الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا وجد الأسنوى ضالته فى مدينة القاهرة، فشمر عن ساعد الجد حتى أصبح بلا منازع وحيد عصره، وفريد دهره، وتخرج به فضلاء عصره "بل أغلب علماء الديار المصرية فى وقته كانوا طلبته"(1).
العامل السابع: صفاته وأخلاقه:
ومن العوامل التى ساعدت فى تكوين ثقافة الأسنوى وكان لها أثر كبير فى تربعه على عرش الرئاسة فى عصره - أخلاقه وصفاته، فلقد كان الأسنوى رحمه الله حسن الأخلاق، كريم الشمائل، لين الجانب، كثير الإحسان للطلبة، وكان فى بحثه نظارًا بحاثًا طارحًا للتكلف مؤثرًا للتقشف، ملازمًا للإفادة والتصنيف (2).
وكان فقيهًا ماهرًا، ومعلمًا ناصحًا، ومفيدًا صالحًا، مع البر والدين والتودد والتواضع، وكان يقرب الضعيف المستهان من طلبته، ويحرص على إيصال الفائدة المطروقة فيصغى إليه كأنه لم يسمعها جبرًا لخاطره (3). وكان له مثابرة على إيصال البر والخير إلى كل محتاج مع فصاحة عبارة، وحلاوة محاضرة، ومروءة بالغة (4)، وكان دائم البسمة، سرير الوجه، دائم البشر والترحاب لكل من يقابله (5).
يلقاك بالترحيب والبشر دائمًا
…
فلم تره إلّا كريم الشمائل (6)
العامل الثامن: مكانته العلمية:
أما مكانته العلمية فقد بلغت مرحلة يحسده عليها أهل زمانه، ونال سيادة علمية كم حاول أعداؤه أن يصلوا إليها فلم يظفروا بطائل.
(1) طبقات ابن قاضى شهبة ص: 184.
(2)
حسن المحاضرة: 242.
(3)
الطالع السعيد: 235، وبغية الوعاة 2/ 92.
(4)
الدرر 2/ 264.
(5)
حسن المحاضرة: 245.
(6)
البيت للبرهان القيراطى فى رثائه، وانظر: المرجع السابق.
هو البحر علمًا بل هو البحر فى ندا
…
لقد مرج البحرين فقه لآمل
وإن ابن رفعة لو تقدم عصرها
…
طوى نحوها البيداء سير المحاصل
ولو شاهد القفال يومًا دروسه
…
لما كان يومًا عن حماه يغافل
بحق حوى عبد الرحيم سيادة
…
وأعداؤها كم حاولوها بباطل
تطاول قوم كى يحلوّا محله
…
فما ظفروا مما تمنوا بطائل (1)
ولقد برع الأسنوى فى الأصول، والعربية، والعروض.
"وتقدم فى الفقه فصار إمام زمانه، وانتهت إليه رياسة الشافعية"(2).
ولقد أهلته هذه المكانة العلمية أن يتولى التدريس فى عدة مدارس: فدرّس التفسير بجامع طولون (3) والفقه بالمدرسة الملكية والأقبغاوية، والفارسية، والناصرية، والصالحية (4). حتى أصبح حافظ عصره. وإمام علمه عجاج، وماء فضله ثجاج، ولسان قلمه عن المشكلات فجاج. وبحرًا فى الفروع والأصول، محققًا لما يقول من النقول، فتخرج به الفضلاء، وانتفع به العلماء (5).
يقول صاحب الدرر (6): "هو شيخ الشافعية ومفتيهم، ومصنفهم ومدرسهم. ذو الفنون، اشتغل فى العلوم حتى صار أوحد أهل زمانه، وشيخ الشافعية فى أوانه، وصنف التصانيف النافعة السائرة، وتخرج به طلبة الديار المصرية".
(1) هذه الأبيات من قصيدة كبيرة عظيمة ذكرها البرهان القيراطى فى رثائه، وهى تقع فى واحد وتسعين بيتًا فى غاية القوة والروعة، وقد ذكرها السيوطى بأكملها فى حسن المحاضرة ص 43 - 46 ونذكرها بأكملها فى نهاية الباب.
(2)
حسن المحاضرة: 245.
(3)
شذرات الذهب 6/ 223.
(4)
المنهل الصافى 2/ 311.
(5)
الدرر 2/ 465.
(6)
المرجع السابق.
وإذا ثبتت لنا مكانته العلمية هكذا جلية واضحة، وشهد له الكل بالفضل والعلم والرياسة، فلا غرو أن يكون لذلك تأثير كبير، ويخلد لنا من فكره الثاقب ثروة علمية كبرى، تضمنتها مؤلفاته الكثيرة الفائدة، المتعددة النفع؛ لتضاف إلى المكتبة الإسلامية الكبرى فتزيد من رصيدها عملة صعبة، ويعم بها النفع، ويقيد الأسنوى فى سجل الأئمة الخالدين. وأن يترك لنا أيضًا هذه الثروة البشرية الكبرى التى أخذت على يديه، وتأثرت به، وأضافت من مؤلفاتها وعلمها إلى المكتبة الإسلامية الكثير والكثير.
وسيزداد الأمر وضوحًا عندما نتكلم عن آثاره.
* * *