الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موضعها التخفيف، ولا يجوز استيعاب الأعضاء فيها كاستيعابها فى طهارة الماء، فلهذا كانت هنا فى عضوين، وكانت الطهارة فى الوضوء فى أربعة (1).
ثم إن لفظة المسح لم تأت فى الشريعة إلا فى أربعة مواضع:
(1)
مسح الرأس.
(2)
ومسح الوجه واليدين فى التيمم.
(3)
والمسح على الخفين والعمامة والخمار.
(4)
ومسح الحجر الأسود فى الطواف.
قال الظاهرية: ولم يختلف أحد من خصومنا المخالفين لنا فى أن مسح الخفين ومسح الحجر الأسود لا يقتضى الاستيعاب، وكذلك من قال منهم بالمسح على العمامة والخمار، ثم نقضوا ذلك فى التيمم فأوجبوا فيه الاستيعاب تحكمًا بلا برهان. واضطربوا فى الرأى فلم يوجب أبو حنيفة ولا الشافعى فيه الاستيعاب، فمن أين وقع لهم تخصيص المسح بالاستيعاب بلا حجة (2)؟ !
الترجيح والاختيار:
وفى مجال الترجيح فإننى أرجح ما ذهب إليه الجمهور، وذلك لأن الآية وإن كانت عامة وورد لفظ المسح فيها مقترنًا بالباء -إلا أن الجمهور قد خصصها وفسر الباء على أنها زائدة للتأكيد، وذلك بخلاف تفسيرها فى آية الوضوء الذى احتج به الفريق المخالف للجمهور، فإن الخلاف قد حصل فيها، وإذا اتفق جمهور الفقهاء والمفسرين على أن الباء فى آية التيمم ليست للتبعيض فبقى أن تكون زائدة، وإذا كانت زائدة كان مقتضى نص الآية هو مسح ما أمر اللَّه به، ولا يتحقق ذلك -أى تمام المسح- إلا بفعل المأمور به، وهو هنا أعضاء التيمم. ولما كان ذلك محدودًا بالوجه واليدين فيجب المصير إليه.
(1) الانتصار ص: 19.
(2)
المحلى: 2/ 157.
ثم إن فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى صفة التيمم دليل على ذلك، وكذا ما نقل عن فعل الصحابة، فلم ينقل عن أحد منهم أنه قال بعدم التعميم أو أفتى به، أو فعله، وما دمنا ملتزمين بوجوب العمل بمقتضى الدليل عند صحته فيجب المصير إليه. ولا يخالف فى ذلك إلا عند عدم الدليل أو التعارض، وحيث إنه قد وجد الدليل ولم يوجد نص معارض فيجب العمل بما قاله الجمهور، وهو وجوب الاستيعاب.
أما الرد على شبه المخالفين: فإننا نرد على الظاهرية قولهم بالقياس لأنهم لا يؤمنون به؛ لأن القياس كله عندهم باطل. أما ادعاؤهم الإجماع على ما ذهبوا إليه، فيرد هذه الشبهة عليهم بما سبق أن أثبتناه من خلاف الجمهور.
على أنهم قد نقضوا مذهبهم حينما اعترضوا على الجمهور بمسح الخف والرأس والعمامة والحجر، وقالوا: فكذلك يكون الأمر فى التيمم. وهو عين القياس ومع أنهم لا يعملون به. ومع ذلك فإننى أقول بأنه لا يصح الاعتراض بذلك أصلًا، لأن لكل فعل دليلًا خاصًا به لا يقاس على غيره إلا عند انعدام هذا الدليل الخاص، أما والأمر هنا بخلاف ذلك لأن الدليل الخاص قد وجد هنا وهو الآية وفعل النبى صلى الله عليه وسلم الذى فعله للتشريع، ولم ينقل عنه أنه فعله على التبعيض، وإذا كان المسح فى اللغة لا يقتضى الاستيعاب كما يدعى فإن المسح الشرعى قد خصص هذا المعنى اللغوى.
أما الرد على ما أثاره الشيعة الإمامية من أنه "لابد من فائدة لذكر الباء، وإلا كان ذكرها عبثًا، ولا فائدة بعد ارتفاع التعبدية به إلا التبعيض. فتقرر بأن الجمهور قد ذكر أن الإتيان بها لفائدة التأكيد. فلا شبهة لهم.
وأما الرد على ما أثاروه أيضًا من أن "الأمر فى التيمم يختلف عن الوضوء؛ لأن التيمم طهارة تخفيف، ولذلك كان الوضوء فى أربعة والتيمم فى عضوين".
فإننا نرد على هذا بأن مقتضى الاستيعاب لا يدل مطلقًا على التشديد، ولا يعدو الأمر أن يكون ضربة باليدين ومرورهما على الوجه واليدين فيتحقق الاستيعاب.
فأى تشديد فى ذلك، وخاصة على ما أوضحناه من القول بجواز الاقتصار على الكفين فى اليدين وبضربة واحدة.
ثم إن الأمر ليس المقصود منه تعميم الأعضاء بالتراب حتى يثار ذلك الكلام، وإنما المقصود فى نظرى -واللَّه أعلم- إنما هو التعبد، وقد لا تحمل الآلة من الغبار إلا القليل الذى لا تراه العين، فأي ضرر من الاستيعاب فى هذه الحالة، وأليس ذلك هو عين التخفيف والرحمة؟
* * *