الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإفتراء على الدعوة
3 -
ثم قال عمَّن أسماهم بالوهابيَّة: "وإنهم في الحقيقة لم يزيدوا بالنسبة للعقائد شيئًا عما جاء به ابن تيمية ولكنَّهم شدَّدوا فيه أكثر مما شدَّد، ورتَّبوا أمورًا علمية لم يكن قد تعرَّض لها ابن تيمية؛ لأنها لم تشتهر في عهده، ويتلخَّص ذلك فيما يأتي:
أ - لم يكتفوا بجعل العبادة كما قررها الإِسلام في القرآن والسنة، وكما ذكر ابن تيمية، بل أرادوا أن تكون العادات أيضًا غير خارجة على نطاق الإِسلام، فليلتزم المسلمون ما التزم، ولذا حرَّموا الدخان، وشدَّدوا في التّحريم، حتى إن العامة منهم يعتبرون المدخن كالمشرك، فكانوا يشبهون الخوارج الذين يكفِّرون مرتكب الذنب.
ب - وكانوا في أول أمرهم يحرمون على أنفسهم القهوة وما يماثلها، ولكن يظهر أنهم تساهلوا فيها فيما بعد.
ج - أن الوهابية لم تقتصر على الدعوة المجردة، بل عمدت إلى حمل السيف لمحاربة الخالفين لهم، باعتبار أنهم يحاربون البدع، وهي منكر تجب محاربته، ويجب الأخذ بالأمر بالعروف والنهي عن النكر.
د - أنها كانت كلما مُكِّن لها من قرية أو مدينة أتت على الأضرحة هدمًا وتخريبًا.
هـ - أنهم تعلَّقوا بأمور صغيرة ليس فيها وثنية ولا ما يؤدِّي إلى وثنية، وأعلنوا استنكارها؛ مثل التصوير الفوتغرافي، ولذلك وجدنا ذلك في فتاواهم ورسائلهم التي كتبها علماؤهم.
و- أنهم توسَّعوا في معنى البدعة توسُّعًا غريبًا، حيث إنهم ليزعمون أن وضع الستائر على الروضة الشريفة أمر بدعيٌّ، ولذلك منعوا تجديد الستائر عليها
…
". إلى أن قال: "وإننا لنجد فوق ذلك منهم مَن يعدُّ قول المسلم:
(سيدنا محمد) بدعة لا تجوز، ويغلون في ذلك غلوًا شديدًا".
إلى أن قال: "وإنه يلاحظ أن علماء الوهابيِّين يفرضون في آرائهم الصواب الذي لا يقبل الخطأ وفي آراء غيرهم الخطأ الذي لا يقبل التصويب، بل إنهم يعتبرون ما عليه غيرهم من إقامة الأضرحة والطواف حولها قريبًا من الوثنية". انتهى ما قاله في حق مَن سماهم الوهابية، ويظهر أنه امتلأ صدره غِلًا وحقدًا وغيظًا عليهم، فتنفس الصعداء بإفراغ بعض ما عنده، والله سبحانه مطلعٌ على كل قائل وقلبه:
{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]
وجوابنا عن ذلك من وجوه:
الوجه الأول: قوله: "إنهم في الحقيقة لم يزيدوا بالنسبة للعقائد شيئًا عما جاء به ابن تيمية"؛ معناه أن ابن تيمية في نظره جاء بعقائد ابتدعها من عنده، وأن الوهابية عدُّوه مُشَرِّعًا.
وقد سبق الجواب عن هذه الفرية، وبيَّنَّا أن شيخ الإِسلام ابن تيمية لم يبتدع شيئًا من عنده، بل كان على عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين والقرون المفضلة، لم يستحدث شيئًا من عنده. وإننا نتحدَّى كل من يقول مثل هذه المقالة الظالمة أن يبرز لنا مسألة واحدة خالف فيها شيخ الإِسلام ابن تيمية مَن سبقه من سلف الأمة. غاية ما في الأمر أنه جدَّد عقيدة السلف، ونشرها، وأحياها بعدما اندرست ونسيها الكثيرون.
ونقول أيضًا: إن شيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب وغيره من أئمة الدعوة لم يقتصروا على كتب شِيخ الإِسلام ابن تيمية، بل استفادوا منها ومن غيرها من الكتب السليمة المفيدة المتمشِّية على منهج السلف؛ يعرف هذا مَن طالع كتبهم.
الوجه الثاني: أن قوله: "لم يكتفوا بجعل العبادة كما قررها الإِسلام في القرآن والسنة" فرية عظيمة واتهام خطير لعلّماء دعوة التوحيد في نجد بأنهم ابتدعوا عبادات لم يشرعها الله ورسوله.
ولكن الله فضحه وبيَّن كذبه، حيث لم يجد مثالًا لما قال إِلا تحريم الدخان، وهذا مما يدل على جهله؛ فإن تحريم الدخان ليس من قسم العبادات والعقائد، وإنما هو من قسم الأطعمة والحلال والحرام والفروع. وأيضًا فإن تحريم الدخان لم يختصَّ به علماء الدعوة في نجد، بل حرَّمه غيرهم من علماء الأمة؛ لخبثه وضرره، وها هي الآن تقام أنشطة مكثفَّة للتحذير من شرب الدخان وتوعية الناس بأضراره من قبل المنظمات الصحية العالمية.
وقوله: "حتى إن العامَّة منهم يعتبرون المدخن كالمشرك".
هذه فرية أخرى، ولو صح أن أحدًا من العامة حصل منه ذلك، فالعاميُّ ليس بحجة يُعاب به أهل العلم، ولكن عوامَّ أهل نجد - والحمد لله - يعرفون من الحق أكثر مما يعرفه علماء الضَّلالة، يعرفون ما هو الشرك وما هو المحرَّم الذي لا يعُدُّ شركًا بما يقرؤون وما يسمعون من دورس التوحيد وكتب العقائد.
الوجه الثالث: قوله: "كانوا في أول أمرهم يحرِّمون القهوة وما يماثلها".
نقول: هذا كذب ظاهر، ولم يأت بما يُثبِت ما يقول، وما زال علماء نجد وعامتهم يشربون القهوة في مختلف العصور، وهذه كتبهم وفتاواهم ليس فيها شيء يؤيد ما يقوله، بل فيها ما يكذبه؛ فإن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرّحمن رحمه الله أنكر على مَن قال بتحريم القهوة من الجهال، وردَّ عليه، وله في ذلك رسالة مطبوعة مشهورة.
الوجه الرابع: قوله: "إن الوهابية لم تقتصر على الدعوة المجردة، بل عمدت إلى حمل السيف لمحاربة المخالفين لهم باعتبار أنهم يحاربون البدع".
أقول: أولاً: قوله: "إن الوهابية لم تقتصِر على الدعوة المجردة" يدل على جهله، فإن الدعوة المجرَّدة لا تكفي مع القدرة على مجاهدة أعداء الإِسلام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالدعوة والجهاد في سبيل الله.
ثانيًا: قوله: "إنهم حملوا السيف لمحاربة من خالفهم".
هذا كذب عليهم؛ فإنهم لم يحاربوا خصومهم لمجرد مخالفتهم، بل حاربوهم لأحد أمرين: إما للدفاع عن أنفسهم إذا اعتدى عليهم أحد، وإما لإزالة الشرك إذا احتاجت إزالته إلى قتال، وتاريخ غزواتهم شاهذ بذلك، وهو مطبوعٌ متداوَل في أكثر من كتاب.