الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث فى حكم السواك للصائم بعد الزوال وآراء الفقهاء فى ذلك
سبق ذكر حكم السواك مطلقًا، ومذاهب العلماء فى ذلك، والرأى الراجح. أمّا الآن فنتكلم عن حكمه بعد الزوال على مذهب الجمهور القائلين بعدم الوجوب.
وقد اختلف الجمهور أيضًا فيما بينهم على النحو التالى:
1 -
يكره السواك للصائم بعد الزوال. وبه قال الشافعى، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.
2 -
يكره السواك للصائم بعد العصر فقط، وحكى ذلك عن المحب الطبرى (1).
3 -
يجوز استعمال السواك مطلقًا فى أى وقت للصائم وغير الصائم، ولا يكره استعماله بعد الزوال. وبهذا الرأى قال أبو حنيفة ومالك، والرواية الثانية عن أحمد، وقول للشافعى ذكره الشوكانى حكاية عن الترمذى (2). واختاره جماعة من أصحابه منهم المزنى وابن عبد السلام والنووى (3).
الأدلة:
أولًا: أدلة من قال إن السواك لا يكره إلا بعد الزوال:
استدل الشافعى ومن وافقه بالحديث المتفق عليه "لخلوف فم الصائم أطيب عند
(1) المرجع السابق.
(2)
نيل الأوطار للشوكانى 1/ 104.
(3)
كافى المحتاج: ص 68.
اللَّه من ريح المسك" (1). وقد وجه أصحاب الشافعى استدلالهم على النحو الآتى:
هذا الحديث وإن كان يقتضى أنه لا فرق بين ما قبل الزوال وما بعده -لكنه مخصوص بما رواه الإمام الحافظ أبو بكر السمعانى من حديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت أمتى فى رمضان خمس خصال"، ثم قال:"وثانيها: أنهم يمسون وخلوف أفواهم عند اللَّه أطيب من ريح المسك"(2). وهو حديث حسن.
والمساء بعد الزوال، فخصصنا عموم الأول الدال على الطيب مطلقًا بمفهوم هذا (3).
ثانيا: أدلة من قال إن السواك لا يكره إلا بعد العصر
واستدل من قال بأن السواك يكره للصائم بعد العصر فقط بما يأتى:
1 -
حديث أبى هريرة فى رواية الدارقطنى قال: "لك السواك إلى العصر، فإذا صليت فألقه فإنى سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لخلوف فم الصائم. . . " الحديث (4).
2 -
حديث على -رضى اللَّه عنه-: "إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، فلا تستاكوا بالعشى؛ فإنه ليس من صائم تتيبس شفتاه بالعشى إلا كانتا نورًا بين عينيه يوم القيامة". أخرجه البيهقى (5).
قال صاحب هذا القول لتعضيد مذهبه: وهذه الأحاديث نص فى المطلوب.
ثالثًا: أدلة من أباحوا السواك فى كل وقت حتى للصائم
استدل أصحاب المذهب الثالث -وهم جمهور الفقهاء وأكثر أهل العلم- بما يأتى:
(1) انظر: البخارى بشرح الكرمانى: 9/ 78.
(2)
فى كنز العمال. خرجه ابن وهبة عن جابر. وانظر: الكنز على مسند أحمد: 3/ 272. وقال الأسنوى فى "كافى المحتاج" ص 68. هو من حديث جابر، وهو حديث حسن.
(3)
كافى المحتاج: 68.
(4)
نيل الأوطار: 1/ 103.
(5)
المرجع السابق.
1 -
بحديث عامر بن ربيعة قال: "رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما لا أحصى يتسوك وهو صائم"(1).
2 -
وبحديث عائشة -رضى اللَّه عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من خير خصال الصائم السواك" رواه ابن ماجة (2).
وقد وجه الجمهور أدلتهم على النحو التالى:
1 -
فى الحديث الأول قالوا: إنه يدل على استحباب السواك للصائم من غير تقييد بوقت دون وقت، وهو رد على الشافعى فى قوله بالكراهة بعد الزوال مستدلًا بحديث الخلوف.
قال ابن عبد السلام فى قواعده الكبرى: وقد فضل الشافعى تحمل الصائم مشقة رائحة الخلوف على إزالته بالسواك، مستدلًا بأن ثوابه أطيب من ريح المسك. ولا نوافق الشافعى على ذلك إذ لا يلزم من ذكر الفضيلة حصول الرجحان بالأفضلية. ألا ترى أن الوتر عند الشافعى فى قوله الجديد أفضل من ركعتى الفجر مع قوله عليه السلام:"ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها". وكم من عبادة قد أثنى الشارع عليها وذكر فضيلتها، وغيرها أفضل منها، وهذا من باب تزاحم المصلحتين اللتين لا يمكن الجمع بينهما، فإن السواك نوع من التطهر المشروع لأجل الربّ سبحانه؛ لأن مخاطبة العظماء -مع طهارة الأفواه- تعظيم لا شك فيه، ولأجله شرع السواك. وليس فى الخلوف تعظيم ولا إجلال، فكيف يقال إن فضيلة الخلوف تربو على تعظيم ذى الجلال بتنظيف الأفواه.
قال الحافظ فى "التلخيص": استدلال أصحابنا الشافعية بحديث "خلوف فم الصائم" على كراهة الاستياك بعد الزوال لمن يكون صائمًا - فيه نظر" (3).
(1) الحديث خرجه الشوكانى فى نيل الأوطار 1/ 104، وقال: رواه أحمد، وأبو داود، والترمذى وقال حديث حسن. قال الحافظ: رواه أصحاب السنن، وابن خزيمة، وعلقه البخارى وضعفه، لكن حسنه غيره. وقال الحافظ أيضًا: إسناده حسن.
(2)
المرجع السابق.
(3)
المرجع السابق.
ثم قالوا فى توجيه الحديث الثانى: إنه يدل على أن السواك من خير خصال الصائم، من غير فرق بين ما قبل الزوال وما بعده. وقد اعترض على الجمهور فى استدلالهم بهذا الحديث الأخير بأنه لا يصلح حجة لأنه ضعيف. ضعفه صاحب التلخيص، وقال ابن حبان: لا يصح. وذكره ابن الجوزى فى الموضوعات (1).
وأجابوا عن هذا الاعتراض بما قاله الحافظ: إن له شاهدًا من حديث معاذ، رواه الطبرانى فى الكبير، ومن حديث ابن عباس، رواه ابن منيع فى سننه:"أن النبى صلى الله عليه وسلم تسوك وهو صائم" وهو يدل على أن السواك من خير خصال الصائم من غير فرق بين ما قبل الزوال وما بعده (2).
وقد رد الجمهور على من قال بكراهة استعمال السواك بعد العصر فقط بأن الحديث الأول من أدلتهم معارض بحديث عامر على فرض صحته، لكنه لا حجة فيه مطلقًا؛ لأن فيه عمر بن قيس وهو متروك الحديث. وردوا الحديث الثانى -وهو حديث على- بأن إسناده ضعيف كما قال الحافظ، ولكن على فرض صحته لا دلالة فيه لأنه لم يصرح فيه بالرفع (3).
* * *
(1) المرجع السابق.
(2)
المرجع السابق: 105.
(3)
المرجع السابق: ص 104.