الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما عند الحنابلة، فإن وجوبها عندهم هو وقت المضمضة؛ لأنها أولى واجبات الوضوء عندهم وإن كان يستحب تقديمها على غسل اليدين والتسمية لتشمل أول واجباته، كما يستحب استدامة ذكرها فى سائر وضوئه (1).
وقد استثنى الفقهاء الصيام من شرط مقارنة النية لأول الفعل، ذلك لأن المقارنة لا تتأتى فيه، ومثلها كنايات العقود والحلول، فزمنها فيها زمن النطق بلفظ الكناية قبل الفراغ منه (2).
وأما الزكاة والكفارة والأضحية فزمن النية فيها إما عزل المال المخرج للزكاة والكفارة وعزل الشاة التى يضحى بها، وإما زمن الإعطاء للمستحق فى الزكاة والكفارة وزمن الذبح فى الأضحية ويشترط فى ذلك كله إسلام الناوى وتمييزه، وعلمه بالمنوى، وعدم إتيانه بما ينافيها بأن يستصحبها كحكما (3).
3 - الحكمة من لزوم النية للأعمال الشرعية وحاجتها إليها:
سبق أن ذكرنا أن كل عمل اختيارى لا ينفك عن نية غالبًا، ولا يخرج عن ذلك إلا فاقد العقل أو ما لا يعقل أصلًا، كالبهائم، ولكن لما كان مجال هذا البحث هو النية الشرعية، وهو القصد الخاص - كان لا بد وأن نوضح الحكمة فى لزومها للأعمال الشرعية.
ويمكن أن نجملها فيما يأتى:
أ- تميز العبادات عن العادات بتميز ماهية ما هو للَّه من العمل وما ليس له.
ب- تمييز مراتب العبادات فى أنفسها لتتميز مكافأة العبد على ما فعله، ويظهر قدر تعظيمه لربه (4).
(1) الكافى: 1/ 38.
(2)
الحسينى (نهاية الإحكام): 10، 122.
(3)
المرجع السابق، والفقه على المذاهب الأربعة: 1/ 53.
(4)
النية فى الشريعة الإسلامية: ص 10.
ومن أمثلة الأول:
1 -
الغسل: يكون تبردًا أو عادة.
2 -
دفع الأموال: يكون صدقة شرعية، ومواصلة عرفية.
3 -
الإمساك عن المفطرات: تكون عبادة، وحاجة.
4 -
حضور المساجد: يكون مقصودًا للصلوات ولحاجة يجرى مجرى الذات.
ومن أمثلة الثانى:
الصلاة تنقسم إلى فرض ومندوب، وكذلك القول فى قربات المال، والصوم، والنسك؛ فشرعت النية لتمييز هذه الرتب (1).
ويتضح مما سبق أن كل عبادة لم تشتبه بغيرها من العبادات بأن لم تختلف نوعًا ولا فردًا ولكن اشتبهت بغيرها من العادات - كفى فى نيتها ما يميزها عن العادات فقط.
وكل عبادة اشتبهت بغيرها من العبادات بأن شاركتها فى جنسها أو نوعها عبادة أخرى -كالظهر مثلًا- يشاركها فى نوعها -الذى هو الفرض- بقية الصلوات الخمس وصلاة الجنازة، وفى جنسها، الذى هو الصلاة الرواتب وباقى السنن - لا بد فى نيتها من ملاحظة جميع ما يميزها عن كل ما يشاركها فى جنسها ونوعها، بأن يلاحظ اسمها لتتميز عن باقى الخمس، وفرضيتها لتتميز عن السنن.
وإنما وجب ملاحظة ما سبق فى النية؛ لأن المقصود منها تميز العبادات المخصوصة عن غيرها كما سبق، وحيث حصل المقصود الذى هو واجب فى النية لم يجب شئ وراءه، وهو معنى قول الفقهاء: يجب أن يكون المنوى معلومًا.
فينتج من ذلك أن النية قصد مشترك بين العبادة وغيرها، ولكن شرطه بقصد العبادة فقط إذا كانت العبادة لا تشتبه بغيرها من العبادات، فتتميز حينئذ عن العادة بقصد العبادة فقط، أمّا إذا كانت العبادة تشتبه بغيرها من العبادات - فزاد شرط
(1) راجع نهاية الإحكام: 10 و 11، والمرجع السابق.
تعيينها كالصلاة، إذ الواجب فيها متعدد، وكذا يزاد شرط الفرضية مثلا للاحتراز عن النفلية.
ومتى تعين المقصود بمخصصاته لم يشترط وراء ذلك شرط آخر. فصوم رمضان إن كان فى الوقت يكفى فيه صوم الغد لأنه متعين فى ذاته، فلا يحتاج لتعيينه. وأما إذا كان خارج الوقت فيشترط قصد القضاء عن رمضان؛ لأن الزمن لا يعينه.
فالشروط اللازمة فى قصد العبادة ما يعين تلك العبادة، وإلى هذا يئول قول الفقهاء. وإن كيفية النية تختلف باختلاف الأبواب؛ لأن العبادة إن كانت غير مشتبهة بغيرها -كما تقدم- لزم قصد العبادة فقط، وإلا خصصت بما يميزها، وهذه قاعدة مضطردة لا تختلف فى أىّ باب من أبواب الفقه وإن لم أرها منصوصة.
واللَّه أعلم
* * *