الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوسل المشروع وأنواعه
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} .
"سورة المائدة: آية 35"
[قال قتادة: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه].
والتوسل المشروع هو الذي أمر به القرآن، وعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم وعمل به الصحابة، وله أنواع عديدة أهمها:
1 -
التوسل بالإِيمان: قال تعالى يقص توسل عباده بإيمانهم:
{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} . "سورة آل عمران: آية 193"
2 -
التوسل بتوحيد الله: كدعاء يونس عليه السلام حين ابتلعه الحوت:
قال الله تعالى عن يونس:
{فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} . "سورة الأنبياء 87 - 88"
3 -
التوسل بأسماء الله قال الله تعالى:
{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} . "سورة الأعراف: آية 180"
ومن دعاء الرسول بأسمائه قوله:
"أسألك بكل اسم هوَ لك .. ". "رواه الترمذي وقال حسن صحيح"
4 -
التوسل بصفات الله: كقوله صلى الله عليه وسلم:
"يا حَيّ يا قيوم برَحمَتكِ أستغيث". "حسن رواه الترمذي"
5 -
التوسل بالأعمال الصالحة: كالصلاة، وبر الوالدين، وحفظ الحقوق، والأمانة والصدق، والذكر، وتلاوة القرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وحبنا له ولأصحابه، وغيرها من الأعمال الصالحة، وهذه قصة أصحاب الغار الذين حُبسوا، فتوسلوا إلى الله ببر الوالدين، وإعطاء حق الأجير، وترك الزنا، وهي من الأعمال الصالحة، ففرج الله عنهم: عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم، حتى آواهم المبيت إلى غار، فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل، فسدَّت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالِكم.
قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق [أُقدِّمُ، قبلهما أهلًا ولا مالاً، فنأى بي طلب الشجر [أبعدتُ] يومًا فلم أرِحْ [فلم أرجع] عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما [حصتَهما] فوجدتهما نائمَين، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق فبلهما أهلًا أَو مالاً؛ فلبثت -والقدح على يدي- أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، والصبية يتضاغون عند قدمي [يصيحون] فاستيقظا فشربا غبوقهما [شربا حصتهما من اللبن].
اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه مِن هذه الصخرة، "فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج منها".
وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحَب الناس إليَّ، فأرَدْتها على نفسها فامتنعَت مني، حتى ألمتْ بها سنة مِن السنين [أصابها جوع] فجاءتني، فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تُخلي بيني وبين نفسها، ففعلَتْ، حتى إذا قدرت عليها، قالت:
إتقِ الله ولا تُفض الخاتم إلا بحقه.
[لا تقرَبني إلا بنكاح شرعي]، فتحَرَّجْتُ من الوقوع عليها، فانصرفتُ عنها وهي أحب الناس إليَّ، وتركت الذهب الذي أعطيتها!!
اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه.
"فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها".
وقال الثالث: اللهم استأجرت أُجراء، وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمَّرْت [كثَّرْتُ] أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري، فقلت: كل ما ترى مِن أجرك، من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال يا عبد الله لا تستهزىء بي فقلت: إني لا أستهزىء بك، فأخذه كله فاستاقه ولم يترك منه شيئا!!
اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه.
(فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون). "القصة في البخاري ومسلم"
وبعض المسلمين -هداهم الله- تركوا التوسل بالأعمال الصالحة، ولجأوا إلى الأموات يتوسلون بهم، أو بأعمال الموتى، مخالفين بذلك هدي
نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي علّمهم التوسل إلى الله بإيمانهم بالله، وبحبهم لنبيهم، وحبهم لأصحابه، والصالحين من الأولياء، لأن حبهم من العمل الصالح.
يقول الشيخ أحمد الرفاعي: اطلبوا حوائجكم من الله بمحبته لأوليائه.
فهلا أخذ الصوفية بهذا التوسل المشروع، لأن محبة الله لأوليائه من صفاته عز وجل.
- التوسل بدعاء الأحياء الصالحين كما فعل عمر رضي الله عنه:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قُحطوا استسقى بالعباس فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقنا وإنا نتوسل إليك بعَمِّ نبينا صلى الله عليه وسلم فاسقنا، قال فيُسقَون. "رواه البخاري"
هذا الحديث دليل على أن المسلمين كانوا يتوسلون بالرسول صلى الله عليه وسلم في حال حياته يطلبون الدعاء منه لنزول المطر، فلما انتقل إلى الرفيق الأعلى، لم يطلبوا منه الدعاء، بل طلبوا من العباس عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي، فقام العباس يدعو لهم.