المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌د- مقارنة بين فروق الأسنوى وفروق القرافى: - مطالع الدقائق في تحرير الجوامع والفوارق - جـ ١

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الأولى للقسم الأول "الدراسى

- ‌مقدمة التحقيق والدراسة العلمية

- ‌أ- القسم الأول:

- ‌ب- القسم الثانى:

- ‌أما القسم الثانى (التحقيق):

- ‌أولًا: دراسة المخطوطات العربية فى العصور المختلفة حتى القرن الثامن الهجرى

- ‌ثالثًا: حصر جميع النسخ التى وجدت للمؤلف فى جميع مكتبات العالم حسب المصادر التاريخية

- ‌تمهيد

- ‌الأطوار التى مر بها الفقه الإسلامى حتى القرن الثامن الهجرى

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية

- ‌المرحلة الثالثة

- ‌المرحلة الرابعة:

- ‌الباب الأول الحركة العلمية فى القرن الثامن الهجرى

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول الحركة العلمية فى القرن الثامن الهجرى "مظاهرها، ومميزاتها

- ‌نساء القرن الثامن الهجري اللاتى ساهمن بنشاط فى الحركة العلمية لهذا القرن

- ‌الفصل الثانى فى سمة التأليف الفقهى والأصولى

- ‌الفصل الثالث فى أئمة فقهاء القرن الثامن

- ‌أولًا: "فقهاء الشافعية

- ‌ثانيًا: "فقهاء الحنفية

- ‌ثالثًا: "فقهاء المالكية

- ‌رابعًا: "فقهاء الحنابلة

- ‌الفصل الرابع فى العوامل التى ساعدت على ازدهار الحركة العلمية فى القرن الثامن الهجرى

- ‌تمهيد:

- ‌مقومات الحركة العلمية فى هذا القرن:

- ‌أولًا: النزعة الدينية:

- ‌ثانيًا: منزلة العلم والعلماء:

- ‌ثالثًا: المحافطة على ما بقى من التراث الإسلامى، وتجديد ما فقد منه بعد حرب التتار:

- ‌رابعًا: ازدهار المدارس الفقهية، وانتشار المكتبات العلمية، وتنافس الأمراء والحكام فى بنائها:

- ‌1 - المدارس التى وجدت بالقاهرة فى ذلك العصر

- ‌2 - المكتبات:

- ‌الفصل الخامس الإنتاج العلمى لحركة القرن الثامن العلمية

- ‌أولًا: الإنتاج الفقهى:

- ‌ثانيًا: المؤلفات الأصولية للقرن الثامن

- ‌الباب الثانى فى جمال الدين الأسنوى من مولده إلى وفاته

- ‌الفصل الأول

- ‌1 - التعريف به:

- ‌2 - نسبه:

- ‌3 - مولده:

- ‌4 - نشأته وحياته:

- ‌(5) اشتغاله بالحياة السياسية والإدارية:

- ‌6 - ثقافته:

- ‌7 - الإمام الأسنوى الفقيه: (فقهه):

- ‌الفصل الثانى فى العوامل التى ساعدت على تكوين ثقافة الأسنوى وازدهارها

- ‌العامل الأول: تنشئته:

- ‌ والده

- ‌العامل الثانى: أسرته وعائلته:

- ‌خاله:

- ‌عمه:

- ‌أخوه الأكبر:

- ‌أخوه الآخر:

- ‌ابن عمه:

- ‌العامل الثالث: اشتغاله بالعلم على علماء عصره:

- ‌العامل الرابع: الحياة الفكرية والحركة العلمية:

- ‌أساتذة الإمام الأسنوى (شيوخه):

- ‌أولًا: فى الحديث: منهم:

- ‌ثانيًا: فى الفقه: منهم:

- ‌ثالثًا: فى النحو: منهم:

- ‌رابعًا: فى العلوم العقلية:

- ‌العامل الخامس: أقرانه:

- ‌أقران جمال الدين الأسنوى:

- ‌(1) ابن النقيب:

- ‌(2) العقيلى:

- ‌(3) بهاء الدين المراغى المصرى:

- ‌(4) محمد الأنصارى:

- ‌(5) محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن على الأنصارى السبكى:

- ‌(6) تاج الدين المراكشى:

- ‌(7) التبريزى المصرى:

- ‌العامل السادس: استعداده الشخصى والذهنى:

- ‌العامل السابع: صفاته وأخلاقه:

- ‌العامل الثامن: مكانته العلمية:

- ‌الفصل الثالث فى وفاته وآثاره

- ‌أولًا: وفاته ورثاء العلماء له:

- ‌ثانيًا: آثاره

- ‌أ - آثاره العلمية البشرية (تلاميذه):

- ‌ ب" آثار الأسنوى الفكرية (مؤلفاته أو إنتاجه العلمى):

- ‌تمهيد:

- ‌منهجه فى التأليف:

- ‌إنتاجه العلمى (مؤلفاته):

- ‌1 - " الأشباه والنظائر" فى الفقه:

- ‌2 - " الإلقاء" فى الفقه:

- ‌3 - " البحر المحيط" فى الفقه:

- ‌4 - " التمهيد فى تنزيل الفروع الفقهية على الأصول

- ‌سبب التأليف:

- ‌باب الحكم الشرعى وأقسامه

- ‌مسألة:

- ‌5 - " التنقيح" فى الفقه

- ‌6 - " الجامع" فى الفقه:

- ‌7 - " الجواهر المضيئة

- ‌8 - " الكوكب الدرى

- ‌الباب الأول فى الأسماء:

- ‌ فصل فى لفظ الكلام

- ‌9 - " المهمات الغامضة فى أحكام المتناقضة

- ‌10 - " المهمات" على الرافعى والروضه

- ‌11 - " النافع

- ‌12 - " الهداية إلى أوهام الكفاية

- ‌13 - " إيضاح المشكل من أحكام الخنثى" (المشكل):

- ‌14 - " تذكرة النبيه فى تصحيح التنبيه

- ‌15 - "جواهر البحرين فى تناقض الخبرين" فى الفقه

- ‌16 - " زوائد المنهاج" فى الفقه:

- ‌17 - " زوائد الأصول على منهاج الأصول" للبيضاوى

- ‌19 - " شرح التسهيل لابن مالك

- ‌20 - " شرح التنبيه" فى الفقه:

- ‌21 - " شرح ألفية ابن مالك" فى النحو:

- ‌22 - " شرح أنوار التنزيل" للبيضاوى فى التفسير:

- ‌23 - " شرح سنن ابن ماجة" فى الحديث:

- ‌24 - " طبقات الفقهاء الشافعية

- ‌25 - " طراز المحافل فى ألغاز المسائل" فى الفقه:

- ‌نماذج من الألغاز

- ‌أولا: من باب الطهارة:

- ‌ثانيًا: من باب ما يوجب الغسل:

- ‌ثالثًا: من باب الصلاة:

- ‌رابعًا: من باب ستر العورة:

- ‌خامسًا: من باب ما يفسد الصلاة:

- ‌سادسًا: من باب صلاة الجمعة:

- ‌سابعًا: من كتاب الحج:

- ‌ثامنًا: من كتاب الحجر:

- ‌تاسعًا: من كتاب اللقطة:

- ‌26 - " فتاواه

- ‌27 - " المسائل الأسنوية" (الفتاوى الحموية):

- ‌مسألة: "فى الحضانة

- ‌28 - " كافى المحتاج إلى شرح المنهاج" فى الفقه:

- ‌29 - " مختصر الشرح الصغير للرافعى" فى الفقه:

- ‌30 - " مطالع الدقائق فى تحرير الجوامع والفوارق

- ‌31 - " نجب الطواهر فى أجوبة الجواهر فى الفقه

- ‌32 - " نزهة النواظر فى رياض النطائر

- ‌33 - " نصيحة أولى النهى

- ‌34 - " نهاية السول فى شرح منهاج الأصول" للبيضاوى:

- ‌35 - " نهاية الراغب فى شرح عروض ابن الحاجب

- ‌خاتمة فى بعض المسائل التطبيقية للفروق الفقهية النية، والسواك، والتيمم، والغسل من الجنابة، وبيع آلات اللهو والغناء

- ‌المبحث الأول الفروق الفقهية عند الأسنوى، وتطورها التاريخى

- ‌أ- التعريف بالجوامع والفوارق:

- ‌ب- التطور التاريخى للفروق الفقهية:

- ‌أما الفروق بالمعنى الاصطلاحى الخاص الذى أوضحناه سابقًا:

- ‌جـ- الفروق عند الأسنوى ومنهجه فى تأليفها:

- ‌د- مقارنة بين فروق الأسنوى وفروق القرافى:

- ‌المبحث الثانى فى موقف العلماء من وجوب النية فى الوضوء والغسل والتيمم

- ‌المطلب الأول فى تحقيق معنى النية وتبيين ماهيتها لغة وشرعًا

- ‌1 - فى اللغة:

- ‌2 - فى الشرع:

- ‌المطلب الثانى فى بيان محل النية، ووقتها؛ والمجزئ منها شرعًا

- ‌1 - محل النية:

- ‌2 - وقت النية:

- ‌3 - الحكمة من لزوم النية للأعمال الشرعية وحاجتها إليها:

- ‌المطلب الثالث فى ما يفتقر إلى النية الشرعية

- ‌الأوامر قسمان:

- ‌2 - النواهى والمباحات:

- ‌المطلب الرابع فى بيان موقف العلماء والفقهاء من وجوب النية فى الوضوء والغسل والتيمم

- ‌المطلب الخامس فى الترجيح والاختيار

- ‌المبحث الثالث السواك

- ‌المطلب الأول فى تعريف السواك

- ‌المطلب الثانى فى حكم السواك ومذاهب العلماء فيه

- ‌الأدلة:

- ‌المطلب الثالث فى حكم السواك للصائم بعد الزوال وآراء الفقهاء فى ذلك

- ‌الأدلة:

- ‌المطلب الرابع فى الترجيح والاختيار

- ‌المطلب الخامس فى الاستياك بالأصبع وهل يجزئ فى السنة

- ‌مذاهب العلماء:

- ‌الأدلة:

- ‌الترجيح:

- ‌المطلب السادس فى كيفية استخدام السواك، والأوقات التى يندب فيها

- ‌كيفية الاستعمال:

- ‌وقت الاستعمال:

- ‌المبحث الرابع الغسل من الجنابة

- ‌المطلب الأول فى تحقيق ماهية الغسل من الجنابة

- ‌المطلب الثانى فى موقف الفقه الإسلامى فى الغسل من المنى إذا خرج عن محله ولم يندفع أو لم يظهر فى الخارج

- ‌سبب الخلاف:

- ‌الأدلة والتوجيه:

- ‌أدلة الفريق الأول:

- ‌أدلة الفريق الثانى:

- ‌أولًا "بحديث إنما الماء من الماء

- ‌ثانيًا الإجماع -على ما ادعاه الرافعى

- ‌أدلة الفريق الثالث:

- ‌أدلة الفريق الرابع:

- ‌أدلة القول الخامس:

- ‌الترجيح:

- ‌المطلب الثالث فى حكم الفقه الإسلامى من العمليات الجراحية التى يترتب عليها عدم تدفق المنى وعدم خروجه وهل يجب على المرء الغسل فى مثل هذه الحالات أم لا

- ‌أولًا: من الفقه الحنفى:

- ‌ثانيًا- من الفقه المالكى:

- ‌ثالثًا: من الفقه الشافعى:

- ‌رابعًا: من الفقه الحنبلى:

- ‌خامسًا: من فقه الشيعة الإمامية:

- ‌سادسًا: من فقه الشيعة الإباضية:

- ‌الترجيح والاختيار:

- ‌المبحث الخامس فى التيمم

- ‌المطلب الأول فى تعريف التيمم

- ‌سبب الخلاف

- ‌المطلب الثانى فى تاريخ التشريع للتيمم

- ‌المطلب الثالث فى عدد الضربات فى التيمم، والمقدار المجزئ فيه، ورأى الفقهاء فى ذلك

- ‌الأدلة:

- ‌الترجيح:

- ‌المطلب الرابع فى المقدار الواجب مسحه من أعضاء التيمم

- ‌مذاهب العلماء:

- ‌الأدلة:

- ‌ استدل الفريق الأول

- ‌أدلة الفريق الثانى

- ‌أدلة الفريق الثالث

- ‌توجيه الأدلة:

- ‌الترجيح:

- ‌المطلب الخامس فى حكم الاستيعاب فى أعضاء التيمم، و‌‌مذاهب العلماءفى ذلك

- ‌مذاهب العلماء

- ‌الأدلة:

- ‌توجيه الأدلة:

- ‌الترجيح والاختيار:

- ‌المبحث السادس فى بيع آلات اللهو والغناء. . وموقف التشريع الإسلامى منه

- ‌مذاهب العلماء فى بيع آلات اللهو والغناء:

- ‌الأدلة:

- ‌أولًا: الفريق الأول:

- ‌أولًا: من السنة:

- ‌ثانيًا: من الآثار:

- ‌الفريق الثانى:

- ‌أ- أما الكتاب منه:

- ‌ب- أما السنة فمنها:

- ‌جـ - الآثار:

- ‌أدلة القول الثالث:

- ‌توجيه الأدلة

- ‌أولًا: الفريق الأول:

- ‌ثانيًا: الفريق الثانى:

- ‌ثالثًا: الفريق الثالث:

- ‌4 - الترجيح والاختيار:

- ‌القول فى استماع الأوتار وآلاته:

- ‌المزامير وآلات الملاهى الأخرى:

الفصل: ‌د- مقارنة بين فروق الأسنوى وفروق القرافى:

‌د- مقارنة بين فروق الأسنوى وفروق القرافى:

وبعد ذلك بقى علينا أن نعقد مقارنة خاصة بين الأسنوى ومن سبقه فى فن الفروق، وقد اخترت من السابقين عليه الإمام "القرافى" المالكى. ولعل ذلك يرجع إلى اشتهار القرافى بمعالجته لهذا الفن دون غيره. كما أن هناك فرقًا كبيرًا بينهما من جهة الموضوع.

وإذا عرفنا فيما سبق موضوع "فروق الأسنوى" وأنها بين المسائل الفرعية الفقهية؛ نعرف أن فروق القرافى موضوعها: قواعد الفقه الكلية أصلًا. ولكنها كثيرًا ما تكون بين مسألتين فرعيتين من مسائل الفقه.

يقول القرافى (1): "وجعلت مبادئ المباحث فى القواعد -بذكر الفروق والسؤال عنها- فرعين أو قاعدتين، فإن وقع فى السؤال عن الفرق بين الفرعين فبيانه بذكر قاعدة أو قاعدتين يحصل بهما الفرق، وهما المقصودتان، وذكر الفرق وسيلة لتحصيلهما.

وإن وقع السؤال عن الفرق بين القاعدتين -فالمقصود تحقيقهما، ويكون تحقيقهما بالسؤال عن الفرق بينهما أولى؛ لأن الضد يظهر حسنه الضد، وبضدها تتميز الأشياء".

وعلى هذا فالمقصود الأساسى لمؤلف القرافى هو ذكر الفرق بين القواعد لا ذكر الفرق بين الفروع، وإنما يقع ذلك فيه استطرادًا عند ضرورة توضيح القاعدة وإظهارها.

وفروق القرافى تقع فى 548 ثمانية وأربعين وخمسمائة قاعدة، وكلامه فيها مفصل. فهو يذكر القاعدتين ثم يذكر جميع الآراء التى تكلمت عن الفرق بينهما ويناقش ذلك، ثم يأتى بالفرق الذى يرتضيه مع الدليل.

ففى كلامه عن الفرق الأول وهو بين الشهادة والرواية يقول (2):

". . ابتدأت الفرق بين هاتين القاعدتين لأنى أطلبه نحو ثمانى سنوات فلم أظفر

(1) انظر: كتابه: أنوار البروق فى أنواع الفروق ص 3.

(2)

المرجع السابق ص 3.

ص: 214

به، وأسأل الفضلاء عن الفرق بينهما، وتحقيق ماهية كل واحدة منهما، فإن كل واحدة منهما خبر -فيقولون: الفرق بينهما أن الشهادة يشترط فيها العدد والذكورية والحرية، بخلاف الرواية، فإنها تصح من الواحد والمرأة والعبد.

فأقول لهم: اشتراط ذلك فيها فرع تصورها وتمييزها عن الرواية، فلو عرفت بأحكامها وآثارها -التى لا تعرف إلا بعد معرفتها- لزم الدور، وإذا وقعت لنا حادثة غير منصوصة من أين لنا أنها شهادة حتى يشترط فيها ذلك، فلعلها من باب الرواية التى لا يشترط فيها ذلك، فالضرورة داعية لتميزها. ولا يشترط فى بعض المسائل الأخرى.

ثم ذكر أن الفرق بينهما بمعرفة حقيقة كلّ منهما على حدة، فيقول (1):"مهما لم تتصور حقيقة الشهادة والرواية وتمييز كل واحدة منهما عن الأخرى لا يعلم اجتماع المتشابهتين منهما فى هذه الفروع، ولا يعلم أى الشبهين أقوى، حتى يرجح مذهب القائل بترجيحها. ولعل أحد القائلين ليس مصيبًا".

وليس فى الفروع إلا إحدى المتشابهتين أو أحد الشبهين، والآخر منفى، أو الشبهان معا منفيان، والقول بتردد هذه الفروع بينهما ليس صوابًا، بل يكون الفرع مخرجًا على قاعدة أخرى غيرها.

وهذا جميعه إنما يتلخص إذا علمت حقيقة كل واحدة منها من حيث هى. ونذكر فيما يأتى نموذخا آخر من فروقه:

الفرق الثالث والثمانون (2): بين قاعدة الماء المطلق وبين قاعدة الماء المستعمل لا يجوز استعماله أو يكره على الخلاف.

اعلم أن الماء المطلق هو الباقى على أصل خلقته، أو تغير بما هو ضرورى له، كالجارى على الكبريت وغيره مما يلازم الماء فى مقره.

وكان الأصل فى هذا القسم ألا يسمى مطلقًا؛ لأنه تقيد بإضافة عين أخرى إليه، لكنه استغنى للضرورة، فجعل مطلقًا؛ توسعة على المكلف. واختير هذا اللفظ

(1) المرجع السابق ص 6.

(2)

2/ 117.

ص: 215

لهذا الماء وهو قولنا مطلق- لأن اللفظ يفرد فيه إذا عبر عنه، فيقال: ماء، وشربت ماء، وهذا ماء، وخلق اللَّه الماء رحمة للعالمين. . ونحو ذلك من العبارات. فأما غيره فلا يفرد اللفظ فيه، بل يقال: ماء الورد، ماء الرياحين، ماء البطيخ. . ونحو ذلك. فلا يذكر اللفظ إلا مقيدًا بإضافة أو معنى آخر. وأما فى هذا الماء فيقتصر على لفظ مفرد مطلق غير مقيد وإن وقعت الإضافة فيه بقولنا: ماء البحر، ماء البئر، ونحوها، فهى غير محتاجة إليها. بخلاف ماء الورد ونحوه - لابد من ذلك القيد وتلك الإضافة، فمن ههنا حصل الفرق من جهة اليقين واللزوم.

وأما الماء المستعمل فهو الذى أديت به طهارة وانفصل من الأعضاء، لأن الماء مادام فى الأعضاء فلا خلاف أنه طهور مطلق مادام مترددًا، فإذا انفصل عن العضو اختلف فيه: هل هو صالح للتطهر؟ وهل هو نجس أم لا؟ وهل هو ينجس الثوب إذا لاقاه أم لا؟ هذه أقوال للحنفية ولغيرها. واختلف القائلون بخروجه عن صلاحيته للتطهر: هل ذلك معللًا بإزالة المانع أو بأنه أديت به لمحربة؟ ويتخرج على القولين مسائل.

فإن قولنا: إن العلة إزالة المانع - لم يندرج فى الماء المستعمل فى الغسل فى المرة الثانية والثالثة فى الوضوء إذا نوى فى الأولى الوجوب، ولا الماء المستعمل فى تجديد الوضوء، ونحو ذلك مما لا يزيل المانع. ويندرج فيه الماء المستعمل فى غسل الذمية، لأنه أزال المانع من الوطء.

وإن قلنا: إن سبب ذلك كونه أديت به قربة - اندرج فيه الماء المستعمل فى المرة الثانية والثالثة فى تجديد الوضوء.

ولا يندرج الماء المستعمل فى غسل الذمية؛ لأنه لم تحصل به قربة - عكس ما تقدم وللقائلين بالمنع وخروجه عن كونه صالحًا للتطهر مدارك، أحسنها أن قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} ، وقوله تعالى:{لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} - مطلق فى التطهر لا عام فيه، بل عام فى المكلفين، فإذا قال السيد لعبيده: أخرجت هذا الثوب لأغطيكم به - لا يدل ذلك على أنه يغطيهم به مرات ولا مرتين، بل يدل على أصل التغطية فى جميعهم، فإذا غطاهم به مرة حصل موجب اللفظ، وكذلك هههنا؛ إذا تطهرنا

ص: 216

بالماء حصل موجب اللفظ، فبقيت المرة الثانية فيه غير منطوق بها، فتبقى على الأصل غير مقيدة، فإن الأصل فى الأشياء عدم الاعتبار فى التطهر وغيره، إلا ما وردت الشريعة به، وهذا وجه قوى حسن، ومدرك جميل.

واحتج مع هذا الوجه بقوله: إنه ماء أديت به عبادة فلا تؤدى به عبادة أخرى كالرقبة فى العنق، وبقولهم: إنه ماء الذنوب؛ لما ورد فى الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال (1): "إذا توضأ المؤمن فغسل يديه خرجت الخطايا من بين أنامله، وإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من بين أطراف أذنيه. . " الحديث.

فدل ذلك على أن هذا الماء تخرج معه الذنوب. وإنما قلنا إنه إذا كان ماء الذنوب يكون نجسًا، لأن الذنوب ممنوع من ملامستها شرعًا. والنجاسة هى منع شرعى، فإذا حصل المنع حصلت النجاسة. والجواب عن الأول: أنكم تجوزون عتق الرقبة الكافرة فى الكفارات الواجبات، ولو أعتق عبدًا كافرًا ذميًا ثم خرج إلى أهل الحرب ناقضًا للعهد، ثم غنمناه - عاد رقيقًا، وجاز عتقه فى الواجب مره أخرى عندع؛ فما قستم عليه لا يتم على أصولكم. سلمنا صحة القياس لكنه معارض بأنه عين أديت به عبادة، فيجوز أن تؤدى به عبادة أخرى، كالثوب فى ستر الصلاة واستقبال الكعبة، وكذلك المال فى الزكاة لو اشتراه، فمن انتقل إليه من الفقراء جاز أن يخرجه فى الزكاة مرة أخرى.

وبهذا نأتى إلى ختام المبحث الأول.

* * *

(1) فى كنز العمال 2/ 425: خرجه أحمد والطبرانى عن أبى أمامة.

ص: 217