الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التناقض في كتاب الخطيب
4 -
وفي (ص 74 - 75) يقول الأستاذ:
"بدأت الدعوة (يعني: دعوة الشيخ) حادة عنيفة مطبوعة بطابع التطرف والمغالاة، فكان طبيعيًا أن يلقاها الناس بعناد وتطرُّف، ومثل هذا لا يجعل للسلم مجالًا بين الطرفين المتقابلين. . .". إلى أن قال:
"بدأت (يعني: الدعوة) بإنكار المجتمع الإِسلامي كله، فالمسلمون جميعًا في نظر الوهابيِّين قد انسلخوا عن الإِسلام بما أدخلوا على دينهم من بدع ومحدثات، كالتوسل بغير الله، ورفع القباب على قبور الموتى ممن يعتقد فيهم الصلاح، وهذا لون من الشرك بالله، وفي هذا بعض الحق، ولكنْ فيه كثيرٌ من المبالغة والغلو. . .". إلى أن قال:
"كان لا بدَّ أن يحدث هذا (يعني: شدة الخلاف بينهم وبين غيرهم) بعد أن وضع الوهَّابيون دعوتهم في هذا الإِطار الذي يحصر الإِسلام في دعوتهم، ويجعل كل مَن انحرف عنها منحرفًا عن الإِسلام، داخلًا في مداخل الكفر والِإلحاد، ونجد هذا واضحًا في الكتب التي ألَّفها علماء الوهَّابيين" اهـ.
- والجواب أن نقول: هكذا يصف الأستاذ دعوة الشيخ بهذه الأوصاف:
أ - الغلو والتطرف والعنف.
ب - تكفير جميع المسلمين، وحصر الإِسلام في تلك الدعوة، وتكفير من انحرف عنها.
جـ - أن كتب علماء الوهَّابية تشتمل على تكفير المسلمين.
وجوابنا على ذلك أن نقول:
أولًا: قد تناقض الأستاذ في كتابه هذا تناقضًا واضحًا في موضوع دعوة الشيخ، فبينما هو يصفها بهذه الصفات المنفِّرة التي ربما يكون قد قرأها من كتب خصومها، أو سمعها من أفواههم، {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} ، بينما هو يُسَطِّرُ هذه الصفات هنا، إذا هو في آخر كتابه يقول في (ص 111 - 112):
"ودعوة محمد بن عبد الوهاب من الكلم الطيب، إنها تستند إلى الحق، وتدعو له، وتعمل في سبيله، ولهذا كانت دعوة مباركة، وفيرة الثمر، كثيرة الخير، لقد قام
صاحبها يدعو إلى الله لا يبتغي بهذا جاهًا، ولا يطلب سلطانًا، وإنما يضيء للناس معالم الطريق، ويكشف لهم المعاثر والمزالق التي أقامها الشيطان على جوانبه.
ولقد اصطدمت هذه الدعوة وهي وليدة في مهدها بقوة عاتية، لو لم تكن تستند إلى أصول ثابتة من الحق، وتقوم على دعائم قوية من الإِيمان، لقضي عليها من أول صدمة، وَلَماَ واصلت سيرها في الحياة، ولما بقي منها في قلوب الناس أثر يُنْتَفَع
إلى أن قال: "لقد وقف أتباع هذه الدعوة وقفة لا يمكن أن توصف بأقل من مواقف الشهداء من أتباع الأنبياء وحوارييهم. . .".
إلى أن قال بعدما ذكر موقفهم من حملة إبراهيم باشا:
"وهكذا الدعوات الخالصة والمبادىء السليمة أشبه بالمعادن الكريمة، تزيدها النار وهجًا وبريقًا، وكالنبت الطيب يزيده الحريق أريجًا وطيبًا، فلقد كانت هذه الدماء الزكية التي أُريقت في سبيل الدعوة أكرم على الله من أن تذهب هدرًا، أو تضيع هباء، ولقد كانت غذاء طيبًا لتلك الشجرة المباركة، فزكت وأينعت وأطلعت أطيب الثمرات. . .".
هذا ما قاله الأستاذ في ثنائه على دعوة الشيخ وتزكيتها.
فهل تراه نسي ما كتبه قبل ذلك من وصفها بتلك الصفات المنفِّرة: الغلو، والتطرف، وتكفير جميع المسلمين؟!
كيف نجمع بين طرفي كلامه وهما نقيضان، والجمع بين النقيضين، مستحيل، فكيف يجتمع في دعوة الشيخ هذا وذاك؟!
ثانيًا: إذا كانت دعوة الشيخ هي الحق، كما شهد به الأستاذ وغيره، وكما هو الواقع الذي لا شك فيه، فما خالفها، فهو الباطل قطعًا، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلَالُ}. [يونس: 32]
وليست هذه المخالفة في مسألة اجتهادية فرعية، بل في صميم العقيدة.
فهل يرى الأستاذ جهاد المخالف الذي أصر على مخالفته وعاند؛ هل يرى جهاده في سبيل العقيدة غُلُوًّا وعُنفًا وتَطَرفًا؟.
إذًا، فأين موضوع الجهاد في سبيل الله؟.
وهل الشيخ وأتباعه جاهدوا إلا لأجل تصحيح العقيدة والقضاء على الشرك؟ وهل جاهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من قبل إلا لأجل هذا؟!