الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد استطاع بعض العلماء أن يكونوا ذوى نفوذ كبير عند السلاطين والأفراد، حتى نزل السلاطين عند رأيهم، يخشون سطوة نفوذهم (1).
وقد كانت العادة أن السلطان يجلس بديوان العدل وقضاة المذاهب الأربعة عن يمينه، وأكبرهم الشافعى وهو الذى يلى السلطان، ثم الحنفى ثم المالكى ثم الحنبلى، فإن احتاج الأمر إلى مراجعة القضاة راجعهم فيما يتعلق بالأمور الشرعية والقضايا الدينية، كما كانت العادة أنه إذا ولى أحدٌ المملكة من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون أن يحضر الأمراء ويقبلوا الأرض ويقيموا التشاريف ويعلو السلطان المملكة بحضور القضاة والأمراء، ويشهد عليه بذلك، ثم ينصرف ومعه القضاة (2).
ومما ينبغى أن يذكر فى هذا المقام أن كثيرًا من علماء الأندلس النابهين وفدوا إلى هذه البلاد فى ذلك العصر، ووجدوا فيها أمنًا فقدوه فى ديارهم، وأحدث هؤلاء الوافدون حركة علمية قوية، ومن هؤلاء: ابن خلدون العالم المؤرخ الكبير، هذا ومما لا تثريب فيه أن كثيرًا من الناس أقبلوا على العلم يومئذ متطلعين إلى المناصب الكبرى التى كان أهل العلم يظفرون بها (3).
ثالثًا: المحافطة على ما بقى من التراث الإسلامى، وتجديد ما فقد منه بعد حرب التتار:
لقد فقد المسلمون والإسلام، كثيرًا من مراجعه العلمية القيمة على يد المغول والتتر بعد هجومهم على دولة الإسلام، وأصبحت المكتبات العلمية والفقهية مهددة بالإفلاس، ولذلك اشتدت الغيرة وزاد الحرص على المحافظة على ما تبقى، وتجديد ما فقد على يد هؤلاء الهمج عندما هاجموا بلاد الإسلام.
ولقد كان هذا الهجوم مروعًا مخربًا مدمرًا من قوم لم ترقْهم الحضارة ولم
(1) انظر: الحياة العقلية ص 7.
(2)
انظر: الخطط 2/ 209.
(3)
الحياة العقلية ص 7.
تهذبهم الثقافة، شداد غلاظ، لا يفهمون معنى العاطفة ولا تلين قلوبهم للرحمة، أحب مظهر إليهم مظهر الدم ينهار، أو الآثار العظيمة تصبح شعلة من نار. كان بأسهم بينهم شديدًا ثم جمعهم جنكيزخان، واتجه إلى الدولة العباسية سنة 654 هـ (1256 م) واستولى على الرّىّ، ثم قصد بغداد سنة 655 هـ (1257 م)، وكان الخلاف فيها فظيعًا بين السنة والشيعة، فظن الوزير الشيعى العلقمى أنه بتمكينه التتر ينتصر الشيعة على السنة، ولكن كان فى التمكين لهم هلاك الجميع، فلقد قتل فيها كما يقول المؤرخون مليون وثمانمائة ألف، وضُرب عمرانها، ورُمى بكتبها فى نهر دجلة، وكانت هذه الكتب نتيجة ثقافة قرون (1).
وما كاد العالم الإسلامى يفيق من نكبة التتار ويسترد بعض قوته حتى جاء تيمورلنك فأكمل ما عصف به أجداده جنكيزخان وهولاكو، واجتاز بقية آسيا الصغرى، وأكثر من القتل والتخريب والفساد، وأفسد الشام، وكانت قد استعصت على من قبله؛ فخربها فيما خرب وقتل علماءها فيمن قتل. ومات هذا الوغد بعد أن أكمل خنق البلاد سنة 807 هـ (1404 م)(2).
ويصف ابن السبكى (3) هذه الواقعة، فيقول:"ولقد رُفع الصليب وسمع الناقوس آونة من بيوت أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وانتهكت المحارم وضربت الجوامع، وعطلت المساجد، وخربت تلك الديار، ومحيت تلك الرسوم والآثار"(4).
ثم انقضت تلك الديار وأهلها
…
فكأنها وكأنهم أحلام (5)
"ولقد ملكوا أكثر عامر الأرض فجعلوه خرابًا، تركوا المساجد والجوامع والمدارس بلاقع، وحرقوا الكتب والمصاحف، وما دخلوا مدينة إلا وسالت أوديتها بدماء أهلها، وكانوا إذا عجزوا عن حمل الأمتعة أطلقوا فيها النيران حتى يذهب أثرها"(6).
(1) انظر: ظهر الإسلام 4/ 193.
(2)
المرجع السابق: 194.
(3)
هو: تاج الدين عبد الوهاب بن على السبكى الشافعى، المتوفى سنة 771 هـ.
(4)
انظر: الطبقات الكبرى 1/ 328.
(5)
البيت لأبى تمام، والرواية عنه: تلك السنون. وانظر: ديوانه 3/ 152.
(6)
الطبقات الكبرى للسبكى 1/ 339.