الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعاء هو العبادة
هذا الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي، يدل على أن الدعاء من أهم أنواع
العبادة، فكما أن الصلاة لا تجوز أن تكون لرسول أو ولي، فكذلك لا يُدعى الرسول أو الولي من دون الله.
1 -
إن المسلم الذي يقول: يا رسول الله أو يا رجال الغيب غوثًا ومددًا، هو دعاء وعبادة لغير الله، ولو كانت نيته أن الله هو المغيث، ومثله مثل رجل أشرك بالله عز وجل وقال: أنا في نيتي أن الإِله واحد، فلا يُقبل منه هذا، لأن كلامه دل على خلاف نيته، فلا بُدَّ من مطابقة القول للنية والمعتقد، وإلا كان شركًا أو كفرًا لا يغفره الله إلا بتوبة.
2 -
فإن قال هذا المسلم أنا في نيتي أن أتخذهم واسطة إلى الله، كالأمير الذي لا أستطيع أن أدخل عليه إلا بواسطة:
أقول: هذا تشبيه الخالق بالمخلوق الظالم الذي لا يدخل عليه أحد إلا بواسطة، وهذا التشبيه من الكفريات.
قال الله تعالى منزهًا ذاته وصفاته وأفعاله:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . "سورة الشورى: آية 11"
فتشبيه الله بمخلوق عادل كفر وشرك، فكيف إذا شبهه بإنسان ظالم؟ تعالى الله عما يقوله الظالمون علوًا كبيرًا.
والأمير العادل لا يحتاج لواسطة، فكيف بأعدل الحاكمين؟
3 -
لقد كان المشركون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقدون أن الله هو الخالق والرازق، ولكنهم يدعون الأولياء الممثلين في الأصنام واسطة تقربهم إلى الله، فلم يرض الله منهم هذه الواسطة، بل كَفَّرهم وقال لهم:
والله تعالى سميع قريب لا يحتاج إلى واسطة.
قال الله تعالى:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} . "سورة البقرة: آية 186"
4 -
إن هؤلاء المشركين كانوا يدعون الله وحده عند المصائب والشدائد:
ولكن المشركين كانوا يدعون أولياءهم الممثلة في الأصنام وقت الرخاء، فكفرهم القرآن ولم يرضَ منهم دعاءهم لله وحده وقت الشدائد، فما بال بعض المسلمين يدعون غير الله من الرسل والصالحين، ويستغيثون بهم، ويطلبون المعونة منهم وقت الشدائد والمحن ووقت الرخاء!! ألم يقرأوا قول الله تعالى:
{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} . "سورة الأحقاف: آية 5 - 6"
5 -
يظن الكثير من الناس أن المشركين الذين ورد ذكرهم في القرآن كانوا يدعون أصنامًا من الحجارة وهذا خطأ، لأن الأصنام الذين ورد ذكرهم في القرآن كانوا في الأصل رجالًا صالحين:
ذكر البخاري عنِ ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى في سورة نوح:
"سورة نوح: آية 23"
قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلك أولئك أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا، وسموها بأسمائه، ففعلوا ولم تُعبَد، حتى إذا هلك أولئك ونُسيَ العلم عُبدت. (أي الأصنام).
6 -
قال الله تعالى منكرًا على الذين يدعون الأنبياء والأولياء والجن:
عن ابن مسعود قال: كان نفرٌ من الإِنس يعبدون نفرًا من الجن، فأسلم النفر من الجن، فاستمسك الآخرون بعبادتهم فنزلت:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} . "متفق عليه"
قال الحافظ ابن حجر: استمر الإنس الذين كانوا يعبدون نفرًا من الجن على عبادة الجن،
والجن لا يرضون بذلك لكونهم أسلموا، وهم الذين صاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة. وروى الطبري من وجه آخر عن ابن مسعود فزاد فيه: والإِنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم وهذا هو المعتمد في تفسير الآية. "انظر فتح الباري ج 8/ 397"
والوسيلة: هي القربة، كما قال قتادة، ولهذا قال:
{أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} . "انظر تفسير ابن كثير"
أقول: في هذه الآية رد على الذين يدعون غير ربهم من الأنبياء والأولياء ويتوسلون بهم، ولو توسلوا بإيمانهم بهم، وحبهم لهم -وهو من العمل الصالح- لكان حسنا، لأنه من التوسل المشروع.
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية ما خلاصته:
نزلت هذه الآية في جماعة من الإِنس كانوا يعبدون الجن ويدعونهم من دون الله: فأسلم الجن وقيل نزلت في جماعة من الإِنس كانوا يدعون المسيح والملائكة.
فهذه الآية تنكر على من يدعو غير الله ولو كان نبيًا أو وليا.
7 -
يزعم البعض أن الاستغاثة بغير الله جائزة ويقولون: المغيث على الحقيقة هو الله، والإستغاثة بالرسول والأولياء تكون مجازًا كما تقول شفاني الدواء والطبيب، وهذا مردود عليهم في قول ابراهيم عليه السلام:
{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} . "سورة الشعراء: آية 80"
أكد بالضمير (هو) في كل آية ليدل على أن الهادي والرازق والشافي هو الله وحده لا غيره، وأن الدواء قد يسبب الشفاء وليس شافيًا.
8 -
الكثير من الناس لا يفرق بين الاستغاثة بحي أو بميت والله تعالى يقول:
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} . "سوره فاطر: آية 22"
أما قوله تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} .
"سورة القصص: آية 15"
فهي حكاية عن رجل استغاث بموسى حيًا ليحميه من عدوه، وقد فعل ذلك.
{فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} . "سوره القصص: آية 15"
وأما الميت فلا يستطيع الِإجابة لعدم قدرته على ذلك، قال تعالى:
{إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} "سورة فاطر: آية 14"
(وهذا نص صريح أن دعاء الأموات شرك).
وقال الله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} . "سورة النحل: آية 20 - 21"
9 -
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الناس يوم القيامة يأتون الأنبياء فيستشفعون بهم، حتى يأتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فيستشفعوا به أن يُفرِّج عنهم، فيقول: أنا لها، ثم يسجد تحت العرش ويطلب من الله الفرج وتعجيل الحساب، وهذه الشفاعة طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حي يكلمه الناس ويكلمونه، أن يشفع لهم عند الله ويدعو لهم بالفَرَج، وهذا ما سيفعله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي.
10 -
وأكبر دليل على الفرق بين الطلب من الحي والميت هو ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما نزل بهم القحط، فطلب من العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم، ولم يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله للرفيق الأعلى.
11 -
يظن بعض أهل العلم أن التوسل كالإستغاثة مع أن الفرق بينهما كبير، فالتوسل هو الطلب من الله بواسطة فتقول مثلَا:
(اللهم بحبك وحبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحبنا لأوليائك فرِّج عنا) فهذا جائز.
أما الاستغاثة البدعية فهي الطلب من غير الله فتقول:
(يا رسول الله فَرِّج عنا) وهذا غير جائز وهو شرك أكبر لقوله تعالى:
{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} . (أي المشركين)"سورة يونس: آية 106"
وقال تعالى آمرًا نبيه أن يقول للناس:
{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} . "سورة الجن: آية 21"
{قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} . "سورة الجن: آية 20"
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله). "رواه الترمذي وقال حسن صحيح"
وقال الشاعر:
الله أسأل أن يُفرج كربنا
…
فالكرب لا يمحوه إلا الله