الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
ب" آثار الأسنوى الفكرية (مؤلفاته أو إنتاجه العلمى):
تمهيد:
من أهم الآثار التى تركها لنا الإمام جمال الدين الأسنوى: مؤلفاته القيمة التى كثرت وتعددت إلى أن شملت العلم فى جميع مجالاته. وسنتكلم عن هذه الآثار بالتفصيل حتى يمكن أن نوضح مدى قيمتها العلمية.
ولكن قبل أن نتكلم عن هذه المؤلفات يحسن أن نتكلم أولا عن منهجه واتجاهه فى التأليف؛ لأن هذا يوضح لنا فيما بعد لماذا كثرت مؤلفاته فى فن وقلت فى فن آخر.
منهجه فى التأليف:
قد لا يخرج الإمام الأسنوى فى تأليفه عن منهج عصره فى التأليف، الذى هو: إما جمع لمتفرق، أو شرح لمختصر، أو اختصار لشرح متون. مع إتمام الغرض الذى وضح من أجله، حيث ينبغى لكل مؤلف كتاب فى فن قد سبق إليه ألا يخلو كتابه من خمس فوائد (1)، هى:
1 -
استنباط شئ إن كان متصلًا.
2 -
أو جمعه إن كان مفرقًا.
3 -
أو شرحه إن كان غامضًا.
4 -
أو حسن نظم وتأليف.
5 -
أو إسقاط حشو وتطويل.
هذا هو المنهج العام الذى كان يجب على كل مؤلف أن يتبعه فى ذلك الوقت. نستخلص مما سبق أنه يشترط فى التأليف إتمام الغرض الذى وضع الكتاب لأجله من غير زيادة ولا نقص.
يقول ابن خلدون فى مقدمته (2): "ومقاصد التأليف سبعة:
(1) انظر: كشف الظنون 1/ 35.
(2)
انظر: جـ 4/ 1227.
1 -
استنباط العلم بموضوعه، وتقسيم أبوابه وفصوله، وتتبع مسائل أو استنباط مسائل ومباحث تعرض للعالم المحقق ويحرص على إيصالها لغيره؛ لتعم به المنفعة فيودع ذلك بالكتابة فى الصحف لعل المتأخر يظهر على تلك الفائدة كما وقع فى الأصل فى الفقه، فقد وضع الشافعى قواعده فى الأدلة الشرعية اللفظية، ولخصها، ثم جاء الحنفية فاستنبطوا مسائل القياس واستوعبوها، وانتفع بذلك من بعدهم إلى الأبد.
2 -
أن يقف على كلام الأولين وتآليفهم؛ فيجدها مستغلقة على الأفهام، ويفتح اللَّه له فى فهمهما، فيحرص على إبان ذلك لغيره ممن عساه يستغلق عليه؛ لتصل الفائدة لمستحقها، وهذه طريقة البيان للكتب: المنقولط والمعقول.
3 -
أن يقف المتأخر على غلط أو خطإ فى كلام المتقدمين ممن اشتهر فضله وبعد فى الآفاق صيته، ويستوثق من ذلك بالبرهان الواضح الذى لا مدخل للشك فيه، فيقف الناظر على ذلك ويودعه الكتاب ليقضى على بيان ذلك.
4 -
أن يكون الفن قد نقصت فيه بعض الفصول والمسائل، فيعمد المؤلف إلى ذلك ليكمل ذلك النقص.
5 -
أن تكون مسائل العلم غير مرتبة فيرتبها.
6 -
أن تكون مسائل العلم مفرقة فى أبوابها من علوم أخرى فيتنبه بعض الفضلاء إلى ذلك، ويجود ذلك فى فن واحد يجمع مسائله من الفنون الأخرى.
7 -
أن يكون ذلك الفن قد أخطأ فيه مصنفه، فيصلح هو ذلك الخطأ ويبينه.
ومع ذلك فإن الإمام الأسنوى -مع مشاركته لعلماء عصره فى هذا المنهج العام- كان له منهجه الخاص به فى التأليف، وهو إضافة الجديد الذى لم يتوصل إليه غيره، ويتضح هذا المنهج من المبدإ الذى اتخذه الأسنوى لنفسه، وهو العمل على تحقيق مذهب الإمام الشافعى للأسباب التى توافرت له دون غيره حتى أصبح مجتهدًا فيه.
يقول الأسنوى (1): "واعلم أنى لم أزل من زمن الطلب إلى الآن قائمًا بدعوة. . . . من التآليف، ودثر من التصانيف. معتنيًا بإظهار خفاياها، وإبراز زواياها،
(1) انظر: المهمات خ: ص 3.
حتى أحياها الذى هو أنشرها بعد أن أماتها فأقبرها وحصل منها من المهمات ما أشرت إليه".
وقد اتجه الأسنوى فى مبدإ حياته بالتأليف نحو العلوم اللغوية والأصولية حتى نال قصب السبق فيها، كل ذلك وهو لم يبلغ من العمر عشرين عامًا.
يقول الأسنوى (1): "وقد اعتنيت قديمًا بهذين العلمين بخصوصهما، وصرفت لهما جلّ همتى وأسهرت فيهما ليالى طويلة مقلتى حتى انتصبت للإقراء فيما ولى من نحو دون العشرين سنة.
ثم إنه بعد ذلك اتجه نحو الفقه، فحول همته إليه.
يقول الأسنوى موضحًا سبب ذلك (2): "وكان نظرى فى العلمين المذكورين (النحو والأصول) يغلب على نظرى فى علم الفقه، ولم أزل كذلك إلى أن أراد اللَّه -تعالى- صرف الهمة عنهما وعن غيرهما إليه. وقصور النظر غالبًا عليه، حتى برز -بحمد اللَّه تعالى- من التآليف الفقهية ما قضى به وقدر وطار اسمه فى الآفاق واشتهر".
هذا هو منهجه العام. أما منهجه فى التأليف الفقهى، فلا يخرج عن الآتى:
1 -
إما شرح لمن سبق، كشرحه على المنهاج.
2 -
وإما بيان مخالفة ما فى كتاب معين اطلع عليه لكتب المذاهب الأخرى فينبه عليه.
3 -
وإما بيان ما فيه من غلط فى النقل.
4 -
واما بيان المواضع التى خولف فيها نص الإمام الشافعى.
5 -
وإما ذكر ما أهمله ذلك الكتاب مما لا غنى عنه للباحث.
6 -
وإما ذكر المسائل التى ادعى فيها عدم الخلاف وفيها خلاف.
7 -
وإما بيان الراجح من الخلاف إذا كان هناك ذكر للخلاف بدون هذا البيان.
8 -
وإما ضبط الألفاظ التى يحصل فيها التباس.
(1) انظر: الكوكب الدرى فى ص 4 نسخة دار الكتب 459 أصول فقه الشافعى.
(2)
المرجع السابق.