الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فضائل الدعوة
الوجه الخامس: قوله: "إنها كانت كلَّما مُكِّنَ لها من قرية أو مدينة؛ أتت على الأضرحة هدمًا وتخريبًا".
أقول: هذا من فضائلهم، وإن عدَّه هو وأضرابه من معايبهم؛ لأنهم ينفِّذون بذلك وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لعلّي رضي الله عنه:"لا تَدَعْ قبًرا مشرفًا إِلا سوَّيته". [رواه مسلم]
فأي عيب في ذلك إذا أزالوا مظاهر الوثنية، وعملوا بالسنة النبوية؟ ولكن أهل الجهل والضلال لا يعلمون، فيعتقدون الحسن قبيحًا، والقبح حسنًا، والمنكر معروفًا، والمعروف منكرًا، وقد تكاثرت الأدلة على تحريم البناء على القبور لأن ذلك من وسائل الشرك، فلا بدَّ من هدم الأضرحة وإزالة مظاهر الوثنية، وإن غضب أبو زهرة وأضرابه ممَّن يَرَون بقاء الأضرحة التي هي منابت الوثنية وأوكارها.
الوجه السادس: قوله: "إنهم تعلَّقوا بأمور صغيرة"، ثم مثَّل لذلك بتحريم التصوير الفوتغرافي. والجواب عن ذلك:
أوَّلًا: إن التصوير ليس من الأمور الصغيرة، بل هو من كبائر الذنوب؛ للأحاديث الصحيحة في النّهي عنه، والتحذير منه، ولعن المصورين، والإِخبار بأنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة؛ من غير تفريق بين التصوير الفوتغرافي وغيره، ومَن فرَّق؛ فعليه الدّليل، والمحذور في التصوير والتعليل الذي حُرمَ من أجله متحقَّقان في جميع أنواع الصور الفوتغرافية وغيرها.
وثانيًا: قوله: "إن التصوير لا يؤدِّي إلى وثنية" قول مردود؛ لأن التصوير من أعظم الوسائل التي تؤدِّي إلى الوثنية، كما حصل لقوم نوح لما صوَّروا الصالحين، وعلّقوا صورهم على مجالسهم، وآل بهم الأمر إلى أن عبدوا تلك الصور، كما ورد ذلك في "صحيح البخاري" وغيره عند تفسير قوله تعالى:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}
"نوح آية 23"
الوجه السابع: قوله: "إنهم توسَّعوا في معنى البدعة توسُّعًا غريبًا، حتى إنهم ليزعمون أن وضع ستائر على الروضة الشريفة أمرٌ بدعيٌّ، ولذلك منعوا تجديد الستائر عليها".
والجواب عن ذلك أن نقول:
أوَّلًا: هو لا يدري ما هي الروضة الشريفة، فيظن أنها الحجرة النبوية، وليس الأمر كذلك: فالروضة في المسجد، وهي ما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم وبيته لقوله صلى الله عليه وسلم:
"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة". [متفق عليه]
والحجرة النبوية خارج الروضة، وكانت خارج المسجد قبل التوسعة التي أجراها الوليد بن عبد الملك.
ثانيًا: الروضة لا يمكن وضع ستائر عليها، ولا يُتَصَوَّر، وإنما يقصد الحجرة النبوية؛ يريد أن تجعل مثل الأضرحة القبورية، فتجعل عليها الستور كما على الأضرحة، وهذا لا يجوز لأمرين:
1 -
لأنه لم يكن من عمل السلف الصالح من الصحابة والتابعين والقرون المفضلة، فلم يكن عليها ستائر في وقتهم.
2 -
لأنه وسيلة إلى الشرك، بل ستر سائر الحيطان عمومًا إسراف لا ينبغي فعله. قال في "المغني" (7/ 9):
"فأما ستر الحيطان بستور غير مصوَّرة؛ فإن كان لحاجة من وقاية حَر أو بَرد فلا بأس لأنه يستعمله في حاجته، فأشبه الستر على الباب وما يلبسه على بدنه، وإن كان لغير حاجة؛ فهو مكروهٌ وعذرٌ في الرجوع عن الدعوة (يعني: إلى الوليمة).