهذا فأني أستحسن طريقة سكان وادي النيل على طريقة قطان وادي السلام. ودونك الآن الأمرين الأهمين في هذه الصناعة:
1: نختار التربة اللازمة للآجر وإذا نقصها شيء من المواد الضرورية يضاف إليها الناقص كالرمل أو المادة العلكة الدسمة الموجودة في السماد حسبما تكون التربة دسمة أو ضعيفة متخلخلة.
2: يعجن هذا الخليط إلى أن يتقوم منه معجون متماسكاً متلازاً يكون مطواعاً لليد العاجنة.
3: يدخل هذا المعجون في قوالب لا قعر لها بل لها تختات (أي لوحات) يداس عليها المعجون دوساً باليد.
4: بعد أن يستخرج الآجر من القالب (وهو المسمى باللبن في هذه الحالة) يشمس على تختاته مدة 24 ساعة ثم يرفع ويوضع بعضه على بعض على شكل مشبك أي بجعل فسح متقاربة منتظمة ببن آجرة وآجرة بحيث يجري الهواء بينهما. ويعرف عند المصريين هذا لآجر المضغوط عليه باليد باسم (طوب الألواح) ويبقى على هذه الصورة من 10 إلى 12 يوماً قبل أن يوضع في النار.
5: إذا أراد المصريون طبخ هذا الآجر تتخذ له عدة طرق وفي ضروب من الاتاتين أصفها في فصل تالٍ. وعليه تتوقف محاسن الآجر على محاسن الأمور التي ذكرناها. وأما في
بغداد فأنها مهملة لا شأن لها عند أصحاب هذه الصناعة ومن تلك المعايب ما يأتي:
1: إنهم يستعملون التربة التي يقعون عليها بدون أن يمتحنوها قبل الشروع باتخاذها.
2: إن المعاجين لا تعجن بكفاية ولهذا ترى الكتلة غير متماسكة بعضها ببعض وحباتها غير متلززة مع أن هذا العمل الأخير هو مما يحرص عليه أصحاب الفن ويعلقون به محاسن الآجر وصبره على طوارئ الجو.
3: من المألوف عند صناع الآجر في سقي الفراتين أنهم يضعون اللبن على أرض غير سوية فيجيء الآجر بهيئة الأرض التي كان عليها أي أنه يأتي معوجا.
4: يبقى هذا اللبن على تلك الحالة المعيبة إلى أن يبس وإلى أن يوضع في الأتون.
5: يوضع اللبن في أتاتين مبنية متقطعة الحرارة ويوقد فيها نار خشب وهذه الأتاتين مبنية من أربعة جدران قائمة كلها من اللبن؛ والحيطان ثخينة ومغشاة بتراب إلى سمك غير مرتفع كثيراً والغاية من وضع التراب منع الحرارة من الضياع والإشعاع ويكون طول الأتون في أغلب الأحايين من 8 إلى 10 أمتار في عرض 5 أو 7 وسمكه 6 وفي أسفل الأتون عدة عقود منتسقة تقوم كلها على قوائم سوية قليلة الارتفاع وهذه العقود مخرقةً على هيئة الشباك لتدع حرارة النيران تنفذ منها وتلك النيران دائمة الاضطرام.
وتمد هذه الأتاتين بالوقود طول مدة الطبخ ومادة الوقود هي الخشب والحطب والشوك ويدوم الطبخ من 8 إلى 10 أيام حسب سعة الأتون.
فأنت ترى من طريقة هذا الطبخ أن ليس لجميع أنحاء الميفي درجة واحدة من الحرارة ولهذا لا تجد جميع الطاباق مشويا على صورة واحدة وإن كانت خارجة من ميفي واحد. وهذا ما يتحققه كل إنسان من لون الآجر إذ يتفاوت بين الأصفر والأحمر وما لم يطبخ حسنا يعرف من لونه الأحمر ومن صوته الأصم إذا قرع ومن تحات أجزائه إذا فرك باليد.
وفي طبخ الطاباق بالخشب والحطب من النفقات ما لا يتصوره من لا يكون من أهل البلد لأن هذا الضرب من الوقود غالٍ جداً في هذه الديار. - هذا وأعلم أن الطبخ على هذا الوجه وكبر حجم الطاباق يسببان سقطاً كثيراً حتى أنه يعد 25 في المائة في الأقل. وهذا من أسباب بيعه بثمن فاحش.
ومن ذلك فأن هذه المعايب كلها تقل أو تتلاشى إذا كان الخبير ينتقي التربة الصالحة
للطاباق ويعجنها عجناً حسناً ويحرقها إحراقاً منتظماً.
5 -
طبخ الآجر
أشهر طرق طبخ الآجر المعروفة في ديار مصر هي المعروفة (بالطبخ السريع) وهي تتوقف على تكويم الآجر كوماً كوماً على منبسط من الأرض وعلى جمع الكوم سافات سافات وبين طبقة وطبقةٍ طبقة من الفحم الدقيق.
وطبخ الآجر كوماً في الهواء المطلق يسبب نفقة في الوقود أعظم من
النفقة التي تصرف على الطبخ بالأناتين الصناعية. ويبلغ قدر الفحم الحجري نحو 50 كيلواً لألف آجرة من الحجم العادي.
وهذا النوع من الإحراق لا يوافق إلا في البلاد التي يكثر فيها الفحم الحجري أو يكون فيها رخيصاً ومع ذلك يكون نتاجه غير منتظم الطبخ ويسبب من السقط 25 في المائة إلا أنه لا يوجب نفقة بناء الأتون فتكون مصاريفه في كيس الطابخ وهذا لا يكون إلا في الأبنية الفرعية البعيدة التي يكلف فيها بناء الأناتين تكليفاً باهظاً.
إن في أتون الطبخ السريع (نفعاً) لا يرى في سائر الموافي المتصلة الحرارة أو المتقطعتها وهو أنه يوصل الإحراق إلى درجة بعيدة في الحرارة أي إلى درجة إسالة الآجر حتى يكون كالزجاج. فإذا كان كذلك يلتصق بعضه ببعض التصاقا شديداً ويصبح كتلاً مكينة حتى يغدو بمنزلة كتلٍ تتخذ اتخاذ الجلاميد أو الصخور. وقد ينتفع منها انتفاعاً آخر وهو أنها إذا دقت تقوم مقام الحصى الناعم في اللياط. وهذا ما ظهر نفعه واستعماله في (سد الهندية) الذي يبنى اليوم على الفرات. وفي هذه الحالة الأخيرة يجب إحراق 350 كيلواً من الفحم الحجري لطبخ ألف طاباقة من القدر المألوف.
أما الأتون الذي أشيد بذكره فهو أتون متصل الحرارة من جنس (أتون هوفمان) الذي ينتفع بالحرارة المتولدة بشروطٍ لا خسارة فيها.
هذا الأتون يتركب من دهليزين مستقيمين متوازيين يجتمعان عند طرفيهما بدهاليز مستديرة وهو يختلف عن أتون هوفمان بهذه المزية وهو أن هذا الدهليز المتصل هو غير معقودٍ ووجهه مفتوح من جهة السماء. ولهذا الأتون كما لذاك الموقد أضلاع في الجانب وحجرة لدخان الوسط تكون بين الدهليزين ومدخنة.
ويدخل الوقود من الخارج رأساً ويوضع في ثقوب قائمة مخروقة في كومة الآجر المعدة للطبخ صنعت لهذه الغاية. وفي هذا الأتون كما في أتون هوفمان
تغطى هذه الثقوب بحب (براقود أو كما يقول المصريون بزير) من الآهين (أي من حديد الصب يوضع ويرفع على إرادة العامل.
والنار نتمشى رويداً رويداً على طول الدهاليز فتمر بالآجر وتتصرف فيه تصرف الطبخ متنقلة فيه من حالة إلى حالة حتى يبلغ أقصاه.
ولما لم يكن في الموقد عقد فملؤه وتفريغه يكون رأساً على أسهل ما يطلب في هذا السبيل ولكون هذا الأمر يجري من وجه الدهليز الأعلى المكشوف يبقى هذا الترتيب ممتازاً على سواه لأنه يبين بنوع حسن سير الإحراق والطبخ.
ومن منافع هذا الموقد أنه ما عدا كونه يشوي الطاباق شياً منتظماً وعلى وتيرة واحدة هو قليل المصرف والنفقات في أول بنائه لما في نظامه من البساطة وتوخي الغاية المطلوبة.
ويبلغ طول هذا الدهليز 60 متراً وعرض قطعة مترين وسمكه مترين أيضاً وإذا تم بناء هذا الأتون على هذه الصورة فأنه يعطي في اليوم 10. 000 آجرة. وتختلف كمية الوقود اختلافا عظيماً باختلاف أنواع تربة الطاباق. فاتون هوفمان ينفق من 25 إلى 150 كيلواً من الفحم الحجري لألف آجرة حجمها 25 - 12 - 6 وأما أتوننا الذي هو صنف أتون هوفمان فلا يأكل من الفحم أكثر منه. وهذا النوع قد أنشئ حديثاً فأتخذ في ديار مصر منذ بضع سنوات وقد جاء بنتاج عجيب. وبناء هذا الموقد مع جميع ملحقاته يكلف نحو 600 ليرة عثمانية.
ويباع طن الفحم الحجري (الوارد من نيوكاستل) في بغداد بثلاث ليرات وينفق لألف آجرة 45 قرشاً ذهبياً صحيحاً. وأما في مصر فثمن الطن 145 قرشاً ذهبياً صحيحاً.
وينفق على ملئ الأتون وتفريغه لألف آجرة 12 قرشاً ذهبياً صحيحاً وهو يسع كل مرة 10. 000 طاباقة ويمد ناره بالوقود ثلاثة عمال يدفع لكل منهم في اليوم 7 غروش صحيحة أي ينفق غرشان صحيحان على كل ألف آجرة. وسوف نأتي في جزء آخر بما يتم هذا البحث ويفيد القراء والله الموفق.
أ. ب.