الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخروج مع التبليغ للدعوة
لقد تأثرت بادىء الأمر بدعوتهم، وخرجت معهم في عدد من البلدان:
1 -
خرجت معهم في مدينة حلب التي أسكنها، وتجولنا في المساجد، ولا سيما يوم الجمعة، فخرجنا جماعة إلى خي مِن أحياء حلب يُسمى (قرلق) فيه مسجد كبير، ودخلت المسجد قبل صلاة الجمعة، وخرجت مع ابن عمتي -بناء على توجيه الأمير- إلى السوق، ودخلنا "مقهى كبير" فيه ناس يلعبون بالنرد والطاولة، والأوراق التي فيها تصاوير للصبي، وللبنت والرجل الكبير وكانت مهمتنا تنحصر في دعوة الناس إلى الصلاة، فدعوناهم واستجابوا إلا القليل منهم وعد بأن يكمل اللعب ثم يأتي المسجد.
ولما انتهينا من الجولة في الأسواق، ذهبنا الى المسجد، وكان الأمير ينتظرنا، ولما وصلنا أعطاني كتاب "رياض الصالحين" وطلب مني أن أقرأ "من آداب المسجد" فقرأت فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(مَن أكل ثومًا أو بصلًا فليَعتَزِلنا، وليعتَزل مسجدَنا ولْيقعد في بيته)"متفق عليه"
فشرحت للحاضرين في المسجد الحديث، وبينت لهم أن رائحة الدخان أشد من رائحة الثوم والبصل، فعلى المسلم أن يجتنبه لأنه يضر جسمه، ويؤذي جاره، ويتلف ماله، ولا فائدة من التدخين. .
وإذ بالأمير ينظر إلى الكتاب الذي أقرأه، وهو "رياض الصالحين" كأنه يقول لي: هذا الكلام عن التدخين غير موجود في الكتاب، فلا تقُله! وهذا خطأ؛ لأن التدخين منتشر بين المسلمين، حتى بين المصلين، فلا بُدَّ من التحذير منه، ولا سيما عند التحذير من أكل الثوم والبصل عند دخول المسجد.
ولاحظت عند الأحباب (جماعة التبليغ) بعض الأحاديث الضعيفة، فذكرتهم بذلك فقالوا لي: تعال معنا إلى الأمير العام في الأردن، فكلِّمه بذلك.
2 -
ذهبت مع الجماعة إلى مدينة (حماه) فكنا ندق الأبواب، فيخرج صاحب البيت، ويدعوه الأمير إلى الحضور إلى المسجد ليجتمع بهم ويسمع الدرس والبيان، دخلت على أميرهم في مسجدهم، فقال للوفود الحاضرين: نحن سجدنا لله، فأسجد الله لنا العالم!!
وهذا خطأ كبير، فالسجود عبادة لا يجوز لغير الله.
قال الله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} . [النجم: 62]
وسمعت رجلاً يناقش الأمير قائلًا: لماذا تفصلون الدين عن السياسة؟ وتقولون: لا سياسة في الدين، مع أن الدين فيه سياسة، فسكت الأمير ولم يعط الجواب كما هي عادتهم ورأيت شابًا يدخن على باب المسجد وله لحية جميلة، فنصحته أن يترك التدخين، وأعطيته قلنسوة هدية، فوضعها على رأسه، وألقى السيجارة على الأرض، فعلم الأمير بذلك واستدعاني، وأنكر عليَّ ذلك وقال لي: اتركه يدخن في الغرفة المجاورة للمسجد حتى يتركه بنفسه!
أقول: هذا خطأ فادح، يتركه يدخن حتى في الغرفة التي بجانب المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
(من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يَستطع فبلسانه، فإن لم يَستطع فبقلبه، وذلك أضَعف الإِيمان). "رواه مسلم"
ومررنا في سوق بلدة (حماه) فقال أحد المرافقين: لا أريد أن أمُرَّ بهذا السوق؛ لأن والدي سوف يراني ويغضب؛ لأنني تركته في الدكان وحده، وتركت زوجتي وحدها في البيت، وهي على أهبة الولادة فقلت له: هذا لا يجوز شرعًا اذهب إلى والدك واعتذر منه، أو اكتب له رسالة، واذهب إلى زوجتك واسأل عنها، فقد تكون مريضة أو بحاجة إلى من يرعاها هي وأولادها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(كفى بالمرء إثمًا أن يُضَيعَ مَن يعول). "حسن رواه أحمد وغيره"
3 -
ثم ذهبنا إلى دمشق، ودخلنا مسجد "كفر سوسة" فألقى بعد الصلاة شاب بيانًا ذكر فيه حديثًا قال فيه:(الدنيا قرار من لا قرار له) وبعد أن انتهى من كلمته قلت له: هل هذا حديث صحيح؟ فقال لي: سمعته من الأحباب، قلت له: هذا لا يكفي، فالتفت إلى رجل عالم بجانبه وسأله عن الحديث؟ فقال له: هذا ليس بحديث، ثم نصحته برفق أن يتحرى الأحاديث الصحيحة ويبتعد عني الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ولما رآني أميرهم جاءني وقال لي لا تعلمه، الله يعلِّمه!! عِلمًا بأنه يخصص لهم دروسًا في الفقه وغيره.
ومضت أعوام، وجئت إلى مكة، فرأيت الرجل يذهب إلى الحرم قبل صلاة الجمعة، فلحقت به، وسلمت عليه، وقلت له: أنت أبو شاكر، فقال لي نعم: قلت له:
أنت الذي كنت في دمشق وقلت لي: لا تعلم هذا الشاب، الله يعلمه، فقال نعم: قلت: كيف تقول ذلك؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إنما العلم بالتعلم). "حسن انظر صحيح الجامع"
فقال لي: إنني أخطات؛ ونصحته ألا يرفض العلم والنصيحة، علمًا بأنه مدرس في الطائف، ولا بد أنه متعلم حتى أصبح معلمًا.
وذهبت في جولة معهم وكنا ثلاثة، فدخلنا غرفة فيها شباب يلعبون بالورق،
ويسمونه (الشدة) وفيها تصاوير وأرقام وأعداد، فتكلمت مع الشباب برفق، وقلت لهم: هذا حرام يضيع أوقاتكم، ويجر إلى لعب الميسر، ويورث العدواة بين اللاعبين، فاقتنعوا وبدأوا يمزقون الورق الذي كانوا يلعبون به، وأعطوني بعضها حتى أشاركهم في تمزيقها، فمزقت بعض الأوراق مشاركة لهم وكسبًا للأجر، ثم ذهبوا معنا إلى الصلاة في المسجد.
ولما علم بذلك أميرهم استدعاني، وأنكر عليَّ تمزيق الورق الذي كانوا يلعبون به، قلت له: لقد طلبوا منى مشاركتي لهم في التمزيق ففعلت، وهم الذين بدأوا بتمزيق الورق قبلي، فلم يقبل ذلك!
قلت في نفسي: هؤلاء يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(مَن رأى منكم منكرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإِيمان). "رواه مسلم"
4 -
ثم ذهبت معهم إلى الأردن، ولهم مسجد كبير في (عمان) يجتمعون فيه، فنزلنا في المسجد، وصلينا فيه، ثم ألقى أحد المسؤولين بيانًا ذكر فيه أشياء غريبة، قال يخاطب الحاضرين:
أ - يا أحبابنا لا تأكلوا كثيرًا، حتى لا تتغوطوا كثيرًا، فالِإمام الغزالي ذهب إلى الحج مدة شهر ولم يتغوط (أي لم يذهب للحمام) فقال له أحد الجالسين: مِن أين أتيت بهذه القصة؟ فأنكرها عليه؛ لأنه لا يمكن للإِنسان البقاء مدة شهر دون قضاء حاجته، ثم قام الرجل من المسجد، وترك الإجتماع.
ب - ثم قال في بيانه وهو يقرأ من كتاب: (حياة الصحابة): لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف التقى بخادم اسمه (عداس) فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن بلده؟ فقال من بلد (نينوى) قال له: من بلدة (يونس عليه السلام) ذاك أخي في النبوة، فسجد
عداس للرسول صلى الله عليه وسلم.
لقد استغربت هذا الكلام: كيف يرضى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسجد له (عداس) والسجود لا يجوز إلا لله.
وهذه القصة غير صحيحة، والصحيح: أن (عداس) أكبَّ على قدمي الرسول صلى الله عليه وسلم يقبلهما، وهذا التقبيل يختلف عن السجود تمامًا، فالكتاب (حياة الصحابة) يحتاج إلى تحقيق لمعرفة الصحيح من الضعيف والموضوع، وقد نصحت الأخ (محمد علي دولة) وطلبت منه أن يحقق الكتاب لأنه هو الذي تولى طبعه ونشره، فقال لي: الكتاب كله في الفضائل، وليس فيه أحكام، قلت له: هذا غير صحيح، وأتيت له بحديث أورده مؤلف (حياة الصحابة) وهو:
(أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم).
قال عنه المحدثون: إنه موضوع، فسكت الأخ "محمد علي دولة".
وقد التقيت بالشيخ نايف العباسي -رحمه الله تعالى- في دمشق وقلت له: لقد قرأت في كتاب "حياة الصحابة" الذي حققته ما يلي:
لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف، وقد دعاهم للإِسلام، فردوا عليه دعوته، وآذوه، فجلس يقول:
(اللهم أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، إلى مَن
تكِلُني؟ إلى عَدُو يتجهمني، أم إلى قريب ملَّكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي. . إلى آخر الدعاء). "ضعفه الألباني"
كيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم معاتبًا ربه: إلى من تكلني؟! [أي تتركني]
والله تعالى يقول له: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} . [الضحى: 3]
[أي ما تركك ربك وما أبغضك]. "انظر تفسير ابن كثير"
فقال لي الشيخ نايف العباسي: والله كلامك صحيح، رسول الله لا يقول هذا
الكلام، ولكني حققت الكتاب من الناحية التاريخية واللغوية، وهذا الكتاب يحتاج إلى مثل الشيخ ناصر الدين الألباني ليخرِّج أحاديثه. قلت له: إن الشيخ ناصر حفظه الله ضعَّف الحديث، وقال: في متنه نكارة، ولعله يشير إلى قوله:
(إلى مَن تكلني؟) التي تخالف القرآن والواقع.
5 -
حضرت اجتماعًا لهم خطب فيه أميرهم (سعيد الأحمد) فقال:
مَرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على بناء فقال لأصحابه لمن هذا؟ قالوا لفلان، ولما مرَّ صاحب البناء على الرسول صلى الله عليه وسلم سلّم عليه فلم يرد عليه السلام، وأخبره الصحابة السبب، فذهب الصحابي وهدم البناء حتى يرد عليه السلام.
أقول: هذا الحديث غير صحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
(نِعمَ المال الصالح للرجل الصالح). "صحيح رواه أحمد"