المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع فى بيان موقف العلماء والفقهاء من وجوب النية فى الوضوء والغسل والتيمم - مطالع الدقائق في تحرير الجوامع والفوارق - جـ ١

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الأولى للقسم الأول "الدراسى

- ‌مقدمة التحقيق والدراسة العلمية

- ‌أ- القسم الأول:

- ‌ب- القسم الثانى:

- ‌أما القسم الثانى (التحقيق):

- ‌أولًا: دراسة المخطوطات العربية فى العصور المختلفة حتى القرن الثامن الهجرى

- ‌ثالثًا: حصر جميع النسخ التى وجدت للمؤلف فى جميع مكتبات العالم حسب المصادر التاريخية

- ‌تمهيد

- ‌الأطوار التى مر بها الفقه الإسلامى حتى القرن الثامن الهجرى

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية

- ‌المرحلة الثالثة

- ‌المرحلة الرابعة:

- ‌الباب الأول الحركة العلمية فى القرن الثامن الهجرى

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول الحركة العلمية فى القرن الثامن الهجرى "مظاهرها، ومميزاتها

- ‌نساء القرن الثامن الهجري اللاتى ساهمن بنشاط فى الحركة العلمية لهذا القرن

- ‌الفصل الثانى فى سمة التأليف الفقهى والأصولى

- ‌الفصل الثالث فى أئمة فقهاء القرن الثامن

- ‌أولًا: "فقهاء الشافعية

- ‌ثانيًا: "فقهاء الحنفية

- ‌ثالثًا: "فقهاء المالكية

- ‌رابعًا: "فقهاء الحنابلة

- ‌الفصل الرابع فى العوامل التى ساعدت على ازدهار الحركة العلمية فى القرن الثامن الهجرى

- ‌تمهيد:

- ‌مقومات الحركة العلمية فى هذا القرن:

- ‌أولًا: النزعة الدينية:

- ‌ثانيًا: منزلة العلم والعلماء:

- ‌ثالثًا: المحافطة على ما بقى من التراث الإسلامى، وتجديد ما فقد منه بعد حرب التتار:

- ‌رابعًا: ازدهار المدارس الفقهية، وانتشار المكتبات العلمية، وتنافس الأمراء والحكام فى بنائها:

- ‌1 - المدارس التى وجدت بالقاهرة فى ذلك العصر

- ‌2 - المكتبات:

- ‌الفصل الخامس الإنتاج العلمى لحركة القرن الثامن العلمية

- ‌أولًا: الإنتاج الفقهى:

- ‌ثانيًا: المؤلفات الأصولية للقرن الثامن

- ‌الباب الثانى فى جمال الدين الأسنوى من مولده إلى وفاته

- ‌الفصل الأول

- ‌1 - التعريف به:

- ‌2 - نسبه:

- ‌3 - مولده:

- ‌4 - نشأته وحياته:

- ‌(5) اشتغاله بالحياة السياسية والإدارية:

- ‌6 - ثقافته:

- ‌7 - الإمام الأسنوى الفقيه: (فقهه):

- ‌الفصل الثانى فى العوامل التى ساعدت على تكوين ثقافة الأسنوى وازدهارها

- ‌العامل الأول: تنشئته:

- ‌ والده

- ‌العامل الثانى: أسرته وعائلته:

- ‌خاله:

- ‌عمه:

- ‌أخوه الأكبر:

- ‌أخوه الآخر:

- ‌ابن عمه:

- ‌العامل الثالث: اشتغاله بالعلم على علماء عصره:

- ‌العامل الرابع: الحياة الفكرية والحركة العلمية:

- ‌أساتذة الإمام الأسنوى (شيوخه):

- ‌أولًا: فى الحديث: منهم:

- ‌ثانيًا: فى الفقه: منهم:

- ‌ثالثًا: فى النحو: منهم:

- ‌رابعًا: فى العلوم العقلية:

- ‌العامل الخامس: أقرانه:

- ‌أقران جمال الدين الأسنوى:

- ‌(1) ابن النقيب:

- ‌(2) العقيلى:

- ‌(3) بهاء الدين المراغى المصرى:

- ‌(4) محمد الأنصارى:

- ‌(5) محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن على الأنصارى السبكى:

- ‌(6) تاج الدين المراكشى:

- ‌(7) التبريزى المصرى:

- ‌العامل السادس: استعداده الشخصى والذهنى:

- ‌العامل السابع: صفاته وأخلاقه:

- ‌العامل الثامن: مكانته العلمية:

- ‌الفصل الثالث فى وفاته وآثاره

- ‌أولًا: وفاته ورثاء العلماء له:

- ‌ثانيًا: آثاره

- ‌أ - آثاره العلمية البشرية (تلاميذه):

- ‌ ب" آثار الأسنوى الفكرية (مؤلفاته أو إنتاجه العلمى):

- ‌تمهيد:

- ‌منهجه فى التأليف:

- ‌إنتاجه العلمى (مؤلفاته):

- ‌1 - " الأشباه والنظائر" فى الفقه:

- ‌2 - " الإلقاء" فى الفقه:

- ‌3 - " البحر المحيط" فى الفقه:

- ‌4 - " التمهيد فى تنزيل الفروع الفقهية على الأصول

- ‌سبب التأليف:

- ‌باب الحكم الشرعى وأقسامه

- ‌مسألة:

- ‌5 - " التنقيح" فى الفقه

- ‌6 - " الجامع" فى الفقه:

- ‌7 - " الجواهر المضيئة

- ‌8 - " الكوكب الدرى

- ‌الباب الأول فى الأسماء:

- ‌ فصل فى لفظ الكلام

- ‌9 - " المهمات الغامضة فى أحكام المتناقضة

- ‌10 - " المهمات" على الرافعى والروضه

- ‌11 - " النافع

- ‌12 - " الهداية إلى أوهام الكفاية

- ‌13 - " إيضاح المشكل من أحكام الخنثى" (المشكل):

- ‌14 - " تذكرة النبيه فى تصحيح التنبيه

- ‌15 - "جواهر البحرين فى تناقض الخبرين" فى الفقه

- ‌16 - " زوائد المنهاج" فى الفقه:

- ‌17 - " زوائد الأصول على منهاج الأصول" للبيضاوى

- ‌19 - " شرح التسهيل لابن مالك

- ‌20 - " شرح التنبيه" فى الفقه:

- ‌21 - " شرح ألفية ابن مالك" فى النحو:

- ‌22 - " شرح أنوار التنزيل" للبيضاوى فى التفسير:

- ‌23 - " شرح سنن ابن ماجة" فى الحديث:

- ‌24 - " طبقات الفقهاء الشافعية

- ‌25 - " طراز المحافل فى ألغاز المسائل" فى الفقه:

- ‌نماذج من الألغاز

- ‌أولا: من باب الطهارة:

- ‌ثانيًا: من باب ما يوجب الغسل:

- ‌ثالثًا: من باب الصلاة:

- ‌رابعًا: من باب ستر العورة:

- ‌خامسًا: من باب ما يفسد الصلاة:

- ‌سادسًا: من باب صلاة الجمعة:

- ‌سابعًا: من كتاب الحج:

- ‌ثامنًا: من كتاب الحجر:

- ‌تاسعًا: من كتاب اللقطة:

- ‌26 - " فتاواه

- ‌27 - " المسائل الأسنوية" (الفتاوى الحموية):

- ‌مسألة: "فى الحضانة

- ‌28 - " كافى المحتاج إلى شرح المنهاج" فى الفقه:

- ‌29 - " مختصر الشرح الصغير للرافعى" فى الفقه:

- ‌30 - " مطالع الدقائق فى تحرير الجوامع والفوارق

- ‌31 - " نجب الطواهر فى أجوبة الجواهر فى الفقه

- ‌32 - " نزهة النواظر فى رياض النطائر

- ‌33 - " نصيحة أولى النهى

- ‌34 - " نهاية السول فى شرح منهاج الأصول" للبيضاوى:

- ‌35 - " نهاية الراغب فى شرح عروض ابن الحاجب

- ‌خاتمة فى بعض المسائل التطبيقية للفروق الفقهية النية، والسواك، والتيمم، والغسل من الجنابة، وبيع آلات اللهو والغناء

- ‌المبحث الأول الفروق الفقهية عند الأسنوى، وتطورها التاريخى

- ‌أ- التعريف بالجوامع والفوارق:

- ‌ب- التطور التاريخى للفروق الفقهية:

- ‌أما الفروق بالمعنى الاصطلاحى الخاص الذى أوضحناه سابقًا:

- ‌جـ- الفروق عند الأسنوى ومنهجه فى تأليفها:

- ‌د- مقارنة بين فروق الأسنوى وفروق القرافى:

- ‌المبحث الثانى فى موقف العلماء من وجوب النية فى الوضوء والغسل والتيمم

- ‌المطلب الأول فى تحقيق معنى النية وتبيين ماهيتها لغة وشرعًا

- ‌1 - فى اللغة:

- ‌2 - فى الشرع:

- ‌المطلب الثانى فى بيان محل النية، ووقتها؛ والمجزئ منها شرعًا

- ‌1 - محل النية:

- ‌2 - وقت النية:

- ‌3 - الحكمة من لزوم النية للأعمال الشرعية وحاجتها إليها:

- ‌المطلب الثالث فى ما يفتقر إلى النية الشرعية

- ‌الأوامر قسمان:

- ‌2 - النواهى والمباحات:

- ‌المطلب الرابع فى بيان موقف العلماء والفقهاء من وجوب النية فى الوضوء والغسل والتيمم

- ‌المطلب الخامس فى الترجيح والاختيار

- ‌المبحث الثالث السواك

- ‌المطلب الأول فى تعريف السواك

- ‌المطلب الثانى فى حكم السواك ومذاهب العلماء فيه

- ‌الأدلة:

- ‌المطلب الثالث فى حكم السواك للصائم بعد الزوال وآراء الفقهاء فى ذلك

- ‌الأدلة:

- ‌المطلب الرابع فى الترجيح والاختيار

- ‌المطلب الخامس فى الاستياك بالأصبع وهل يجزئ فى السنة

- ‌مذاهب العلماء:

- ‌الأدلة:

- ‌الترجيح:

- ‌المطلب السادس فى كيفية استخدام السواك، والأوقات التى يندب فيها

- ‌كيفية الاستعمال:

- ‌وقت الاستعمال:

- ‌المبحث الرابع الغسل من الجنابة

- ‌المطلب الأول فى تحقيق ماهية الغسل من الجنابة

- ‌المطلب الثانى فى موقف الفقه الإسلامى فى الغسل من المنى إذا خرج عن محله ولم يندفع أو لم يظهر فى الخارج

- ‌سبب الخلاف:

- ‌الأدلة والتوجيه:

- ‌أدلة الفريق الأول:

- ‌أدلة الفريق الثانى:

- ‌أولًا "بحديث إنما الماء من الماء

- ‌ثانيًا الإجماع -على ما ادعاه الرافعى

- ‌أدلة الفريق الثالث:

- ‌أدلة الفريق الرابع:

- ‌أدلة القول الخامس:

- ‌الترجيح:

- ‌المطلب الثالث فى حكم الفقه الإسلامى من العمليات الجراحية التى يترتب عليها عدم تدفق المنى وعدم خروجه وهل يجب على المرء الغسل فى مثل هذه الحالات أم لا

- ‌أولًا: من الفقه الحنفى:

- ‌ثانيًا- من الفقه المالكى:

- ‌ثالثًا: من الفقه الشافعى:

- ‌رابعًا: من الفقه الحنبلى:

- ‌خامسًا: من فقه الشيعة الإمامية:

- ‌سادسًا: من فقه الشيعة الإباضية:

- ‌الترجيح والاختيار:

- ‌المبحث الخامس فى التيمم

- ‌المطلب الأول فى تعريف التيمم

- ‌سبب الخلاف

- ‌المطلب الثانى فى تاريخ التشريع للتيمم

- ‌المطلب الثالث فى عدد الضربات فى التيمم، والمقدار المجزئ فيه، ورأى الفقهاء فى ذلك

- ‌الأدلة:

- ‌الترجيح:

- ‌المطلب الرابع فى المقدار الواجب مسحه من أعضاء التيمم

- ‌مذاهب العلماء:

- ‌الأدلة:

- ‌ استدل الفريق الأول

- ‌أدلة الفريق الثانى

- ‌أدلة الفريق الثالث

- ‌توجيه الأدلة:

- ‌الترجيح:

- ‌المطلب الخامس فى حكم الاستيعاب فى أعضاء التيمم، و‌‌مذاهب العلماءفى ذلك

- ‌مذاهب العلماء

- ‌الأدلة:

- ‌توجيه الأدلة:

- ‌الترجيح والاختيار:

- ‌المبحث السادس فى بيع آلات اللهو والغناء. . وموقف التشريع الإسلامى منه

- ‌مذاهب العلماء فى بيع آلات اللهو والغناء:

- ‌الأدلة:

- ‌أولًا: الفريق الأول:

- ‌أولًا: من السنة:

- ‌ثانيًا: من الآثار:

- ‌الفريق الثانى:

- ‌أ- أما الكتاب منه:

- ‌ب- أما السنة فمنها:

- ‌جـ - الآثار:

- ‌أدلة القول الثالث:

- ‌توجيه الأدلة

- ‌أولًا: الفريق الأول:

- ‌ثانيًا: الفريق الثانى:

- ‌ثالثًا: الفريق الثالث:

- ‌4 - الترجيح والاختيار:

- ‌القول فى استماع الأوتار وآلاته:

- ‌المزامير وآلات الملاهى الأخرى:

الفصل: ‌المطلب الرابع فى بيان موقف العلماء والفقهاء من وجوب النية فى الوضوء والغسل والتيمم

‌المطلب الرابع فى بيان موقف العلماء والفقهاء من وجوب النية فى الوضوء والغسل والتيمم

يتبين موقف الجميع من هذا الموضوع على النحو التالى:

1 -

موقف الجمهور: لا تصح طهارة إلا بنية، سواء كانت الطهارة عن حدث أصغر، أو حدث أكبر.

وعلى ذلك فلا بد من وجوبها فى الوضوء والغسل، والتيمم عنهما، وهذا مذهب الشافعية والمالكية والحنابلة والشيعة (الإمامية (1) والزيدية (2)، والإباضية) (3)، والزهرى، وربيعة شيخ مالك، وإسحاق، وأبى ثور، وداود، وهو قول جمهور أهل الحجاز، ويروى ذلك عن على بن أبى طالب -رضى اللَّه عنه- (4).

2 -

مذهب الأوزاعى ومن وافقه: يصح الوضوء والغسل والتيمم بلا نية، إلى ذلك ذهب الأوزاعى والحسن بن صالح، وزفر (5).

3 -

مذهب الثورى وأصحاب الرأى: تجب النية فى التيمم دون الوضوء والغسل، وهو مذهب الثورى وأصحاب الرأى، ورواية عن الأوزاعى (6).

(1) انظر: جواهر الكلام: 1/ 3.

(2)

انظر: الروض النضر 1/ 146.

(3)

انظر: الإيضاح: 1/ 48.

(4)

انظر: المجموع شرح المهذب للنووى: 1/ 311.

(5)

المرجع السابق.

(6)

المرجع السابق.

ص: 235

4 -

أدلة الفريق الثانى والثالث: استدل الفريق الثانى، والفريق الثالث -وهم الذين قالوا بعدم الوجوب- بما يأتى:

أولًا: يقول اللَّه تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} (1) الآية.

ثانيًا: بقوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة -رضى اللَّه عنها-: "إنما يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضى عليك الماء فإذا أنت قد طهرت"(2) وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التى وردت فى الأمر بالغسل من غير ذكر للنية.

5 -

أدلة الجمهور: استدل القائلون بوجوب النية بالأدلة الآتية:

أولًا: يقول اللَّه تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (3).

ثانيًا: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية.

ثالثًا: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"(4) متفق عليه وقوله صلى الله عليه وسلم: "الوضوء شطر الإيمان"(5).

رابعًا: بقياس الشافعى -رضى اللَّه عنه- "إنها طهارة من حدث تستباح بها الصلاة فلم تصح بلا نية كالتيمم".

خامسًا: بقياس آخر "الطهارة عبادة ذات أركان، فوجبت فيها النية كالصلاة".

(1) سورة المائدة الآية 6.

(2)

خرجه النسائى فى سننه باب الطهارة: 1/ 158.

(3)

سورة البينة: آية 5.

(4)

خرجه النسائى فى سننه 2/ 101 فى كتاب الطلاق عن علقمة عن عمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنه- عن النبى صلى الله عليه وسلم.

(5)

وعند ابن ماجه فى سننه 1/ 102 من كتاب الطهارة عن أبى مالك الأشعرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إسباغ الوضوء شطر الإيمان، والحمد للَّه ملء الميزان، والتسبيح والتكبير ملء السموات والأرض، والصلاة نور، والزكاة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها".

ص: 236

6 -

توجيه الأدلة: وقد وجه الفريق القائل بعدم الوجوب أدلته على النحو التالى:

أولًا: فى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية.

أمر بالغسل والمسح مطلقًا عن شرط النية، ولا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل (1).

ثانيًا: فى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} (2) الآية.

نهى الجنب عن قربان الصلاة إذا لم يكن عابر سبيل إلى غاية الاغتسال مطلقًا عن شرط النية، فيقتضى انتهاء حكم النهى عند الاغتسال المطلق، وشرط الغسل مقترنًا بالنية - فيه مخالفة للكتاب (3).

ثالثًا: إن الأمر بالوضوء فى الآية: إنما هو الحصول للطهارة كما فى آخر آية الوضوء {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} وحصول الطهارة لا يقف على النية، بل على استعمال المطهر فى عمل قابك للطهارة، والماء مطهر لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن الماء لا ينجسه شئ، إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه"(4).

وقال اللَّه تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (5) والطهور اسما للطاهر فى نفسه المطهر لغيره، والمحل قابل. وبه تبين أن الطهارة عمل الماء خلقة. ونية الإنسان فضل فى الباب حتى لو انهال عليه المطر أجزأه عن الوضوء والغسل، فلا يشترط لها النية إذ اشتراطها لاعتبار الفعل الاختيارى. وبه تبين أن اللازم للوضوء معنى الطهارة دون معنى العبادة؛ لأن معنى العبادة فيه من الزوائد فإن اتصلت به النية يقع

(1) بدائع الصنائع 1/ 19.

(2)

سورة النساء آية: 43.

(3)

بدائع الصنائع: 1/ 19.

(4)

أخرجه ابن ماجه فى باب الطهارة من حديث أبى أمامة. وفى الزوائد: إسناده ضعيف، قال السندى: الحديث بدون الاستثناء رواه النسائى وأبو داود والترمذى من حديث أبى سعيد الخدرى.

(5)

سورة الفرقان الآية: 48.

ص: 237

عبادة، وإن لم تتصل به لا يقع عبادة لكنه يقع وسيلة إلى إقامة الصلاة لحصول الطهارة بالسعى إلى الجمعة (1).

رابعًا فى الحديث: "الوضوء شطر الإيمان" إن المقصود بالإيمان الصلاة، فتأويله بأنه شطر الصلاة بإجماعنا على أنه ليس يشترط للإيمان، لصحة الإيمان بدونه؛ لأن الإيمان هو التصديق، والوضوء ليس من التصديق فى شئ. فكان المراد منه أنه شطر الصلاة لأن الإيمان يذكر على إرادة الصلاة؛ لأن قبولها من لوازم الإيمان. قال اللَّه تعالى:{كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (2) أى صلاتكم إلى بيت المقدس.

يقول أصحاب الرأى: وهكذا نقول فى التيمم إنه ليس بعبادة، إلا أنه إذا لم تتصل به النية لا يجوز أداء الصلاة به، لا لأنه عبادة، بل لانعدام حصول الطهارة؛ لأنه طهارة ضرورية جعلت طهارة عند مباشرة فعل لا صحة له بدون الطهارة، فإذا عرى عن النية لم يقع طهارة، بخلاف الوضوء لأنه طهارة حقيقية فلا يقف على النية (3).

وقد وجه الجمهور أدلتهم على النحو التالى:

أولًا: فى قول اللَّه تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} . إن الإخلاص هو عمل القلب، وهو النية، والأمر به يقتضى الوجوب (4).

ثانيًا: فى قول اللَّه تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية، إن معناه: فاغسلوا وجوهكم للصلاة، كما يقال: إذا لقيت الأمير فترجل، أى: له، وإذا رأيت الأسد فاحذر، أى: منه. وهذا معنى النية (5).

ثالثًا: فى حديث: "إنما الأعمال بالنيات" قالوا: إن لفظ إنما للحصر، وليس المراد صورة العمل، فإنها توجد بلا نية، وإنما المراد أن حكم العمل لا يثبت إلا

(1) بدائع الصنائع: 1/ 20.

(2)

البقرة: الآية 143.

(3)

بدائع الصنائع: 1/ 20.

(4)

شرح المهذب: 1/ 313.

(5)

المغنى: 1/ 113.

ص: 238

بالنية، فنفى أن يكون له عمل شرعى إلا بالنية. فمعنى الحديث: أن الأعمال لا أساس لها ولا تقويم ولا اعتبار ولا تحسب ولا يترتب عليها ثواب أو عقاب - إلا بالنية. وهذا أحسن ما قرر به الحديث، فوجب الحمل إليه. وهو يتناول جميع الأعمال لإفادة الألف واللام العموم (1). ويقوى ذلك آخر الحديث "وإنما لكل امرئ ما نوى" وهذا لم ينو الوضوء فلا يكون له (2).

رابعًا: فى توجيه قياس: "أنها طهارة من حدث استباح بها الصلاة، فلم تصح بلا نية كالتيمم" قالوا: التعبير بالحدث احتراز عن غسل الذمية من الحيض (3). فإن قالوا بأن التيمم لا يسمى طهارة -فالجواب أنه ثبت فى الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لى الأرض مسجدًا وطهورًا"(4). وفى رواية لمسلم "وتربتها طهورًا".

وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الصعيد الطيب وضوء المسلم"(5). وما كان وضوءًا كان طهورًا، وحصلت به الطهارة.

فإن قيل: التيمم فرع للوضوء، ولا يجوز أن يؤخذ حكم الأصل من الفرع - فالجواب: أنه ليس مأخوذًا من الوضوء، بل بدل عنه، فلا يمنع أخذ حكم المبدل من حكم بدله. ولأنه إذا افتقر التيمم إلى النية مع أنه ضعيف -إذ هو فى بعض أعضاء الوضوء- فالوضوء أولى (6).

فإن قيل: التيمم يكون تارة بسبب الحدث وتارة بسبب الجنابة، فوجبت فيه النية ليتميز - فالجواب من وجهين.

(1) النية فى الشريعة الإسلامية: ص 9.

(2)

شرح المهذب: 1/ 313.

(3)

المرجع السابق.

(4)

وهو جزء من حديث رواه البخارى، عن جابر بن عبد اللَّه، عن النبى صلى الله عليه وسلم وأوله:"أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلى: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لى الأرض مسجدًا وطهورًا" وانظر: البخارى 3/ 214.

(5)

البخارى: 3/ 22 باب التيمم عن عمران بن حسين، كما خرجه النووى فى شرح المهذب: 1/ 313.

(6)

شرح المهذب: 1/ 313.

ص: 239

أحدهما: أن التمييز غير معتبر ولا يؤثر، بدليل أنه لو كان جنبًا فقط وظن أنه محدث فتيمم عن الحدث، أو كان محدثًا فظن أنه جنب فتيمم للجنابة - صحّ.

والثانى: أن الوضوء أيضًا تارة يكون عن البول، وتارة عن النوم، فإن قالوا: وإن اختلفت أسبابه فالواجب شئ واحد - قلنا: وكذا التيمم وإن اختلفت أسبابه الواجب مسح الوجه واليدين. فإن قيل: التيمم بدل، وشأن البدل أن يكون أضعف من المبدل فافتقر إلى نيه، ككنايات الطلاق - فالجواب: أن ما ذكروه منتقض بمسح الخف فإنه بدل ولا يفتقر عندهم إلى النية، وإنما افتقرت كناية الطلاق إلى النية؛ لأنها تحتمل الطلاق وغيره احتمالًا واحدًا، والصريح ظاهر فى الطلاق.

وأما الوضوء والتيمم فإنهما عبادة، بل التيمم أظهر فى إرادة القربة لا يكون عادة، بخلاف صورة الوضوء، فإذا افتقر التيمم المختص بالعبادة إلى النية فالوضوء المشترك بينهما وبين العادة أولى، فإن قيل: التيمم نص على القصد -وهو النية- بخلاف الوضوء فالجواب: أن المراد قصد الصعيد وذلك غير النية (1).

خامسًا: فى قياس: "الوضوء عبادة ذات أركان فوجبت فيها النية كالصلاة" أن العبادة هى الطاعة أو ما ورد التعبد به قربة إلى اللَّه تعالى، وهذا موجود فى الوضوء (2).

ثم إن الأحاديث الكثيرة التى تدل على فضل الوضوء وسقوط الخطايا به مشهورة فى الصحيح، والتى جمعها النووى فى جامع النية. كل هذا مصرح بأن الوضوء عبادة، ولا حجة لمن ادعى أن ذلك خاص بمن فيه نية، ولا يلزم من ذلك أن ما لا نية فيه ليس بوضوء؛ لأن الوضوء فى هذه الأحاديث هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يقبل اللَّه صلاة بغير طهور"(3).

هذا هو مذهب الفريقين وأدلتهم وتقريراتها.

(1) المرجع السابق: 314.

(2)

المرجع السابق.

(3)

المرجع السابق: 315.

ص: 240