الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنسخة التى اطلعت عليها وهى كافى المحتاج تحمل هذا العنوان (1). "الفروق للأسنوى". مع أن المؤلف لم يشر إلى هذه التسمية فى مقدمته لهذا الكتاب.
ولعل ذلك قد يرجع إلى أن المصنفين فى هذا النوع (الفروق) يجمعون مسائله مما تحتويه بطون عديد من المختصرات والمطولات، من المحاسن المتفرقات فى مكان من الفروع الفقهية، كما أشار إلى ذلك الأسنوى.
وقد يكون السبب هو أن هذه الفروع تحتوى على كثير من المسائل الفروقية. فهى الأم بالنسبة لما حصل عليها من مؤلفات، من إطلاق العام وإرادة الخاص.
وبهذا الإطلاق العام يمكن أن نقول بأن الفروق الفقهية قد ظهرت منذ ظهور الفقه الإسلامى الأول، وكثيرًا ما نجد ذلك مفرقا فى فقه الصحابة والتابعين.
يقول عمر بن الخطاب- رضى اللَّه عنه- فى خطابه لأبى موسى الأشعرى: "اعرف الأشباه والنظائر، وقس الأمور عند الاختلاف"(2). ثم ازداد ذلك وضوحًا بظهور عصر المذاهب الفقهية، والعمل بالقياس، وكثيرًا ما نجد ذلك مفرقًا فى كتب الأئمة أنفسهم كالأم للشافعى، والموطإ للإمام مالك، وكذا باقى الأئمة فى كتبهم. ثم اتسع هذا الأمر وضوحًا بزيادة الاتجاه نحو التأليف والتصنيف بعد عصر المذاهب الفقهية، وظهور مبدإ التقليد.
وقد حفظت لنا المكتبات الفقهية من هذا النوع آلاف الكتب مع اختلاف العصور، وهى موسوعات فقهية كبرى، بل إن المؤلفات التى خصصت بعد ذلك للفروق بمعناها الخاص قد جمعت مادتها العلمية من بطون هذه الكتب فى أغلب أصولها.
أما الفروق بالمعنى الاصطلاحى الخاص الذى أوضحناه سابقًا:
فظهورها يرتبط بتاريخ التصنيف فيها كفن من فنون التصنيف والتأليف، وقد ظهر هذا النوع فى وقت مبكر أيضًا، وذلك منذ ظهور الاتجاه نحو التأليف، والتصنيف، ولكنه بالقياس إلى الفروع كان قليلًا جدًا.
(1) انظر فى: رقم 734. أزهر.
(2)
انظر: أعلام الموقعين جـ 1 ص 86.
وقد كان تأليف الفقهاء لهذا النوع على قسمين:
1 -
منها ما هو موضوع للجمع والفرق بخصوصه، كالجمع والفرق للجوينى، والجوامع والفوارق للأسنوى (1).
2 -
ومنها ما جاء وهو أعم من ذلك: كفروق (2) الجرجانى ويسمى "بالمعاياة". وقد ظهر هذا النوع من التأليف (وهو الفروق) فى القرن الثالث الهجرى على يد محمد بن الحسن بن بشير الحكيم الترمذى، المتوفى سنة 255 هجرية الموافق 868 ميلادية. وألف فى ذلك كتابه "الفروق" إلا أن هذا الكتاب كان عامًّا، وليس خاصًّا بالفروق الفقهية. فقد جاء بأمور متغايرة المعنى، يفرق فيه بين المواراة والمداهنة، والمحاجة والمجادلة، والمناظرة والمغالبة، والانتصار والانتقام. . . وهلم جرّا (3). والظاهر أنه خاص بفروق علل الحديث.
ثم جاء من بعده ابن سريج (4)، وألف فى الفروق أيضًا، وفروقه مشتملة على أجوبة متعلقة بمختصر المزنى (5).
ثم جاء محمد بن صالح الكرابيسى الحنفى (6) فى القرن الرابع، وصنف فى الفقه الحنفى كتابه "الفروق"(7).
ثم جاء من بعده أبو عبد اللَّه القطان (8)، وألف فى الفروق كتابه "المطارحات" إلا أنه يجمع فيه بين الفروع والفروق معًا (9).
ثم جاء أبو عبد اللَّه بن يوسف الجوينى الشافعى، المتوفى سنة 438 هـ وألف فى ذلك كتابه "الجمع والفرق" وهو كتاب مطول، يذكر فيه المسألة الفقهية بجميع
(1) سيأتى الكلام عنها بعد قليل.
(2)
سيأتى التعريف به والكلام عنه بعد قليل.
(3)
طبقات السبكى 2/ 246.
(4)
هو أحمد بن عمر بن سريج الشافعى، المتوفى سنة 306 هـ.
(5)
انظر: مقدمة مطالع الدقائق للأسنوى.
(6)
توفى سنة 322 هـ.
(7)
انظر: هدية العارفين 2/ 33.
(8)
هو محمد بن أحمد القطان، المتوفى سنة 407 هـ.
(9)
انظر: مقدمة المطالع للأسنوى.
جوانبها وأدلتها، ثم يذكر الفرق. وقد يستطرد من مسألة إلى أخرى، والنسخة التى اطلعت عليها -مع أنها ناقصة من أولها- تقع فى 231 ورقة من الحجم الكبير، وتنتهى بجزء من الكلام على الرهن. وإليك نموذجًا مما جاء فيه:
مسألة (1): نص الشافعى -رضى اللَّه عنه- فى رواية الربيع على أن المسافر إذا تيمم وصلى، ثم وجد بئرًا ومعها الدلو والرشا -فليس عليه قضاء تلك الصلاة، ونص فى رواية المزنى- والربيع على أن المتيمم إذا فرغ من الصلاة فى السفر، ثم تذكر الماء فى رحله - كان عليه قضاء الصلاة. وفى مسألة البئر رواية أخرى عن الشافعى -رضى اللَّه عنه- رواها حرملة خلاف رواية الربيع، حتى أنه ادعى بعض أصحابه قولين فى مسألة البئر وادعى بعضهم حالين. ولم يختلف المذهب فى النَّاسى أن القضاء واجب عليه.
والفرق بينهما أن الناسى منسوب إلى التفريط الظاهر والتقصير الفاحش، ووجه تفريطه أنه قد كلّف الطلب قبل التيمم، وإذا أراد الاشتغال بالطلب فعليه تأمل رحله وتفتيشه والطلب من رفقته وفى طريقه، فإذا تذكر بعد الصلاة أن الماء فى رحلة ظهر تقصيره فى طلبه، وربما تكون الإداوة المشتملة على الماء فى عنقه. وأما آبار الوادى فغير محصورة، وربما يجهد فى الطلب ولا يعثر على البئر منها إلا بسابق علم، فلا يكاد ينسب إلى التفريط، حتى أنه إن تحققت له صفة التفريط ألزمناه أيضًا القضاء، مثل أن يكون له علم سابق بها وبمكانها وبالمرحلة التى فيها، فإذا نسيها لم يعذر وقد علمها، ولو تصور فى الرجل انتفاء التفريط يسقط عنه القضاء، وربما يتصور أن يعلم الرجل خلو رحله ومزاده عن الماء، ولم يعلم أن صديقًا له دس فى رحله ماء هدية ومبرة. فلا يلزمه القضاء فى مثل هذه الحالة.
ثم جاء من بعده: أبو الخير لسلامة بن إسماعيل بن جماعة المقدسى الشافعى، المتوفى سنة 480 هـ - 1087 م، وألف فى ذلك كتابه "الوسائل فى فروق المسائل" وهو كتاب جليل، عزيز الوجود - على ما قاله الأسنوى (2) - لم أطلع عليه.
ثم جاء القاضى: أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الجرجانى الشافعى،
(1) الجمع والفرق مخطوط ص 4 نسخة دار الكتب المصرية.
(2)
راجع مقدمة الطالع للأسنوى، وطبقات السبكى 2/ 99.
المتوفى سنة 482 هـ - 1089 م، وألف فى ذلك كتابه "الفروق"، ويعرف أيضا بـ "المعاياة" - وهو متوسط التأليف، والنسخة التى اطلعت عليها كاملة، وتقع فى 217 ورقة من الحجم الكبير (1). قال فى مقدمتها: هذه مسائل تصلح للإلقاء عند المعاياة، خرجتها على ترتيب أبواب الفقه لتعم الفائدة لمكانها ومسألتها على من يريد المحاضرة. ولذلك سماها البعض بالمعاياة (2). وهو يجمع فيه بين الفروق والفروع معًا، فهو من النوع الثانى عند الأسنوى. وإليك نموذجًا منه:
مسألة: الماء القليل إذا تغير بالنجاسة، وأضيف إليه من الماء ما زاد. به نظر، فإن كان قد بلغ قلتين فهو طاهر مطهر، وإن لم يبلغ قلتين نظر، فإن كان الوارد أقل من المورود عليه فهو طاهر لوجود المكاثرة. كالأرض النجسة إذا كوثرت بالماء، ولكنه غير مطهر لأن الغلبة للماء الذى كوثر به، وهو يستعمل فى إزالة النجاسة، فهو كما لو طرح ماء مستعملًا على ماء مطلق منه. لم يكن مطهرًا لأن الغلبة للمستعملة (3).
وله فى ذلك كتاب آخر يسمى "المطارحات" مهم، وقد نسبه إليه الأسنوى وأخذ منه. ولم أطلع عليه.
ثم جاء أبو الحسين بن مسعود بن محمد، المعروف بابن الفراء البغوى (4)، وألف فى ذلك كتابه، المسائل والفروق (5) لم أعثر عليه.
ثم جاء فى القرن السادس: أسعد بن محمد الكرابيسى النيسابورى الحنفى، المتوفى سنة 570 هـ - 1174 م، وألف فى ذلك كتابه "الفروق"(6).
وفروقه مسائل التقطها من الكتب الأخرى، ليس فيها قياس ولا استحسان، ولا خلاف مشهور بين الحنفية (7). وإليك نموذجًا منها:
(1) وهى بدار الكتب تحت رقم 519 فقه شافعى، قسم المخطوطات.
(2)
راجع ترجمته فى طبقات السبكى 4/ 75، ومعجم المؤلفين 2/ 66.
(3)
الفروق للجرجانى خ ص 2.
(4)
ابنه احسين البغوى، صاحب "التهذيب" فى الفقه الشافعى، المتوفى سنة 516 هـ.
(5)
الفهرست: 215.
(6)
راجع فى ترجمته معجم المؤلفين 2/ 247. وقد قام بتحقيق هذا الكتاب للمرة الأولى السيد/ محمد طموم، المعيد بكلية الشريعة والقانون.
(7)
راجع كتاب الفروق خ رقم 292 فقه شافعى بدار الكتب.
كتاب الطهارة (1): قال أبو حنيفة -رضى اللَّه عنه- إذا خرج الدود من إحدى السبيلين ينتقض الوضوء، وإن خرج من الجرح لم ينتقض. الفرق: أن الدود لا يخلو من قليل بلة يكون معها، وتلك البلّة قليل نجاسة، وقليل النجاسة إذا خرج من غير السبيلين لم ينتقض الوضوء لأن الدود حيوان. وهو طاهر فى الأصل، والشئ الطاهر إذا خرج من إحدى السبيلين لم يوجب نقض الوضوء كالدمع والعرق. وفرق محمد بن شجاع بأن الدود من الجرح يتولد من اللحم، فصار كما لو كان كذلك لم ينتقض وضوؤه كذا أصله. وأما فى السبيلين فإنه يتولد من النجاسة، وتلك النجاسة لو خرجت بانفرادها أوجبت نقض الوضوء، فكذلك ما يتولد منها إذا خرج.
ثم جاء فى القول الصحيح. الإمام المقدسى الشافعى المعروف بأبى العباس الحنبلى، المتوفى سنة 630 هـ - 1241 م، وألف فى ذلك كتابه "الفروق"(2). لم أطلع عليه.
ثم جاء من بعده شهاب الدين القرافى: أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجى، المتوفى سنة 684 هـ - 1285 م، وألف فى ذلك كتابه الفروق المسمى بـ "أنوار البروق فى أنواع الفروق". وهو عبارة عن فروق بين القواعد الكلية للفقه كالفرق بين الشهادة والرواية. وقد جمع فيه من القواعد 548 ثمانية وأربعين وخمسمائة قاعدة، أوضح فى كل قاعدة ما يناسبها من الفروع، وهو كتاب مطول مهم جليل مشهور. وسنوضح منهجه فى تأليفه لهذه الفروق أكثر عند الكلام عن منهج الأسنوى فى تأليفه للفروق، ونعقد مقارنة بينهما بعد قليل.
ثم جاء يونس بن عبد الحميد بن داود الهذلى، المعروف بالقاضى سراج الدين الأرمنتى، المولود سنة 644 هـ - 1246 م، المتوفى سنة 727 هـ سنة 1326 م، وألف فى ذلك كتابه "الجمع والفرق"(3). ولم أطلع عليه.
وقد ألف فيه من أهل القرن السابع أيضًا: على بن يحيى الوشلى اليمنى، الذى
(1) المرجع السابق.
(2)
انظر: الكشف 2/ 1676.
(3)
انظر: طبقات ابن قاضى شبهة خ ص 177.
ينتهى نسبه إلى سلمان الفارس الصحابى. ولد سنة 662 هـ - 1263 م، ولم أقف على تاريخ وفاته. وفى هذا الكتاب قال البعض:"وأتى فيه الجمع والفرق بما لم يأت به غيره"(1).
ثم جاء من بعده محمد بن على بن عبد الواحد بن يحيى بن عبد الرحيم، المغربى الأصل، المصرى، المعروف بابن النقاش، الذى ولد سنة 720 هـ - وتوفى سنة 763 هـ - 1361 م. وألف فى "الفروق"(2). ولكننى لم أطلع عليه. ثم ألف الأسنوى فى ذلك كتابه "المطالع".
ثم جاء شرف الدين عيسى بن عثمان الغزى، تلميذ الأسنوى، المتوفى سنة 799 هـ - 1397 م. وألف فى ذلك كتابًا سمى "بالفروق" لم أقف عليه. ويقول عنه المؤرخون:"وفروقه عبارة عن قواعد ومسائل غريبة، وفروق بين المسائل، وأن القاعدة الفلانية تخالف القاعدة الفلانية فى كذا وكذا"(3).
ثم أتى البلقينى تلميذ الأسنوى، المتوفى سنة 805 هـ - 1402 م، ووضع فى ذلك فروقًا بين الصحة والموجب. وقد جمع هذه الفروق أبو زرعة (4) العراقى تلميذ الأسنوى ورفيقه، ووضحها فى كتاب سمى "الفروق بين الحكم بالصحة والموجب" وقد علق عليها أبو زرعة (5).
ثم جاء من بعد ذلك بدر الدين محمد بن سليمان البكرى الشافعى فى القرن
(1) ملحق البدر الطالع 183.
(2)
طبقات ابن قاضى شهبة فى 177.
وابن النقاش هو: محمد بن على بن عبد الواحد بن يحيى بن عبد الرحيم الدكالى ثم المصرى الشافعى المعروف بابن النقاش. محدث، فتميه، أصولى، نحوى، مفسر، واعظ، شاعر، ناثر، ولد فى رجب سنة 725 هـ، وقيل: فى 723، وتوفى سنة 763 هـ - 1361 م. من تصانيفه: شرح العمدة فى الفقه فى ثمانية مجلدات، وشرح التسهل فى النحو لابن مالك، وتخريج أحاديث الرافعى، وتفسير مطول للقرآن. وانظر: معجم المؤلفين 11/ 25 والدرر 4/ 71.
(3)
راجع طبقات ابن قاضى شهبة: 204، 205.
(4)
انظر: التعريف به عند الكلام عن تلاميذ الأسنوى. انظر: الفصل الثالث من الباب الثانى.
(5)
وتوجد نسخة منها بدار الكتب ضمن مجموعة برقم 484 مجاميع، ولم أتمكن من الاطلاع عليها بسبب ظروف التعبئة، وإنما اطلعت على ميكروفيلم لها. ولم أتمكن من إحضار نماذج منها لصعوبة قراءتها، والذى ظهر لى أنها خاصة بالمسائل التى تقع من الحكام، وجاء فى مقدمتها: أما بعد، فإنه يقع سجلات الحكام الحكم بالصحة والحكم بالموجب. . . إلخ.
العاشر، وألف فى ذلك كتابه "الفرق والاستثناء"(1)، إلا إنه قد ضمنه القواعد الكلية الفقهية وجعلها فى 600 ستمائة قاعدة. يذكر القاعدة ثم الاستثناءات التى ترد عليها، وعند ذكره لهذه الاستثناءات قد يعرض له من الفروع ما يوجب الفرق بين مسألتين فيذكره، وهو قليل فى بعض الأحيان بالنسبة لما وضع له الكتاب.
ثم جاء زين العابدين بن نجيم المصرى فى القرن العاشر (2) أيضًا، وألف فى ذلك. وقد كان تأليفه للفروق الفقهية على قسمين: قسم خصصه للفرق بين المسائل، والآخر خصصه للجمع والفرق معًا، وجعل كلًا منهما فنًا مستقلًا من فنون الفقه، ولكن يلاحظ أنه لم يجرد لكل واحد منهما مؤلفًا خاصًّا به، بل جعله قائمًا على الأشباه والنظائر وفنًا من فنونها.
وقد بدأ بالكلام فى الفروق على المسائل التى جردها من كتابه "الأشباه والنظائر" وجمعها فى عدة أوراق، وعنون لها بقوله:"هده تتمة فى الفروق من الأشباه والنظائر"، وهى تقع من الأشباه فى 7 سبع صفحات فقط (3). ومنهجه فى جمعها يشبه إلى حد كبير منهج الكرابيسى، وهى على جميع أبواب الفقه الحنفى، وقد بدأها بكتاب الأيمان، وانتهت بكتاب الوصايا.
وإليك نموذجًا من فروقه:
(1)
من كتاب الأيمان: لو قال: واللَّه. وسكّن أو رفع أو نصب كان يمينًا، ولو حذف الواو لا يكون يمينًا إلا بالخفض.
والفروق: أن الخفض قائم مقام حرف القسم، إلّا فى رواية.
(2)
ولو قال: إن دخلت الدار واللَّه. لا يكون يمينًا. ولو قال: لا أدخل الدار واللَّه. يكون يمينًا.
والفرق: دقيق، كأن مبناه على العرف.
(1) وهو بدار الكتب قسم المخطوطات تحت رقم 23 فقه شافعى.
(2)
توفى سنة 950 هـ.
(3)
راجع 1/ 2 - 9.
(3)
رجل له عليه مائة، فقال: إن أخذتها منك اليوم درهمًا دون درهم فعبدى حر. فغربت الشمس وقد قبض خمسين لا يحنث، ولو قال: إن أخذت منها اليوم درهما دون درهم يحنث.
والفرق: أن شرط الحنث فى الأول قبض المائة فى اليوم منه متفرقة، ولم يوجد لأن الهاء كناية عنها، وفى الثانى شرط قبض البعض وقد وجد.
من كتاب الحدود: حدّ الزنا والشرب والسرقة يبطل بالتقادم، وحدّ القذف والقصاص لا. والفرق أن حد القذف والقصاص يتوقف على الدعوى، فيحمل التأخير فى الشهادة على عدم الدعوىَ، بخلاف التأخير فيما عدا السرقة، فإنه يحمل على ضغينة حملته على الشهادة لعدم توقفهما عليها، وحد السرقة وإن توقف عليها لكن ضمنًا للمال لأنه بتأخيره الدعوى بعد تحييزه تارك للحسبة، فتمكنت التهمة فى الدعوى.
وهكذا سار فى جميع الكتب الباقية
أما القسم الثانى: وهو الجمع والفرق، فقد جرده فى الفن الثالث من الأشباه والنظائر (1) أيضا؛ ولذلك وجدناه يسير على طريقة الأشباه والنظائر، بمعنى أنه يجمع كل المسائل المتناظرة فى مكان واحد، فإذا عرض له فى أثناء الكلام ما يقتضى الفرق بين مسألتين من هذه المسائل ذكره، إلا أنه قليل، فهو موضوع للأحكام العامة والفرق فيها: كالنسيان والجهل والإكراه.
يقول المؤلف (2) ابن نجيم: هذا هو الفن الثالث من الأشباه والنظائر وهو من الجمع والفرق، ونبهت فيه على أحكام يكثر ورودها ويقبح بالفقيه جهلها من أحكام الناسى والجاهل والمكره، وأحكام الصبيان والعبيد والسكارى. . إلى آخره. وإليك نموذجًا من هذا الفن:
أحكام الناسى (3): وحد النسيان فى التحرير: "بأنه عدم تذكر الشئ وقت
(1) راجع 2/ 132 وما بعدها.
(2)
المرجع السابق.
(3)
المرجع السابق.
حاجته إليه" واختلفوا فى الفرق بين السهو والنسيان. والمعتمد أنهما مترادفان. واتفق العلماء على أنه مسقط يلائم مطلقًا للحديث الحسن: "إن اللَّه -تعالى- وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (1). قال الأصوليون: إنه من باب ترك الحقيقة بدلالة محل الكلام؛ لأن عين الخطإ وأخويه غير مرفوع، فالمراد حكمها، وهو نوعان: أخروى وهو المآثم، ودنيوى وهو الفساد. والحكمان مختلفان، فصار الإثم -بعد كونه مجازًا- مشتركًا، فلا يعم. وأما عندنا، فلأن المشترك لا عموم له.
وأما عند الشافعى رحمه الله فلأن المجاز لا عموم له. فإذا ثبت الأخروى إجماعًا لم يثبت الآخر. كذا فى التنفيح وتمامه فى شرحنا على "المنار".
وأما الحكم الدنيوى فإن وقع فى ترك مأمور، لم يسقط، بل يجب تداركه، ولا يحصل الثواب المترتب عليه أو فعل منهى عنه، فإن أوجب عقوبة كان شبهة فى إسقاطها، فمن نسى صلاة أو صومًا أو حجًا أو زكاة، أو كفارة أو نذرًا؛ وجب عليه قضاؤه بلا خلاف، وكذا لو توقف بغير عرفة غلطًا يجب القضاء اتفاقًا. ومنها من صلى بنجاسة مانعة ناسيًا، أو نسى ركنًا من أركان الصلاة، أو تيقن الخطأ فى الاجتهاد فى الماء والثوب وقت الصلاة والصوم، أو نسى مسه الصوم، أو تكلم فى الصلاة ناسيًا، ربما يسقط حكمه فى النسيان: لو أكل أو شرب ناسيًا فى الصوم، أو جامع؛ لم يبطل، ولو أكل ناسيًا فى الصلاة تبطل.
والناسى والعامد فى اليمين سواء، وكذا فى الطلاق لو قال: زوجتى طالق، ناسيًا إن كان له زوجة، وكذا فى العتاق، وكذا فى محظورات الإحرام. وقد جعل له أصلًا فى التحرير، فقال: إن كان معه مذكّر ولا داعية له فأكل المصلى لم يسقط لتقصيره، بخلاف سلامه فى القعدة أو لا معه مع داع -كأكل الصائم- سقط أولى، ولا فأولى: كترك الذابح التسمية.
ومن مسائل النسيان: لو نسى المديون الدين حتى مات، فإن كان ثمن مبيع أو قرض لم يؤاخذ به، وان كان غصبًا يؤاخذ به، كذا فى الخانية.
(1) الحديث أخرجه ابن ماجه فى سننه 1/ 659 عن ابن عباس. وفى التعليق من الزوائد: إسناده يصح إن سلم من الانقطاع، والظاهر أنه منقطع.