الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في فارس نفسها وفي بلاد البلوص (بلوجستان) وأفغانستان وفي ربوع الهند الشمالية. وتعد بغداد من البلاد الداخلة في الصقع الغربي التي تقل سحبه غاية القلة.
(عن وليم ولكوكس)
9 -
المطر
ثخن مقدار الماء الممطور في السنة 212 مليمتراً، منه 203 راجع إلى مطر الشتاء. وعدد أيام المطر هو 7، 18 فقط في السنة (ومقدار ماء المطر في اليوم مليمتران ونصف على الأقل). والمطر يسقط سقوطاً منتظماً في فصل البرد من تشرين الثاني إلى آذار. واعظم قدر المطر وقع في العراق هو الذي كان في سنة 1894 فأن مقياس المطر بلغ مائتي مليمتر ومليمتراً. سقط منه 158 مليمتراً في يوم واحد، وهي اعظم كمية سقطت في العراق في مدة 24 ساعة. وعليه فيكون معظم المطر في الشتاء ومزيته مزية مطر فارس وبلاد البلوص والأفغان. إلا أنه دون مطر تلك البلاد لموقع العراق الذي هو دون تلك البلاد ارتفاعاً
(عن وليم ولكوكس)
بغداد: إبراهيم حلمي
ابنة اليوم وحقيقتها وأسماؤها
ابنة اليوم، وتجمع على بنات اليوم، هي هذه الدويبة التي وصفها وصفاً دقيقاً صاحب مقالة (أمثال عوام العراق)؛ وهذا الاسم هو من وضعنا وهو تعريب اللفظة الإفرنجية أو الإنكليزية وكلاهما من اليونانية ومعناها:(ذو أو ذات يوم واحدٍ) ونحن نصفها هنا وصفاً علمياً على ما جاء في كتب أهل الفن، فنقول:
ابنة اليوم جنس من الدويبات من رتبة العصبية الأجنحة من فصيلة المخصفية القرن راس أو أصل قبيلة بنات اليوم طويلة الجسم، لونها إلى البياض أو إلى الصفرة، (أو كما قال كاتبنا المحقق: إلى الزهرة) وأجنحتها طويلة ومثلثة ومرتفعة إلى فوق في وقت الراحة. وأجنحتها السفلى في غاية الصغر وكأنها فص من فصوص الأجنحة الخارجية. وينتهي مؤخرها بخييطين في الذكور وبثلاثة خيوط في الإناث، وللذكور ماعدا ذلك مقراضان واقعان في الأسفل.
وهي تولد عند أفول شمس الصيف، وتموت عند شروقها، ومنها ما يصبر على بضعة أيام فتكون بمنزلة العجائز المعمرة. على أنها إذا كانت تعيش قليلاً بعد بلوغها الحالة الكاملة فهي تعيش اكثر من سنتين في حالة الدودة أو الدعموصة وهذا الدود طويل وله متنفسات أو خياشيم خارجية لا يفتر عملها. وبعضها يقيم في الأرض في نخاريب حفرت في جروف الأنهر، وهذه النخاريب مزدوجة يفصلها فاصل على هيئة لسان صغير دقيق، ألا أنها لا تكون كذلك في الداخل، بل يكون النخروب وحيد المأوى. وبعضها تتيه على وجهها عائرة، ولا تحفر لنفسها مسكناً ولا مأوى.
أما إسراف هذه الدويبات فلا تختلف عن دعاميصها ألا بنبت الأجنحة فإذا حان وقت التطور الأخير، تخرج الإسراف من الماء وتذهب لتقف على موطن يابس فلا تعتم أن تشق كفنها التي كانت مسجاة به، وما ذاك الكفن إلا جلدها.
تولد بنات اليوم، كما ألمعنا إليه، نحو الأصيل، فإذا خرجت من سرفها ترتفع فوق سطح المستنقعات والبطائح خشارم لا تعد والغالب فيها الذكور. ولهذا ترى للأنثى الواحدة عدة طلاب يقضون وقتهم، على شدة قصره، في المنازعة سعياً وراء عقد الوصال، وصال لا يدوم إلا هنيهة من الزمان يبتدئ بالمعارك وينتهي بالموت الوحي، وإذا نال الذكر بغيته من اتخاذ عروسه يأخذها إلى محل بعيد عن الجماعات وهناك يعرس بها وما يكاد يقضي وطره إلا ويفاجئه الموت الزؤام. - أما الأنثى فأنها من بعد اللقاح يأخذها نوع من الطلق
فتهوى على الماء وترفع مؤخر جسمها وهي مرقرقة فيخرج من نحو موصل الحلقة السادسة انظامان يتركان على الماء. وعدد بيض كل من هاتين الأنظومتين يتردد بين الثلاثمائة والأربعمائة فإذا صار على الماء هبط إلى أسفله وتفرق شذر مذر.
وإذا وقفت على ما ذكرناه اتضح لك أمر ازدحام هذه الدويبات في أيام الصيف الرائقة الصاحية في البلاد التي تكثر فيها الغدران والبطائح والمستنقعات والأنهر الهادئة الجري. وعلمت أن تلك الألوف المؤلفة إذا ماتت طفت
جثتها على وجه الماء، ولا يمضي قليل من الزمن إلا وقد اضمحلت تلك الأشلاء البيضاء، لأن الأسماك وطير السماء قد ازدردتها بأسرع من البرق الخاطف، ولهذا سماها البعض (من السمك أو سلوى السمك) وإذا ماتت هذه الدويبات بعيدة عن المياه، ترى الأرضين المجاورة لها مغشاة عند الصباح بشيءٍ ابيض كالثلج أو كالقطن المندوف فيأخذ بك ذاك المنظر كل مأخذ.
(وابنة اليوم المشهورة) ترى على شطوط الفرات وطولها من 18 إلى 19 مليمتراً، وخيبطات ذنبها أطول من جسمها، ويرى دباها على طول جرف الفرات وقد ثقبه ثقوباً كثيرة تعد بألوف الألوف وقد رأيناها رأي العين.
أما حياة (ابنة اليوم) فإذ اعتبرناها في حد ذاتها فهي ليست دون حياة اعمر الحيوانات، لأن الخالق قد ضرب لها ساعات معدودة هي 12 أو 24 لا غيرها. وهي في هذه المدة تنتقل إلى جميع الأحوال التي ينتقل إليها الحيوان المعمر بدون اختلاف عظيم سوى المدة. فسبحان الباقي الذي لا يموت.
أسماء هذه الدويبة
اسم هذه الدويبة في العراق هو الجليلو أو الكليلو حسب المتلفظين به. فإن كان الناطق به بدوياً أو مسلماً متحضراً فهو يلفظه بالجيم المثلثة الفارسية، وأن كان نصرانياً وينطق بلغة النصارى واليهود، فهو يلفظه بالكاف العربية الفصيحة. والكلمة مشتقة من الإكليل والعوام تحذف منها الهمزة فتقول كليل بإسكان الأول. ثم زادوا (الواو) في الأخر على طريقة الأتراك للدلالة على النسبة، وهم يفعلون ذلك اذا كان آخر الحرف لاماً، وإلا فانهم يزيدون اللام والواو. فيقولون مثلاً في (كوبري)(الجسر) كوبريلو (الجسري) وفي ديكن (شوك) ديكنلو (شوكي) الخ فمعنى كليلو أو جليلو (الإكليلي أو الإكليلية) أو أيضاً (ذو الإكليل أو
ذات الإكليل أو المكللة) لشبه أجنحتها بإكليل ابيض يعلو جسمها الدقيق.
وكنت قد تشططت الفرات في رحلتي إلى حلب سنة 1886 فسألت عن اسمها بعض الأعراب الذين كانوا هناك فقيل لي (الخيتعور) ولا يبعد من أن يكون فصيحاً. لأن الخيتعور في دواوين اللغة:. . . كل ما لا يدوم
على حالة واحدة ويتلون ويضمحل. . . وشيء كنسيج العنكبوت يظهر في الحر ينزل من السماء كالخيوط البيض في الهواء. . . والخيتعور دويبة سوداء تكون على وجه الماء لا تثبت في موضع إلا ريثما تطرف. . .) اهـ. فيكون هذا الإطلاق على هذه الدويبة سائغ لسرعة زوالها من الحياة.
ثم مررت بجرف الفرات سنة 1904 ومنه انتقلت إلى جرف الخابور، وكان الفصل فصل صيف كما في سفرتي الأولى فسألت عن اسمها فقيل:(الزخرف) والذي نراه في كتب اللغة عن الزخارف: إنها دويبات تطير على الماء ذوات أربع كالذباب قال أوس بن حجر:
تذكر عيناً من غمازة ماؤها. له حدب تستن فيه الزخارف ولا يخفى ما في لونها الأبيض وهي على الماء من الزخرف الذي يبين لكل ذي عينين.
ثم مررت بالفرات سنة 1908 فسألت عن اسمها فقيل لي هي (البعصوصة) والبعصوصة في معاجم اللغة: دويبة صغيرة كالوزغة بيضاء لها بريق من بياضها. قاله أبو عبيده ونقله الجوهري. وقال ابن دريد: هي البعصوص كقربوس. وعلى كل حال لا ترى كيف أن هذه اللفظة توافق هذه الدويبة؛ إلا أن يقال إنها مشتقة من البعص وهو الاضطراب ونحافة البدن وكلاهما ينطبق عليها أتم الانطباق.
ثم عدت إلى بغداد سنة 1909 فمررت بشطوط الفرات فسألت عن اسمها فقيل إنها (الجليلو) والبعض سماها: الجليلة فاتضح لي صحة هذه التسمية كما اتضح لي أن أسماء الشيء الواحد قد تختلف باختلاف القبائل والأنحاء والأصقاع والبقاع وهو أمر جليل.
وعليه فقد صح أن نسميها بعدة أسماء وهي: (ابنة اليوم) لأنها لا تعيش اكثر من ذلك، وهو معنى اسمها العلمي واليوناني (الخيتعور) لأنها سريعة الزوال والاضمحلال. - (والزخرف) لأنها زينة الماء والغدران - والبعصوصة لكثر اضطرابها ونحافة بدنها - والإكليلية أو ذات الإكليل أو المكللة لما يظهر من هيئتها للناظر إليها من الخارج. هذا ما أردنا أن نبينه