المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

جاسر، كما يسمون، وكانوا مخالفين للمشايخ آل سليم وتلاميذهم أو - معجم أسر بريدة - جـ ١٤

[محمد بن ناصر العبودي]

فهرس الكتاب

- ‌باب العين

- ‌الْعَامرْ:

- ‌دعاة وأعمال خيرية:

- ‌العامر:

- ‌الشيخ علي بن عامر بن صالح آل عامر (1339 - 1411 ه

- ‌العامري:

- ‌العايد:

- ‌وثائق للعايد:

- ‌العايدي:

- ‌العايش:

- ‌العَبَّاد:

- ‌العْبَادي:

- ‌تصحيح اسم جد الشيخ العبادي:

- ‌العبَّاس:

- ‌العبد الرحيم:

- ‌أصل وصية عبد الرحيم الحمود:

- ‌أشخاص معاصرون من أسرة (العبد الرحيم):

- ‌العبد الرَّزاق:

- ‌العبد اللطيف:

- ‌العبد اللطيف:

- ‌العبد اللطيف:

- ‌العبد المعين:

- ‌العبد الملك:

- ‌العبد المنعم:

- ‌العبد الوهاب:

- ‌ العبد الوهاب

- ‌وصية عبد الله العبد الوهاب:

- ‌نبذة مختصرة عن أسرة العبد الوهاب البريدي:

- ‌العبد الهادي:

- ‌العبدان:

- ‌ترجمة موجزة لحياة فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العبدان:

- ‌سخاء الشيخ ابن عبدان:

- ‌إنجازات تاريخية منقوشة على البيض:

- ‌العبدان:

- ‌العُبرّة:

- ‌العَبْلاني:

- ‌العبْوُد:

- ‌‌‌ العبود

- ‌ العبود

- ‌العبْوُدي:

- ‌أسرة العبودي وملح البارود:

- ‌أسرة العبودي والمدح بالفصحى:

- ‌العودة إلى ذكر الجد:

- ‌عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم العبودي:

- ‌هل يحابي الإسلامي الرجل على حساب المرأة

- ‌بين جامعة القهوة ومعهد الشاي .. أين موقع النخيل

- ‌خالد بن محمد العبودي:

- ‌الشيخ سليمان بن ناصر العبودي:

- ‌سليمان العبودي في ذمة الله:

- ‌سليمان الناصر العْبُودي - من بريدة:

- ‌الشيخ سليمان العبودي (1350 - 1415 ه

- ‌بداية ظهور فريق الشباب (التعاون):

- ‌التنافس مع الشباب:

- ‌رحلة الموت المفاجئ:

- ‌القدر يسبق الإخلاء:

- ‌العْبَيَدْ:

- ‌ترجمة الابن لأبيه:

- ‌أبناء عبيد العبد المحسن:

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان:

- ‌الشعر يشارك في المراسلات:

- ‌زهد فهد العبيد وتقشفه:

- ‌تجربة الصديق واختباره:

- ‌مؤلفات الشيخ إبراهيم العبيد:

- ‌قصة المظلومة سمعتها من الشيخ إبراهيم العبيد:

- ‌ العبيد:

- ‌وصية عبيد بن محمد بن فراج بن سلمي:

- ‌الْعْبَيْد:

- ‌العبيد:

- ‌العْبَيِّد:

- ‌الَعْبَيْدَان:

- ‌العبيدان:

- ‌العبيدي:

- ‌العْبَيْلان:

- ‌العْبَيلاني:

- ‌العْتيان:

- ‌العَتِيق:

- ‌العتيق

- ‌العَتيِّق:

- ‌ سليمان بن محمد العتَيِّق

- ‌العْتَيْك:

- ‌رجال التعليم الأوائل:

- ‌العثمان:

- ‌عثمان بن إبراهيم بن عثمان العثمان

- ‌العثمان:

- ‌العثمان:

- ‌العثيم:

- ‌وصية عثمان بن أحمد العثيم:

- ‌نص وصية عثمان بن أحمد بن عثمان العثيم:

- ‌عبد الله العثمان العلي:

- ‌عبد الله بن عثمان الأحمد العثمان العبد الله:

- ‌عبد العزيز بن عثمان الأحمد العثمان العبد الله:

- ‌محمد بن عثمان بن أحمد العثمان العبد الله:

- ‌مشاهير الأسرة في القرن الرابع عشر وإلى وقتنا الحاضر:

- ‌عبد الله العثمان العلي العثمان:

- ‌صالح بن إبراهيم المحمد العثمان:

- ‌الشيخ محمد بن عبد الله المحمد العثمان:

- ‌الدكتور الطبيب عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد العثمان:

- ‌الدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن بن محمد العثمان:

- ‌الشيخ عثمان بن عبد الرحمن بن محمد العثمان:

- ‌الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد العثمان:

- ‌الدكتور سليمان بن محمد بن عبد الله المحمد:

- ‌الدكتور عبد الله بن عبد الكريم بن عبد الله المحمد:

- ‌الدكتور خالد بن محمد بن إبراهيم المحمد:

- ‌الدكتور أحمد بن صالح بن علي المحمد:

- ‌الأستاذ عبد الله بن صالح بن علي المحمد:

- ‌الشيخ يوسف بن محمد بن عبد الله المحمد:

- ‌المهندس سعد بن عبد العزيز العثمان العبد العزيز:

- ‌المهندس عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله المحمد:

- ‌المهندس رياض بن عبد الله السليمان العبد الله:

- ‌المهندس ضياء بن عبد العزيز العثمان العبد العزيز:

- ‌المهندس ماجد بن عبد العزيز العثمان العبد العزيز:

- ‌مؤلفون من العثيم:

- ‌العثيمين:

- ‌الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عثيمين (1320 هـ - 1410 ه

- ‌صالح بن عبد العزيز العثيمين: (من بريدة)

- ‌ العثيمين

الفصل: جاسر، كما يسمون، وكانوا مخالفين للمشايخ آل سليم وتلاميذهم أو

جاسر، كما يسمون، وكانوا مخالفين للمشايخ آل سليم وتلاميذهم أو على الأقل لم يكونوا يطلبون العلم معهم على المشايخ الذين هم آل سليم ومن معهم.

وبعد سنين ذكر لي أن الرجل لديه كتب وأنه محب للكتب فصرت أتحدث معه ووجدت ذلك صحيحًا، بل وجدت أنه طالب علم مطلع، ولكن كان يمنعه عن الاختلاط بطلبة العلم ومباحثتهم ما ذكرته.

‌العْبَادي:

بإسكان العين فباء مخففة أي غير مشددة فألف ثم دال مكسورة فياء كياء النسب.

أسرة صغيرة من أهل بريدة جاءت من (جلاجل) في سدير.

اشتهر منهم إبراهيم بن عبد المحسن العبادي إذ كان كاتبا حسن الخط بالنسبة إلى حالة الخطوط والخطاطين في تلك الفترة، وكان صاحب حانوت في بريدة واقع في السوق القديم الذي في شمال الجامع ودخل جزء منه الآن في الجامع الكبير، (جامع خادم الحرمين الشريفين) أو في الميدان الضيق الواقع إلى الشمال منه أي من الجامع.

ومنهم الشيخ العلامة النشط عبد العزيز بن إبراهيم العبادي، أدركته ولم أقرأ عليه لأن وفاته كانت في عام هـ وكان عمري آنذاك ثلاث عشرة سنة، ولكنني عرفته معرفة حقيقية لأمور منها أنه كان يجلس في بيت عبد العزيز بن عبد الله الغصن لإفادة خواص الطلبة، وذلك البيت فيه أختي لأبي وهي الكبيرة من أخواتي (هيلة) وكانت زوجة لعبد الله بن غصن والد الشيخ عبد العزيز الغصن، فكنت أراه جالسا في القهوة، ولكنني ما رأيته صامتا قط، وإنما كان كثير القراءة والحديث العلمي وشرح ما يقرأه الطلاب عليه.

وكان جم النشاط بحيث كان يبدو دائما وكأنه المستوفز الذي يريد أن يقوم وما ذاك إلَّا لفرط نشاطه، وبعده عن الكسل والخمول.

ص: 51

وهو كفيف البصر حدثني والدي رحمه الله قال: كان إبراهيم العبادي والد الشيخ عبد العزيز العبادي صاحب دكان قريب من ذكان والدي - جدي - فكان ابنه عبد العزيز يأتي لدكانه وهو صغير وقد أصابه مرض في عينيه اضطره إلى أن ينقطع عن الخروج للدكان فكان الناس يسألونه عنه.

قال والدي: ومرة سألناه عنه، فقال بحرارة: الله يخلف عليه، راحت عيونه، ثم قال بعد ذلك بحرقة، وبعد تأسف: عبد العزيز صار اليوم من حسبة خواته، يريد أنه مثل أخواته البنات في البيت لا يستطيع أن يكسب عيشه لأنه أعمى، لكن الله يخلي له سليمان وكان ولد للعبادي ابن حديث الولادة سماه سليمان.

وقد اعتقد الأب أن سليمان الصغير هو الذي إذا كبر سيقوم على شئون البيت ورعاية أخواته وأخيه الأعمى عبد العزيز.

ولكن الله سبحانه وتعالى أراد غير ذلك، فطلب عبد العزيز العلم وأدرك منه وهو صغير ما لم يدركه كثير من طلبة العلم الكبار في السن لذلك كانوا يجلسون عليه في درسه مثلما يجلس عليه الصغار من الطلبة.

وكان ذكيا ومحبوبا من الناس لذلك أجمع طلبة العلم في بريدة عليه وبخاصة من لا تمكنهم معرفتهم من القراءة على شيخه عمر بن سليم فكان يجلس للجميع في جميع فنون العلم المعروفة من علوم العقيدة إلى الفقه والفرائض والنحو.

وقد رزق البركة في تدريسه فقلما أفلس من العلم من قرأ عليه لذلك طار صيته خارج بريدة حتى وفد عليه الطلاب من أنحاء القصيم ومن غيرها فكثر تلاميذه واتسعت حلقة الدارسين عليه.

وعندما أدركت الأمور كان الناس ينظرون إليه نظرة تقدير وإجلال.

حتى توفي في عام 1358 هـ ولا يزال في سن الشباب لم يصل إلى مرحلة الكهولة.

ص: 52

ولم أقف للشيخ العبادي على رسائل أو مصنفات جريًا على عادة علماء القصيم الذين لم يكونوا يرون التصنيف مع قدرتهم عليه، وذلك منهم من باب التواضع، ونكران الذوات.

بل لم أر لطلابه الكثر من قيد ما كان يلقيه عليهم من فوائد علمية، ونكت فقهية أو نحوية في أثناء الدروس مع أنه كان يذكر لهم أشياء لا يجدونها في كتبهم مما استنبطه من النصوص، وذلك أيضًا ناشئ عن عادة عندهم قديمة، وإلَّا لو كان أحد منهم ندب نفسه لمثل ذلك لأفادنا اليوم في معرفة تفكيره وفهمه للنصوص.

إلَّا ما ذكره الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي أحد تلاميذ الشيخ العبادي الدارسين عليه وما عرفه عنه، فقال:

"أول من قرأت عليه الشيخ عبد العزيز العبادي، وكان كفيف البصر، قوي الذاكرة، آية في الحفظ، محبا لطلاب العلم، ومثابرا على جلسات العلم، وكان عمره عندما كنت أقرأ عليه يقارب الثلاثين، فقرأت عليه كتب الإمام محمد بن عبد الوهاب استفتحت بثلاثة الأصول، وثنيت بكشف الشبهات ثم التوحيد ثم جئت على أكثرها قراءة، والنحو، والفرائض، والمنتقى، ومتن الزاد، وورقة الجويني في أصول الفقه.

أما القرآن فقد راجعته عليه حفظا وضبطا إلى سورة النساء ولم تنقطع ملازمتي له حتى توفاه الله في شهر صفر عام ثمانية وخمسين وثلاثمائة وألف من الهجرة.

أما جلسات شيخنا العلامة العبادي فكانت على هذا النسق:

فترة أولى تبدأ عقب كل صلاة الفجر وتنتهي بعد طلوع الشمس.

فترة ثانية تبدأ في الضحى وتنتهي قبيل الظهر.

فترة ثالثة تبدأ من بعد صلاة الظهر وتنتهي قبيل العصر.

وهذه الفترات الثلاث كانت في مسجد المشيقح، وهناك فترة رابعة تبدأ من

ص: 53

بعد صلاة العصر إلى قبيل المغرب، وهذه الأخيرة كانت في جامع بريدة الكبير (1).

انتهى كلام الشيخ صالح البليهي.

ومن طريف ما يروى عن الشيخ عبد العزيز العبادي رحمه الله أنه عندما نصبت البرقية في بريدة، وكثر جدال المتدينين الذين لا يعرفون حقيقتها حولها فمنهم من زعم أنها سحر لا إشكال فيه، إذ كيف يمكن أن ينتقل الكلام في لحظة من بلد بعيدة إلى بلاد بعيدة أخرى؟ كما يقولون، وأنكر بعضهم وجودها في بريدة (بلاد المسلمين) بل اشتد في النكير.

طلب الشيخ العبادي من أحد تلامذته الذين يثق بهم أن يذهب به إلى مكان البرقية بعد المغرب في الظلام قائلًا له:

سوف نعرف غدًا جازمين ما إذا كانت البرقية سحرًا أو صناعة.

فأخذ يقرأ عليها القرآن ويجتهد في القراءة، وقال للذي معه: با أخي إذا كان صباح الغد ورأيت البرقية لا تزال تعمل فاعلم أنها صناعة، ولن نشك في ذلك، وإذا كانت قد توقفت فإنها تكون سحرًا من عمل الشيطان قد أبطلته آيات الله التي تلوناها عليها.

قالوا: فلما أصبح الصباح وعرف أنها لا تزال تعمل، أخذ يعلن اعتقاده الذي لم يرض بعض المتشددين وهو أن (البرقية) صناعة من الصناعات.

وقد فصل تلميذه الشيخ إبراهيم بن عبيد أحواله في ترجمة له مطولة من تاريخه لخصتها هنا قال:

ذكر وفاة الشيخ العبادي 1358 هـ رحمة الله عليه، ففيها في عاشر صفر وقت طلوع الفجر منه، وذلك بكرة يوم الجمعة توفي الشيخ وهذه ترجمته:

(1) الشيخ صالح البليهي وجهوده في الدعوة ص 70 (رسالة دكتوراه) للأستاذ محمد بن عبد العزيز الثويني.

ص: 54

هو العالم العلامة اللوذعي الماهر في العلوم شيخنا الشيخ أبو إبراهيم عبد العزيز ابن إبراهيم بن عبد العزيز (1)، العبادي رحمه الله وعفا عنه، ولد حوالي سنة 1314 هـ وكان والده كاتبًا فنشأ على العفة والعبادة والزهد والورع وكان قليل ذات اليد وأمه ابنة الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم فأخواله آل سليم، لازم الشيخ عمر بن محمد بن سليم فأخذ عنه وتتلمذ له وجعل يدأب في طلب العلم حتى بلغ رتبة تقصر عنها سورة كل مطاول وتتلاشي دونها وثبة كل مماثل، وكان صبورًا على حلو الزمان ومره وله محبة في القلوب وقبول لدى الخاص والعام وله مؤهلات بلغته إلى رتب عالية بلغ بها إلى أن كان في النيابة في قضاء بريدة إذا تغيب القاضي عنها.

أما مشايخه فإنه أخذ العلم عن الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم، وأخذ عن غيره من العلماء وأخذ أيضًا عن الشيخ عمر بن محمد بن سليم، وأكثر الأخذ عنه وتخرج عليه، وجد واجتهد حتى برع في علم التوحيد والأصول والفروع وكان لا يحقر أحدًا أن يأخذ منه الفائدة ولو شئت لقلت إنه كان إذا سألته عن مسألة وأنس مني إلماما بها يحرج مقامي في المصادر التي عثرت عليها فيها، وكثيرًا ما يبعث السؤال للعلماء كالشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري ويأخذ رأي العلماء في المشاكل ولا يتكبر ولا يتجبر.

ولما بلغ من العمر خمسا وعشرين سنة جلس للتدريس بإجازة من شيخه عمر بن محمد فجعل يعلم في تجويد القرآن ويدرس فيه على طريقة التجويد والضبط ويعلم في بقية العلوم فازدحم على مجلسه خلق كثير وجمع غفير وجثت التلامذة والأقران والشيوخ أمامه على الركب يقتبسون من فوائده ويستفرغون

(1) أقول: هذا غلط والصحيح أن اسم جده عبد المحسن وليس عبد العزيز، وقد عرفنا ذلك من عشرات الوثائق التي كتبها وذكر أن اسمه إبراهيم بن عبد المحسن العبادي، وسوف أورد في آخر الترجمة شاهدًا أو شواهد لذلك.

ص: 55

منطوقه وكان لا يسأم التدريس ولا يمل، مكرمًا للإخوان ويحب الكتب ويجمعها ويجعل لكل كتاب غلافًا من القماش ولا يزال يقلب كتبه ويكثر لمسها ويحتشمها ولا يثق على كتبه شريفًا ولا وضيعًا وقد هيء لها دواليب من الخشب، وكانت مجالسه عامرة بالتدريس ليلًا ونهارًا ينتابها الأهالي والأجانب وهذه كيفيتها.

جلس للتدريس في بداية الأمر في المسجد الجامع في بريدة بعد صلاة العصر في تجويد القرآن فكل تلميذ يقرأ ورقة وغالب التلاميذ يدرسون في القرآن حفظًا، فإذا ما فرغت حلقة أهل القرآن شرع أناس يدرسون في كتب الحنابلة وغيرهم، ثم جلس بعد ذلك في مسجد آل مشيقح للتدريس فكان إذا صلى الغداة تحلقت عليه حلقة لأخذ علم النحو ثم حلقة أخرى في علم قسمة المواريث فإذا ما طلعت الشمس قام يتوضأ ويتناول شراب القهوة في بيته.

فإذا كان بعد طلوع الشمس وانتشارها عاد إلى المسجد فوجد الطلاب والمتعلمين ينتظرونه حلقا حلقا فيصلي تحية المسجد ثم يجلس يدرس في سائر فنون العلم إلى قريب زوال الشمس ثم يعود إلى بيته فإذا ما صلى الظهر في المسجد المذكور جلس للتدريس إلى أذان العصر، وأشهد لرأيته مرة أذن مؤذن صلاة العصر وقد بقي ثلاثة من التلامذة لم يقرعوا فإذا صلى العصر جلس في المسجد الجامع يدرس إلى أن توارى في الحجاب (1)، وقد تغرب الشمس وقد بقي بقية لم يصل إليهم الدور.

أما الكتب التي يدرس بها عليه فإليك بعضها.

درسنا عليه كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين، وكتاب حادي الأرواح في صفة الجنة، وكشاف القناع عن متن الإقناع والروضة الندية الصديق بن حسن القنوجي، ويدرس عليه في المغني لابن قدامة، والشرح

(1) توارت الشمس في الحجاب بمعنى غربت.

ص: 56

الكبير، وشرح المنتهى والمقنع، والفروع والصحاح، والمسانيد والشرح، والسنن، والمختصرات، ومدارج السالكين، وزاد المستقنع وشرحه، ودليل الطالب وشرحه وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وشرح الطحاوية وغيرها ويطيل ويفسر الكلام ويشبع ويسهب ويجرح ويعدل ويلهج بذكر الخلاف.

ولما علم الله صدق نيته رزقه كتبا كثيرة وحصل على شيء عجيب منها وأصبحت ترد عليه من مصر والحجاز، والشام وغيرها، ثم بعدما يصلي المغرب يذهب إلى بيته يتناول العشاء ولا يدرس بعد المغرب وإنما يختص لهذا الوقت شخصا معينا يأتيه يراجع ويناوله الكتب ويطلب منه مراجعة كذا والنظر في كذا، فإذا نودي لصلاة العشاء الآخرة قام للصلاة في المسجد الجامع ثم يتنفل ما شاء الله ويوتر وينام.

كان مربوع القامة ضرير البصر عيناه ناتئتان أبيض اللون أسود الشعر في لسانه لثغة، ومات ولم يولد له أولاد.

ذكر محفوظاته وسعة علمه:

كان قد حفظ القرآن عن ظهر قلب وحفظ مختصر المقنع، والعمدة وألفية ابن مالك في النحو والصرف، وملحة الأعراب، ومتن الأجرومية والبيقونية والجزرية، ومفردات المذهب، وإذا أخذ يلهج في قراءتها بقوة وشجاعة ونهمة في الحفظ وجد واجتهاد فإنه لا يوجد له مثيل، فكان آية من آيات الله في الجد والاجتهاد وحدث عن البحر ولا حرج، ذلك بأنه عشق طلب العلم فكان لا يشبع من العلم لفرط نهمته فيه وشدة رغبته في تلك البضاعة.

ولقد طلبته إعارة كتاب أسبوعا فأبى فتوسلت إليه بكل حق فأبى وأقسم بالله بعد ما طلبته يومين أن لا يعيره ولا ساعتين، وذلك لمحبته لكتبه وغلائها في نفسه.

وكان يحب البحث ومعرفة الخلاف العلمي، ولما سمع عبارة البهوتي في شرح

ص: 57

مختصر المقنع وهي قوله (فلم أتعرض للخلاف طلبًا للاختصار) قال يا ليته تعرض، ولبث مرة يفسر الترجمة التي في كتاب التوحيد قول الله تعالى {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} فأطال حتى أتم ثلاثين دقيقة وقيل له إن من التلاميذ من لا يلم بالإطالة بالتفسير فلو اختصرت له فقال إني أفسر لأفيد نفسي والحاضرين.

وقرأ عليه طالب علم في القرآن الكريم وكان الطالب هذا موسومًا بالصلاح فلا يتمالك من البكاء في القراءة فتحرج لكثرة وقوفه ولما علم بما أوقفه وجعله لا يستمر كان يراعيه ويأخذ له اناءة حتى يخلص وهو يسأل الله الذي رزقه الخشوع أن يمن على من لا يخشع (1).

وقال تلميذه الشيخ صالح بن سليمان العمري رحمهما الله:

وكان الشيخ العبادي رحمه الله دقيق الشرح للطلبة فلا يترك كلمة تحتاج إلى شرح إلَّا ووضحها، وربما يعيد قراءة القارئ في الحديث والفقه كاملة، ثم يتكلم عليها مسألة مسألة حتى مع صغار الطلبة، لكي يظل عالقًا في ذهن الطالب وهو يحفظ أكثر الكتب التي تقرأ عليه، وعندما كنت أقرأ عليه وأنا صغير أحفظ بعض كلماته في الشرح، وربما صعب على فهم بعض المعاني، فلا ألبث أن أعرف المعنى، ولاشك أن ذلك ببركة نيته الصالحة عند تلقين الطالب للمعاني.

وقد يستمر مجلسه أحيانا بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، خاصة في الأوقات التي يحضر فيها الطلبة من القرى والضواحي، وعلى وجه العموم فإن الله قد نفع بعلمه خلقًا كثيرًا.

وكان وقته مشغولًا بالقراءة والدرس، حتى وهو في الطريق من المنزل إلى المسجد أو إلى غيره، فإنه يقرأ شيئًا من محفوظاته، وربما يسمعه المارة

(1) تذكرة أولي النهى والعرفان، ج 4.

ص: 58

وهو يقرأ في الطريق ولم يتول شيئًا من المناصب أو الإمامة والخطابة، وذلك رغبة من شيخيه وخاليه عبد الله وعمر بأن يتفرغ للتدريس، إلَّا أن الشيخ عمر رحمه الله كان يخلفه على قضاء بريدة إذا سافر، وهو خليفة الشيخ عمر إذا سافر حتى توفي رحمه الله وذلك قرابة سبع سنوات.

والعجيب في حفظه أنه يذكر أين يقف طالب العلم في القراءة حتى لو انقطع طويلًا، فقد ذكر لي الأخ عبد الله السليمان العمري قال: غبت للدراسة خارج بريدة ستة شهور، انقطعت خلالها عن الدرس على الشيخ عبد العزيز العبادي، فلما عدت للقراءة عليه لم أبدأ من الموقف الذي وقفت عليه في القرآن، فقال لي: إنك قد وقفت على آية كذا من سورة كذا! !

وقد لاحظت بنفسي شيئًا يشبه هذا، فكلما غلط أحد من الطلبة في موقفه من القرآن نبهه عليه، وكذا في الفقه والحديث، وقد نفع الله به في الفتيا فكان الناس يستفتونه فيما يشكل عليهم، فكلما وصل إلى منزله وجد من يستفتي خاصة النساء، أما الرجال فربما لحق به بعض الناس في الطريق للاستفتاء، وهو لين الجانب مما يرغب العامة في سؤاله فيما أشكل عليهم.

ولادته:

ولد رحمه الله عام 1314 هـ وقضى حياته منذ الصبا في التعلم والتعليم والعبادة.

وتوفي رحمه الله يوم الجمعة العاشر من شهر صفر عام 1358 هـ وحزن الناس لوفاته حزنا عظيما وترحموا عليه، وحضر الصلاة عليه خلق كثير من بريدة وضواحيها (1).

هذا وقد عد الشيخ صالح العمري أسماء تلامذة الشيخ العبادي والآخذين

(1) علماء آل سليم، ص 166 - 167.

ص: 59

عنه حتى بلغ عددهم 286 من بين شيخ وطالب علم.

ترجم له الأستاذ إبراهيم بن محمد بن ناصر بن سيف، ومزية كتابه أنه اطلع على مصادر، فصار ينقل منها ما يوضح أحوال المترجم له، قال:

الشيخ عبد العزيز العبادي (1315 - 1358 هـ):

نشأته وتعليمه:

العلامة القاضي الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد المحسن العبادي: ولد في مدينة بريدة عام 1315 هـ.

ويقول الشيخ صالح العمري في كتابه: أن ميلاده كان عام 1314 هـ خلاف ما ذكرنا، ووافقه الشيخ البسام في كتابه على هذا التاريخ (1).

وقال الشيخ البسام أيضًا: إن أصله من بلدة جلاجل في سدير وقد قدم والده من جلاجل إلى بريدة وتزوج بنت الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم فولدت المترجم وكان والده خطاطا يعيش من قلمه، وكان صاحب عفة وغني نفس أما المترجم فإنه فقد بصره في صغره.

وقرأ القرآن على المقرئ محمد ابن هويمل، وبعد ذلك أخذ العلم على مختلف أنواعه على خاليه علامتي القصيم الشيخين عبد الله وعمر ابني الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم اللهم ارحمنا وإياهم.

درس عليهما في الفقه والتوحيد والفرائض والنحو والحديث ودروس أخرى حتى برز وتأهل وكان له إلمام تام في فقه الحنابلة، ويميل إلى اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما تخصص بأصول الفقه والحديث وأصوله،

(1) ذكر هذا الشيخ صالح العمري في كتابه (علماء آل سليم)، أما الشيخ البسام ذكره في كتابه (علماء نجد) ووافقهما عليه الشيخ محمد بن عثمان القاضي في كتابه (روضة الناظرين) فذكر أيضًا أنه ولد سنة 1314 هـ.

ص: 60

وكان فرضيًا نحويًا يمتاز امتيازًا ملحوظًا في هذين الفنين، وله اليد الطولى في علم التوحيد، أما محصوله من علم التجويد فكان مبرزًا فيه وبالجملة فقد كان من العلماء المجيدين القلائل رحمهم الله.

نشاطه العلمي وأعماله:

كان رحمه الله يقوم مقام خاله الشيخ عمر بن سليم قاضي بريدة إذا غاب أو انتدب ويجلس للتدريس في المسجد فيلتف حوله عدد كبير من الطلبة أخذوا عنه الفقه وأصوله والتوحيد والتجويد والفرائض والنحو وغيرها من العلوم، وقد نفع الله به، وكان يبحث مع طلابه كبار المسائل وصغارها، ويجري لهم الاختبارات ليعلم مدى فهمهم واستيعابهم لما درسوه، مما كان له أثر في حياتهم، وقد حفظ أوقاته في التعليم فكان يجلس للطلاب من بعد صلاة الفجر حتى الساعة الثانية (غروبي) ومن بعد صلاة الظهر حتى العصر، وبعد صلاة العصر حتى قبيل أذان المغرب، طيلة حياته رحمه الله.

ويقول الشيخ العمري في كتابه وهو ممن قرأ عليه: ومنذ بلغ العشرين من عمره تصدى للتدريس بإجازة من شيخه وخاليه عبد الله وعمر بن ممد بن سليم فابتدأ عليه صغار الطلبة ثم ما لبث أن شاع ذكره بين الخاص والعام، فأقبل عليه الطلبة الكبار بأخذون عنه، ويقرأون عليه، حتى لقد أدركت وشاهدت عددًا غير قليل من كبار طلبة العلم والعلماء يقرأون عليه وهم أكبر منه سنًّا، قرابة عشرين سنة، وليس من طالب علم يقرأ على الشيخين عبد الله وعمر (آل سليم) إلَّا ويقرأ عليه، وله مجالس للتدريس عامرة خاصة بعد صلاة العصر وبعد الفجر وبعد طلوع الشمس، وله مجالس خاصة مع كبار طلبة العلم الخاصة، ومن الذين يجلسون معه للمذاكرة: الشيخ عبد الله ابن إبراهيم السليم ليلًا، والشيخ صالح بن أحمد الخريصي صباحًا، وقد حدثني الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سليم أنه ربما أذن الصلاة الفجر وهما في مذاكرة وبحث.

ص: 61

وفاته:

توفي في مدينة بريدة في صفر عام 1358 هـ رحمه الله رحمة واسعة (1).

وأقول أنا مؤلف هذا الكتاب: إنني عرفت الشيخ العبادي معرفة مشاهدة وليست معرفة علم، لأن سني عندما توفي كان ثلاث عشرة سنة إلَّا أشهرًا.

ومع ذلك كنت بدأت القراءة أو قل: إنها طلب علم على إمام مسجد الحي الذي نصلي فيه وهو الشيخ صالح بن إبراهيم بن سالم بن كريديس، والمسجد هو مسجد عبد الرحمن بن شريدة في شمال بريدة القديمة.

ولكن سني كانت صغيرة على القراءة على الشيخ العبادي، وبخاصة أن المسجد الذي يدرس فيه بعيد عن بيتنا، وكذلك مجالسة بعيدة.

فأذكر الشيخ العبادي رجلًا لطيف الجسم مربوع القامة، جم الحركة حتى وهو جالس لا يكاد يبقى ساكنا فإما أن يتحدث ويشير بيديه أو أن يمسك بأحد الذين بقربه، أو أن يمسك كتابًا بيده.

ورأيت الطلبة يتسابقون للإمساك بيده لكونهم يستفيدون من فوائده العلمية أثناء المشي معه.

والده:

والد الشيخ العبادي هو إبراهيم بن عبد المحسن العبادي وهو رجل كاتب معتبر الخط عند القضاة ولذلك قصده الناس كثيرًا ليكتب لهم العقود من المبايعات والمداينات والشهادات وحتى الأوقاف والوصايا.

وقد كتب بخطه كثيرًا من ذلك، منه هذه الكتابات التي لن نتكلم عليها، لأن المقصود من إيرادها هو بيان خط المذكور وبعضها تكلمت عليه في مكان آخر من هذا الكتاب.

(1) المبتدأ والخبر، ج 2، ص 382 - 385.

ص: 62

وهذه التي ذكر فيها كاتبها وهو الوجيه الشهير راشد بن سليمان السبيهين (أبو رقيبة) اسم والده وأنه عبد المحسن فذكر اسمه فيها كاملًا (إبراهيم آل عبد المحسن العبادي).

ص: 66

ونعود إلى الكلام على أسرة العبادي فنقول: إن الشيخ عبد العزيز العبادي لم يعقب ذكورة، أما أخوه سليمان الذي اعتقد والده أنه سيكفل ولده عبد العزيز وأخواته فإنه نشأ مستهترًا بعيدًا عن التدين وأهله، وقد بدا في بعض الأحيان كما لو كان ناقص العقل، وهو ناقص عقل، ولكنه ليس مجنونًا.

من ذلك أن أحدهم قال له: أبوك وأخوك عبد العزيز أهل دين وطاعة ولا يخرجون من المسجد، وراك ما تصبر مثلهم؟

فقال أبوي وأخوي، أجاويد، وأنا نزغة شيطان يخرج ذلك مخرج النكتة.

وعبارة نزغة شيطان تعبير عامي عن عدم المبالاة بالأوامر والنواهي، وقد مات (سليمان) هذا في عام 1395 هـ ولم يعقب أولادا ذكورا وبذلك انقطع نسل هذه الأسرة في بريدة، وحضر أبناء عم لهم من (جلاجل) وأثبتوا شرعًا أنهم أقرباء لهم قرابة نسب فعصبوهم أي ورثوهم، والمراد ورثوا سليمان ميراث تعصيب.

وقد ذكر ابن بشر شخصًا من أسرة العبادي هؤلاء ولكن في جلاجل وذلك في معرض الحروب التي وقعت في نجد بعد سقوط الدرعية والفوضى العارمة التي وقعت فيها البلاد.

فقد غزا أهل عشيرة ومعهم بعض أهل سدير الآخرين بلدة جلاجل وبسط ابن بشر ذلك بسطا وافيا، لأنه من أهل جلاجل فذكر أنه قتل فيها من أهل جلاجل رجل شجاع اسمه محمد بن عبد الله (العبادي).

قال ابن بشر في حوادث سنة 1239 هـ وقيل محمد بن عبد الله العبادي من شجعان أهل جلاجل، وعدد من قتل منهم ستة رجال (1).

(1) عنوان المجد، ج 2، ص 31.

ص: 68