الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توضيحات حول الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
-
1 -
قد يشكل على بعض الناس كيف طلب النبي صلى الله عليه وسلم له من الصلاة ما لِإبراهيم مع أنه صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم عليه السلام مع أن الأصل أن المشبِّه به فوق المشبّه؟!
والجواب عن هذا الإِشكال من وجهين:
الأول: إن آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليس في آل محمد مثلهم فإذا طلب للنبي صلى الله عليه وسلم ولآله من الصلاة مثل ما لِإبراهيم وآله- وفيهم الأنبياء- حصل لآل محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك ما يليق بهم.
وتقرير ذلك: أن يجعل الصلاة الحاصلة لإِبراهيم ولآله وفيهم الأنبياء جملة مقسومة على محمد صلى الله عليه وسلم وآله، ولا ريب أنه لا يحصل لآل النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما حصل لآل إبراهيم وفيهم الأنبياء، بل يحصل لهم ما يليق بهم، فيبقى قِسم النبي صلى الله عليه وسلم المتوفرة التي لم يستحقها آله مختصة صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو مِن آل إبراهيمِ بل هو من خير آل إبراهيم، فيكون قولنا:(كما صَليتَ على آل إبراهيم) متناولًا للصلاة عليه وعلى سائر النبيين مِن ذرية إبراهيم، ثم قد أمرَنا الله أن نُصلِّى عليه وعلى آله خصوصًا بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عموماً وهو فيهم، ويحصل لآله من ذلك ما يليق بهم، ويبقى الباقي كله له صلى الله عليه وسلم.
وتقرير هذا أنه يكون قد صلَّى عليه خصوصًا، أو طلب له من الصلاة ما لآل إبراهيم وهو داخل معهم، ولا ريب أن الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أكِمل من الصلاة الحاصلة له دونهم، فيطلب له من الصلاة هذا الأمر العظيم الذي هو أفضل مما لإِبراهيم قطعًا ويظهر حينئذ فائدة التشبيه. "انظر جلاء الأفهام ص 150 - 160"
2 -
يرى القارئ أَيضًا أنه ليس في شيء منها لفظ: (السيادة) ولذلك اختلف المتأخرون في مشروعية زيادتها في الصلوات الإِبراهيمية، ولا يتسع المجال الآن لنفصل القول في ذلك.
وذكر مَن ذهب إلى عدم مشروعيتها اتباعًا لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم الكامل لأُمته حين سُئل
عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فأجاب آمرًا بقوله:
(قولوا: اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد). "رواه البخاري ومسلم"
ولكني أُريد أن أنقل إلى القراء الكرام هنا رأي الحافظ ابن حجر العسقلاني في ذلك باعتباره أحد كبار علماء الشافعية الجامعين بين الحديث والفقه، فقد شاع لدى متأخري الشافعية خلاف هذا التعليم النبوي الكريم!
أ - فقال الحافظ محمد بن محمد الغرابيلي، وكان ملازمًا لابن حجر، قال رحمه الله ومن خطه نقلتُ-:
(وسُئل "أي الحافظ ابن حجر" أمتع الله بحياته عن صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة أو خارج الصلاة سواء قيل بوجوبها أو ندبيتها هل يشترطافيها أن يصفه صلى الله عليه وسلم بالسيادة كأن يقول مثلَا: اللهم صلِّ علي سيدنا محمد أو على سيد الخلق وعلى سيد ولد آدم؟ أو يقتصر على قوله: اللهم صلِّ على محمد؟ وأيهما أفضل الإتيان به لعدم ورودِ ذلك في الآثار؟ فأجاب رضي الله عنه: نعم اتباع الألفاظ المأثورة أرجح، ولا يُقال: لعله ترك ذلك تواضعًا منه صلى الله عليه وسلم -كما لم يكن يقول عند ذكره صلى الله عليه وسلم: (صلى الله عليه وسلم) وأُمته مندوبة إلى أن تقول ذلك كما ذُكر؛ لأنا نمَول: لو كان ذلك راجحًا لجاء عن الصحابة ثم عن التابعين، ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد مِن الصحابة ولا التابعين لهم قال ذلك، مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك.
وهذا الإِمام الشافعي أعلى الله درجته، وهو من أكثر الناس تعظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة كتابه الذي هو عمدة أهل مذهبه:(اللهم صَل على محمد) إلى آخر ما أداه إليه اجتهاده وهو قوله: كما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون، وكأنه استنبط ذلك من الحديث الصحيح الذي فيه (سبحان الله عدد خلقه) فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لأُم المؤمنين ورآها أكثرت التسبيح وأطالته:
(لقد قلتُ بعدَكِ كلماتٍ لو وُرنت بما قلتِ لورنتهن فذكر ذلك)"رواه مسلم"
وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه الجوامع من الدعاء.
"انظر صفة الصلاة للألباني"
3 -
أفضل الصيغ ما علَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يختار لهم وكذا لنفسه إلا الأشرف والأفضل؛ ومن ثَم صوَّبَ النووي في الروضة أنه لو حلف لَيُصَلِّين عليه صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة لم يَبرَّ إلَّا بتلك الكيفية، وَوَجّهه السبكي بأنه من أتى بها فقد صلى على النبي صلى الله عليه وسلم بيقين وكل من جاء بلفظ غيرها فهو
من إتيانه بالصلاة المطلوبة في شك؛ لأنهم قالوا: كيف نصلي عليك؟ قال:
(قولوا
…
).
فجعل الصلاة عليه منهم هي قولهم كذا.
4 -
لا يُشرع تلفيق صيغة صلاة واحدة من مجموع هذه الصيغ بل ذلك بدعة في الدين وإنما السنة أن يقول هذا تارة وهذا تارة كما بينه شيخ الإِسلام ابن تيمية. "انَظر صفة الصلاة للألباني ص 135 - 139"
5 -
قوله: (إنك حميد مجيد). فالحميد فعيل مِن الحمد، وهو بمعنى محمود وهو أبلغ من المحمود فإن فعيلًا إذا عُدِلَ به عن مفعول دلَّ على أن تلك الصفة قد صارت مثل السجية الغريزية والخلق اللازم كما إذا قلت فلان ظريف أو شريف أو كريم، ولهذا يكون هذا البناء غالبًا من فَعُل بوزن شرُفَ.
فالحميد الذي له من الصفات وأسباب الحمد ما يقتضي أن يكون محمودًا وإن لم يحمده غيره فهو حميد في نفسه، والمحمود مَن تعلق به حَمْدُ الحامدين. وهكذا المجيد والمُمَجد، والحمد والمَجد إليهما يرجع الكمال كله، فإن الحمد يستلزم الثناء والمحبة للمحمود، وأما المجد فهو مستلزم للعظمة والسعة والجلال، كما يدل عليه موضوعه في اللغة فهو دال على صفات العظمة والجلال، والحمد يدل على صفات الإِكرام، والله سبحانه ذو الجلال والإِكرام.
ولما كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي ثناء الله تعالى عليه وتكريمه، والتنويه به ورفع ذكره زيادة حبه وتقريبه كما تقدم كانت مشتملة على الحمد والمجد فكان المصلي طلب من الله تعالى أن يزيد في حمده ومجده فإن الصلاة عليه هي نوع حمد له وتمجيد، هذه حقيقتها فذكر في هذا المطلوب الإسمين المناسبين له وهما أسماء الحميد والمجيد.
"جلاء الأفهام ص 173"