الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث فى وفاته وآثاره
أولًا: وفاته ورثاء العلماء له:
بعد حياة حافلة بجلائل الآثار ومفاخر الأعمال توفى الإمام جمال الدين، عبد الرحيم بن الحسن الأسنوى رحمه الله بالقاهرة فى ليلة الأحد الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة 772 اثنتين وسبعين وسبعمائة من الهجرة، الثامن من ديسمبر سنة 1370 م سبعين وثلاثمائة وألف من الميلاد، وذلك باتفاق (1) المؤرخين، وله سبع وستون سنة ونصف. وقبل موته ظهرت إرهاصات تدل على أن هناك حدثًا خطبًا سيحدث.
فقد ظهر فى الشام وحمص وحلب بعد العشاء حمرة عظيمة كأنها الجمر، وصارت فى خلال النجوم كالعمد البيض حتى سدت الأفق ودامت إلى الفجر، وخفى بسببه ضوء القمر؛ فتباكى الناس وضجوا بالدعاء، وعلموا أنه لا بد من خطب جليل سيحدث (2).
(1) انظر: شذرات الذهب 6/ 224، وهدية العارفين 1/ 561، والمنهل الصافى 311، والدرر 2/ 456.
وقد جاء فى الكشف ص 1957 أنه توفى سنة 777 هـ. ولكن هذا يخالف ما حققه صاحب الكشف وذكره فى أكثر من موضع موافقًا لما ذكرناه، فقد ذكر أنه توفى سنة 772 هـ فى ص 100، 150، 152، 153، 1498، وفى مواضع أخرى كثيرة. والظاهر أنه خطأ من المصنف لا يوافقه عليه. وفى الخطط التوفيقية أيضًا ج 8 ص 64 وفهرس دار الكتب 2/ 245 أنه توفى سنة 777 هـ، والظاهر أنه نقل عن حسن المحاضرة 1/ 199، حيث ورد فيها خطأ ذلك التاريخ. وانظر: مقدمة طبقات الأسنوى 1/ 18.
(2)
شذرات الذهب 6/ 223.
ولقد تحققت نبوءة العالم، فبعد قليل توفى جمال الدين فكان الخطب عليهم فادحًا، ولقد كانت جنازته مشهودة تنطق له بالولاء.
دفن بمقبرته بالقرب من حوش خارج باب النصر بقرب مقابر الصوفية بالقاهرة (1) ورثاه البرهان القيراطى بقوله (2):
1 -
نعم قبضت روح العلا والفضائل
…
بموت جمال الدين صدر الأفاضل
2 -
تعطل من عبد الرحيم مكانه
…
وغيب عنه فاضل أى فاضل
3 -
أحقًا وجوه الفقه زال جمالها
…
وحطت أعالى هضبها للأسافل
4 -
لقد هاب طرق المذهب اليوم سالك
…
ولو كان يحمى بالقنا والقنابل
5 -
لقد حل فى ذا العام فقدان عالم
…
يقول فلا يلقى له غير قائل
6 -
قفوا خبرونا من يقوم مكانه
…
ومن ذا يرد الآن لهفة سائل
7 -
قفوا خبرونا من يوفق طالبًا
…
ويجرى فى ميدان كل مناضل
8 -
قفوا خبرونا هل له من مشابه
…
قفوا خبرونا هل له من مماثل
9 -
فأعظم بحبر كان للعلم ساعيًا
…
بعزم صحيح ليس بالمتكاسل
10 -
وأعظم به يوم الجدال مناظرًا
…
إذا كان لم يترك مكانًا لقائل
11 -
وأسيافه فى البحث قاطعة الظبى
…
بجوهرها لم تفتقر للصياقل
12 -
يقوم بإيضاح المسائل مرشدًا
…
لمستفهم أو طالب علم أو مسائل
13 -
ويجمع أشتات الفوائد جاهدا
…
ويسعى بجد نحوها غير هاذل
14 -
طوى الموت حقّا شافى زمانه
…
فمن بعده للأم وجد الثواكل
15 -
ومنذ رأته خير نجل لبره
…
بها أرضعته در ثدى الحوافل
(1) انظر: الدرر 2/ 464، وبغية الوعاة 2/ 93، وشذرات الذهب 6/ 223.
(2)
انظر: حسن المحاضرة: 1/ 43، 44، 45، 46.
16 -
أبان الخفايا شارحًا ببيانه
…
منزهة فى الوصف عن سحر بابل
17 -
له قدم فى الفقه سابقة الخطا
…
يقصر عنها كل حافٍ وناعل
18 -
تبارك من أعطاه فيه مراتبا
…
يقر له بالفضل كل مجادل
19 -
فكم كان يبدى فيه كل غريبة
…
وتظهر من أبكاره بالعقائل
20 -
وكم بات يحيى فيه ليلًا كأنما
…
يصيد درارى زهرة بالحبائل
21 -
فأقلامه قيد الأوابد لم تزل
…
يقيد منها كل صعب التناول
22 -
مثقفة ألفاظه حلوة الحنا
…
فما هز فى الحالين غير عوامل
23 -
مضى فمضى فقه كثير إلى الثرى
…
وهالت عليه بالترب راحة هائل
24 -
تنكرت الدنيا ولكن تعرفت
…
بطيب الثنا عن فضله المتكامل
25 -
وما شقت الأقلام إلا تأسفًا
…
لفقدانها بالرغم من خير أنامل
26 -
وكم لبست ثوب الحداد محابر
…
لحبر غدا فى سندس أى رافل
27 -
لقد كان للأصحاب منة بلا مرا
…
جمال فدع قول الغبى المجامل
28 -
حوى من مواريث النبوه إرثه
…
وحاز حقيقًا سهمه غير عائل
29 -
هو النجم إلا أنه البدر كاملا
…
على أنه شمس الضحى فى التعادل
30 -
وبلدته إسنا محلّا ومحتدًا
…
ومنزله فى الخلد أسنى المنازل
31 -
إذا ما أفاد النقل فهو ختامه
…
فلا يُسمعن من بعده نقل ناقل
32 -
صدوق فى عزو النقول محقق
…
وحاشاه من تلك النقول البواطل
33 -
وسبحان من نطق فى الدروس فصاحة
…
فدع من له فى درسه عمى باقل
34 -
يؤدى من الأشغال بالعلم للورى
…
فروضًا ويغنى مقدمًا بالنوافل
35 -
وينصر نص الشافعى ولم يزل
…
يناضل عنه كل خصم مناصل
36 -
حوى العلم والعلياء والجود والتقى
…
وحاز بسبق فضل هذى الخصائل
37 -
هو النجم من أفق المعارف قد هوى
…
فعاد رجى ضوء البدور الكوامل
38 -
هو الجبل الراسى تصدع ركنه
…
فللأرض ميد بعده بالزلازل
39 -
فمن ذا تطيب النفس يومًا بقوله
…
إذا هو أفتى فى عويص المسائل
40 -
لئن مهد التمهيد مضجعه له
…
فكوكبه من بعده غير آمل
41 -
فيا عالمًا قد أذكر الناس آخرًا
…
مزايا أولى العلم الكرام الأوائل
42 -
كفيت الورى أمر المهمات ناهضًا
…
بأعبائها يا خير كافٍ وكافل
43 -
وأعملت فيها الدهر حتى تنقحت
…
ولم تشتغل عن أمرها بالشواغل
44 -
وأبرزت مكنون الجواهر للورى
…
لأنك بحر ماله من مساحل
45 -
وأوضحت فى الإيضاح للخلق مشكلًا
…
فليس يرى فى حسنه من مشاكل
46 -
وان جمعت أهل العلوم محافل
…
فألغازك العليا طراز المحافل
47 -
فروقك يامن كان للعم جامعًا
…
تحير أذهان الرجال الأماثل
48 -
تصانيف لا تخفى محاسنها التى
…
هدايتها تهدى الورى بالدلائل
49 -
وتبدو فتغنى عن رياض أنيقة
…
وتتلى فتغنى عن سماع البلابل
50 -
تمحص منها القصد فأرشدته
…
حيارى ثووا من جهلهم فى مجاهل
51 -
توفرت سهمًا فى الأصول لأجله
…
غدا السيف نائى الحد واهى الحمائل
52 -
لعمرك إن النحو يا زيده بدا
…
لموتك فى حال من الحزن طائل
53 -
فلو قارئ الفن عامرك اغتدى
…
لنحوك يسعى وهو فى ذى راجل
54 -
يمد مناك شيخًا كم جلا من علومه
…
عقائل صينت بعده فى معاقل
55 -
وكم جاء فى فن الخليل بن أحمد
…
بأحمد أقوال أتت بالفواصل
56 -
لئن نال أسباب السماء بعلمه
…
فأوتاده فى المجد غير مزايل
57 -
وأدمعنا بحر مديد وحزننا
…
طويل لبحر وافد الجود كامل
58 -
وكان أبا للطالبين يريهم
…
فواضله مقرونة بالفضائل
59 -
نصيحًا لطلاب العلوم جميعهم
…
فلم يأل جهدًا عند تعليم جاهل
60 -
يحرر فى علم إدريس للورى
…
دروسًا تولى حملها خير حامل
61 -
ويرشد بالتهذيب طلاب علمه
…
فينظر منهم كاملًا بعد كامل
62 -
ولا يرتئى فى شكره غير حاسد
…
ولا يمترى فى علمه غير ناكل
63 -
يجود بأنواع الفضائل جهرة
…
ويجهد فى إخفائها للفواضل
64 -
هو البحر علمًا بل هو البحر فى ندا
…
لقد مرج البحرين منه لآمل
65 -
وإن ابن رفعة لو تقدم عصرها
…
طوى نحوها البيداء سير المحاصل
66 -
ولو شاهد القفال يومًا دروسه
…
لما كان يومًا عن حماه بقافل
67 -
ترنم فى إمداحه كل صادق
…
فاطرب فى إنشادها سمع ذاهل
68 -
سأبكيه بالدرين دمع ومنطق
…
لبحرين من علم وبر حواصل
69 -
لقد هجرت صاد المناصب نفسه
…
كما هجرت راء الهجر نفس واصل
70 -
تنزه عنها وهى لا تستفزه
…
بزخرفها الخداع خدع المجامل
71 -
وما مد عينًا نحوها إذ تبرجت
…
تبرج حسناء الحلى فى القلائل
72 -
ويلقاك بالترحيب والبشر دائمًا
…
فلم تره إلا كريم الشمائل
73 -
صفت عنه أخلاق لقاصد كما
…
صفا منه للحاقدين شرب المناهل
74 -
أعزى محاريب العلا بإمامها
…
وإن كنت مأمومًا بأعظم نازل
75 -
أعزى دروس الفقه بعد دروسها
…
لتصديرهم من بعده كل خامل
76 -
فقل لحسود لا بد مكانه
…
سيفضحك التخجيل بين المحافل
77 -
بحق حوى عبد الرحيم سيادة
…
وأعداؤها كم حاولوها بباطل
78 -
تطاول قوم كى يحلوا محله
…
فما ظفروا مما تمنوا بطائل
79 -
أيمتد نحو النجم راحة فاجر
…
وأين الثريا من يد المتناول
80 -
ومن رام فى الإقراء عالى شأنه
…
فذلك عند الناس ليس بعاقل
81 -
أحل جمال الدين فى الخلد ربُّه
…
ليحظى بعفو منه شاف وشامل
82 -
ورواه مولاه الرحيم برحمة
…
يحييه منها هاطل بعد هاطل
83 -
ووافاه رضوان الجنان مبادرا
…
بشيرًا برضوان سريع معاجل
84 -
وحياه بالروحان والروح والرضى
…
إله البرايا فى الضحى والأصائل
85 -
لقد كان فى الأعمال والعلم مخلفًا
…
لمن لم يضيع فى عد سعى عامل
86 -
فلهفى لأمداح عليه تحولت
…
حراثى تبكى بالدموع الهوائل
87 -
يساعدنى فيه الحمام بشجوها
…
وأغلبها من لوعتى بالبلابل
88 -
صرفت عليه كنز حبرى وأدمعى
…
فأفنيت من هذا وهذا حوامل
89 -
سأنشد قبرا حل فيه رثاؤه
…
وأسمع ما أمليه صم الجنادل
90 -
وما نحن إلا كواكب موت إلى العلا
…
تسير أيامنا كالرواحل
91 -
قطعنا إلى نحو القبور مراحلًا
…
وما بقيت إلا أقل المراحل
92 -
وهذا سبيل العالمين جميعهم
…
فما الناس إلا راحل بعد راحل
* * *