الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا سار على المنوال السابق بالنسبة لجمع المسائل التى تتعلق بهذه المسألة أو تنبنى عليها (1).
ثم انتهى المؤلف من هذا الفن فى ص 239، بقوله:"وهذا آخر ما أوردناه من فن الجمع والفرق مما يكثر تذكره ويقبح بالفقيه جهله. وللَّه الحمد".
جـ- الفروق عند الأسنوى ومنهجه فى تأليفها:
وعلى ضوء هذا العرض السريع السابق ودراستنا للفروق الفقهية والتطورات التاريخية التى مرت بها، يتضح لنا أن ما كتب فى هذا الفن قد اشتمل على الغث والسمين، وعلى ما يذكر الأسنوى أحد كبار المؤلفين فى هذا النوع من الفن.
وبالمقارنة بين ما كُتب فى هذا الموضوع وبين ما كتبه الأسنوى يظهر لنا أن الأسنوى قد نحا فى تأليفه لهذا النوخ منحًا فريدًا محدد المعالم -لا يتعداه إلى فن آخر- متوسطًا، أتى فيه بما يستظرف ويستحسن، ونأى فيه عما يسمج ويستهجن، يشهد بنفاسته أولو الفضل والإنصاف، هذا وإن كان فى تأليفه لم يخرج عن الخط العام الذى سار عليه الأئمة السابقون له، وهو تاقيد كل فقيه بمذهب إمامه لا يخرج عنه إلا فى القليل النادر، وعند الضرورة القصوى. وقد تمسك بهذا الاتجاه الأسنوى أكثر، وأعلن صراحة فى أكثر من مكان من مؤلفاته أنه يناصر مذهب الإمام الشافعى، وأنه يعمل على إحيائه وإبراز تراثه العظيم، حتى يبقى خالدًا نقيًا.
هذا مع أن المسائل التى ذكرها الأسنوى فى كتابه الجوامع والفوارق من المسائل التى هى فى أنفسها مقصودة بالنظر والبحث، وكثير منها غريب قل من اطلع عليه، ثم إنها مع ذلك مشتملة على فوائد نفيسة وقعت استطرادًا كما سنقف عليه (2).
(1) راجع جـ 2/ 132 - 136.
(2)
انظر: القسم الثانى، فقد خصصناه لكتابه "الجوامع والفوارق".
وهكذا خرّج لنا الأسنوى هذا الكتاب (الجوامع والفوارق) مع قلة حجمه، درة ثمينة يفخر بها الفقيه المسلم، ونورًا يستضئ به كل إمام باحث وكل فقيه عالم، وزخيرة قوية تفجر فى النفس همة البحث والابتكار، وتضيف إلى المكتبة الإسلامية زادًا لا غنى للفقيه عنه.
وقد جاء فى الدرر الكامنة (1) أنه لم يبيضه، بل مات عنه مسودة. وعلى ذلك يغلب على الظن أن اتجاه الأسنوى للتأليف فى هذا الفن كان فى آخر حياته، وذلك حرصًا منه على ألا يدع فنًا من فنون الفقه تكلم عنه أو يبحث فيه إلا واطلع عليه، ولعل سبب التأخير يرجع إلى أن هذا النوع من الفقه قد يحتاج إلى إلمام كامل بكل فروع الفقه ودقائقه وخوافيه؛ لأن هذا النوع من التأليف هو الذى يميز مواضع أقدار الفضلاء ومواضع مجال العلماء، لذلك لم يشأ الإمام الفاضل أن يخرج هذا الكتاب إلا وقد ألم بما وقع عليه نظره من قديم أو حديث، حتى إذا تحقق له ذلك وظن قرب أجله فى الاتجاه إليه، فبدأ فى جمعه وتصنيفه، على ترتيب أبواب الفقه.
وقد اشتمل الكتاب على جميع مباحث الفقه تقريبًا: يذكر الكتاب وما يندرج تحته من الفصول، ويتتبع كل فصل، وما يندرج تحته من المسائل، مثل: كتاب الطهارة، باب الآنية، مسألة. ثم يذكر المسألة.
هذا من جهة التنظيم والترتيب، أما جهة الموضوع: فكان فى بحثه للمسائل التى تعرض لها ينفرد بأنه قد جعل كل مسألة من مسائله كأنها بحث خاص مستقل، يذكر فيه جميع ما ورد من آراء بالصحة أو الضعف، ويعزى ذلك بدقة لقائله، مع تحديد المرجع الذى ينقل عنه.
ثم يذكر الفرق بين المسألتين على أساس الرأى الذى يختاره مبينًا ذلك إن كان هناك أكثر من قول فى المسألة، ثم إن كان الفرق الذى بين المسألتين لغيره بينه صراحة، وإن كان هذا الفرق الذى ذكره قد وجد ما يخالفه -سواء من عنده أو من عند غيره- ذكر هذا المخالف، معضدًا كل ذلك بالدليل.
(1) 2/ 464.
ولعل هذا المنهج قد يخالف كثيرًا منهج السابقين عليه ممن ألفوا فى هذا الميدان، كما سبق عرضه؛ ولذلك تأثر به لفيف من الفقهاء الذين أتوا بعده وألفوا فى هذا النوع من الفن.
فإذا أخذنا بدر الدين البكرى صاحب "الفرق والاستثناء" السابق التعريف به نموذجًا لمن تأثر بالأسنوى فى منهجه لهذا الفن، ودرسنا كتابه "الفرق والاستثناء"، لوجدنا أنه قد تأثر إلى حد كبير بالإمام الأسنوى، ويتضح ذلك من خلال مطالعتك لهذا الكتاب.
فمثلا يذكر المؤلف القاعدة الأولى بقوله: "كل ماء مطلق لم يتغير فهو الطهور" إلا فى مسائل (1):
منها: الماء الطهور إذا استحال منه دود ثم استحال ماء، فطهور قطعًا. فلو طرح فيه من خارج؛ جرى فيه الخلاف المذكور فيما لا نفس له سائله إذا وقع فى الماء القليل ومات فيه.
وهكذا يستطرد المؤلف فى بقية المسائل المستثناة على تلك القاعدة، حتى إذا عرض له مسألة توجب الفرق ذكرها. فيقول:
"ولو وقع فى ماء قليل نجاسة معافو عنها؛ لم يضر، فإن قال قائل: قد قلتم إن المستعمل فى فرض الطهارة إذا لم يبلغ قلتين فليس بطهور، وما استعمل فى نقلها فطهور فى أصح القولين. وصححه صاحب البحر وكذا النووى فى شرح المهذب، وكل منهما مستعمل، فما الفرق؟ قيل فى الفرق بينهما: إن المستعمل فى نفل الطهارة لم تكتسب الأعضاء به صفة الفرض ولم نؤد به عبارة الفرض بانفراد، فلذلك لم يسلب عنه اسم الطهور، وليس كذلك الماء المستعمل فى ذلك؛ لأنه تأدت به عبارة مع اشتراك، واكتسبت الأعضاء به صفة، فلذلك سلب عنه اسم الطهورية، فدل على الفرق بينهما. فإن قيل: قد اكتسبت الأعضاء بما استعمل فى النفل صفة، قلنا نعم، صفة كمال عند وجود الفرض لا صفة وجوب ولا كمال مع انفراده، فدل على ما قلناه.
(1) انظر: الفرق والاستثناء خ ص 3 نسخة دار الكتب.