الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العْبَيَدْ:
على صيغة تصغير العبد مع تفخيم الباء في النطق، وقد يقال لهم: العبيد الصمعر تمييزًا لهم عن العبيد الآخرين.
أسرة صغيرة العدد إلا أنها أسرة علمية ظهر منها عدد من العلماء والكتَّاب، وهي متفرعة من أسرة (الحمادي) بفتح الدال.
منهم عبيد بن عبد المحسن العبيد كان تاجرًا كبيرًا وكاتبًا عدلًا حسن الخط لذلك كان كثير من أهل بريدة يودعونه وثائقهم وصكوكهم بحيث لبث ابنه فهد فترة طويلة يوزعها على أربابها الذين كان منهم أناس غائبين عن بريدة، توفي عبيد عام 1351 هـ في رمضان.
إن هذه الأسرة يقال لهم العبيد (الصُّمْعُر) بضم الصاد وإسكان الميم ثم عين مضمومة وآخره راء.
ويفرق الناس بهذا بينهم وبين أسرة العبيد الآخرين الذين يقال لهم العبيد السلمي.
وقد أخبرني أحد أسرة العبيد المشايخ أن عبيد بن عبد المحسن والد المشايخ ذكر اسمه في وصيته عبيد بن عبد المحسن العبيد (الصمعر) ووعدني بأن يطلعني على نسخة منها ولكنه لم يفعل حتى الآن.
وقد عثرت في تاريخ ابن بشر في حوادث 1170 على ذكر لرجل اسمه زيد (الصَّمْعر) من أهل الرياض وأنه قتل في تلك السنة 1170 قال ابن بشر.
وفيها غزا عبد العزيز بن - محمد بن سعود - بلد الرياض وحصل مناوشة قتال قتل فيه زيد الصَّمْعر من أهل الرياض ثم رجع.
أي رجع الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى الدرعية.
فهل لأسرة هذا الرجل علاقة بالصمعر أهل بريدة الذين منهم العبيد العبد المحسن؟ وإذا كان الأمر بالإيجاب وأن أوائلهم جاءوا في الأصل من الرياض فمتى كان ذلك؟
وهل جاءوا من الرياض؟ إذا كانوا جاءوا منه، مباشرة إلى القصيم؟ أم مروا ببلد آخر مثل الوشم وسدير؟
كان عبيد بن عبد المحسن كاتبًا حسن الخط متقنًا للعبارة طالب علم، ومع ذلك رزق مالًا وثروة جيدة، وكان صاحب دكان في أسفل سوق بريدة فكان الناس يأتون إليه ليكتب بينهم، وكان بعضهم يودعه أوراقهم الثمينة من أوراق المبايعات والأوقاف ونحوها ويرجعون إليه إذا أرادوا الرجوع إلى تلك الأوراق لغرض معرفة شرط الواقف أو نحو ذلك، فكان يقرأها لهم ويفسر ما يحتاج منها إلى تفسير، حتى اجتمع عنده من ذلك شيء كثير.
وقد رأيت منه محدرة كبيرة وهي كالزبيل الكبير عند ابنه فهد العبيد في دكانه وهو يشكو منها، يقول: إنني حاولت التخلص منها بأن أعطيت كل من تخصه تلك الأوراق أوراقه، وبعضها لا يعرف أهلها بالضبط، ولم يراجعنا أحد بشأنها فكنا إذا رأينا اسم أسرة معروفة أو اسم شخص معروف أعطيناه إياها، فبعضهم كان يعيدها إلينا لأنه لا يعرف أصحابها.
وهذه كنز ثمين لم أكن في ذلك الوقت ألقي له بالًا، وإلا لكنت استفدت منه في هذا الكتاب.
والسبب الذي جعلها عند (عبيد العبد المحسن) بهذه المثابة أن بعض الناس يسافرون عن البلاد سفرًا طويلًا يخشون على أوراقهم من التلف أثناء غيابهم فيضعونها عنده، وبعضهم لا يكون له أقارب أو ليست له ذرية لأن الأمور في تلك العصور تختلف بطبيعة الحال عما هي عليه الآن، لاسيما أن البيوت كلها كانت من الطين فالأوراق إذا تعرضت لرطوبة أو نحوها، وكثيرًا
ما ينزل المطر من سقوفها على الأوراق فيتلفها، كذلك كانت البيوت أحيانًا تخر سقوفها فلا تجد من يرممها فيتلف ما فيها من أوراق.
إضافة إلى غلبة الأمية، وقلة الذين يقرأون ويكتبون، فالأميون لا يميزون بين الأوراق، ولا يستطيعون الانتفاع بما فيها إلا إذا قرأ عليهم ذلك قارئ مثل عبيد العبد المحسن.
وكان (عبيد العبد المحسن) معتبر الخط، ولذلك صار أشبه ما يكون بالكاتب لقاضي بريدة الشيخ عبد العزيز بن بشر.
كما في هذه الوثيقة:
وقد رزق عبيد بن عبد المحسن بن عبيد ثروة ومالًا من العقارات وغيرها فصار يداين الناس ويبيع ويشتري، ومنع أبناءه من أن يعملوا بالتجارة لئلا يشغلهم ذلك عن طلب العلم، بل جعلهم يتفرغون للطلب.
وكانت لعبيد طرائف وأخبار يتناقلها الناس:
جاء رجل إلى عبيد العبد المحسن، وقال له: يا عم عبيد، أنا رأيت
البارحة رؤيا زينة إن شاء الله رأيت فيما يرى النائم أنك لك قصر أبيض عالي عظيم قلت: إن شاء الله، هذا يدل على قصر بالجنة للعم عبيد، وجيت أبشرك بهذا، فأعطاه عبيد ريالًا بعد أن دعا له بالخير.
ولما أراد الرجل القيام قال له عبيد: على هونك أنا أعرف أنك ما رأيت لي قصر ولا غيره، لكن تراك إنْ جيت المرة الثانية، وقلت إنك رأيت لي رؤيا ما أخليك تدخل دكاني!
قالوا: فذهب الرجل إلى قني نائب بريدة وأخبره بالخبر، وقال له: كيف عرف عبيد إني ما رأيت له قصر، لأنني بالفعل لم أر له شيئًا؟
فقال قني: اللي تبيه حصل وهو الريال عن رضًا منه، ولا تعود له مرة ثانية.
كان عند فلاح في المريدسية شجرة اترنج قد اعتنى بها بالتسميد والماء وهي تبكر أي ينضج الأترج فيها قبل غيرها فأخذ منها خمس اترجات أو ستًّا، ودخل على عبيد العبد المحسن في دكانه وقال: يا عم عبيد: هذاولى اترينيجات زينات ما يوجد غيرهن هالحين، قلت أنت أحق بهن من غيرك.
فقبل عبيد الترنج وقال له: الله يكثر خيرك وأعطاه بنًّا أي حبوب القهوة والهيل أضعاف أضعاف ثمن الترنج.
وهذا ما يريده الرجل.
وفي العام الذي تبعه كرر هذا العمل فأعطاه عبيد كذلك.
والعام الثالث جاء إلى عبيد وقال له مثل ما قاله في العامين الماضيين فنظر إليه عبيد شزرًا وقال: أظنك قلت لنفسك: هذا عبيد تاجر غشيم ما يدري، وصرت تجي كل سنة، ثم أخذ الأترج ورمي به خارج دكانه! ! !
قال جار له: وقد رأيتها تتدحرج في السوق من شدة الدفعة، وصاحبها يتبعها يحاول أخذها.
من الحكايات المشهورة عن عبيد بن عبد المحسن أن رجلًا دخل عليه وألحَّ في أن يعزمه على العشاء مظهرًا الإكرام لعبيد، وقد استجاب عبيد لإلحاحه وتعشى عنده.
وبعد فترة وكان رحيل عقيل إلى الشام قد حان في الخريف فجاء ذلك الرجل إلى عبيد، وقال: يا عم عبيد أنا لي دراهم عند جارك (المتوزيّ) ولكنه ما هوب حاضر وأبي أشري لي ناقة واحتاج سلف مائة ريال.
فاستجاب عبيد لطلبه وأعطاه مائة ريال، ولما عاد المتوزي سأله عبيد عما إذا كانت لفلان دراهم عنده؟ فنفى ذلك.
وعندما مر به الرجل الذي استلف منه المائة، قال له عبيد: عطني مائة الريال اللي سلفتك، فأظهر الرجل الإنكار لذلك، وقال: أنا ما شفتك لي مدة، لا شك أن أحد غيري آخذ منك دراهم، وتحسبه أنا، وكان عبيد متأكدًا من ذلك، ولكنه قال له: أجل أنا متوهم؟ وسكت.
أما الرجل فإن سبب إنكاره لدراهم عبيد أنه كان محتاجًا بالفعل لشراء ناقة وغيرها ليلحق بعقيل وقد فعل ذلك.
ولم يكن ينوي أكل دراهم عبيد، وإنما كان يريد الحصول على المبلغ الذي لم يكن ليحصل عليه بدون تلك الطريقة، ونوى أن دراهم عبيد معه تكون بضاعة أي يبيع بها ويشتري ومكسبها مشترك بينه وبين عبيد وقد ضمها إلى نقود معه، له ولغيره، وباع واشترى في المواشي في العراق والشام فربحت تجارته وكسب كثيرًا.
وبعد ثلاث سنوات عاد إلى بريدة وقد أصبحت مائة الريال التي لعبيد العبد المحسن عنده نحوًا من ثلثمائة ريال، فدخل على عبيد العبد المحسن وقال: يا عم، أبي أعشيك ولا أبيك تعيي عليَّ، فنظر إليه عبيد شزرًا وقال: قط أنت محتاج لدراهم،
وقلت: أبي أضحك على عبيد هالمرة مثلما ضحكت عليه المرة السابقة؟ فقال: أبدًا ما أبي منك دراهم، بس أبيك تعشى عندي باكر عقب العصر.
قالوا: فحلف الرجل على عبيد وقال له: لا تحدني إني أطلق من أم عيالي إنك تعشى عندي، فاستجاب له عبيد كالمكره.
وعندما دخل عليه بيته، وقبل أن يقدم عشاءه أخرج من مخزن قهوته كيسًا ثقيلًا من النقود الفضية، لأنها فرانسه، وقال: يا عم عبيد، هذي دراهمك ومعها فوائدها، خذها وسامحني عن الإنكار، أنا أنكرت لأني مالي حيلة إلَّا الإنكار.
فعرف عبيد صدقه وأخد من الكيس مائة ريال، ودعا له، قال: هذي دارهمي وصلت، الله يبارك فيك.
فقال الرجل: أنا نويتها بضاعة معي لك وبعت بها وشريت ووفقني الله وكسبت، فقال عبيد: أنا ما عطيتك فلوسي بضاعة، ولا يجوز لي أخذ شيء ماهوب لي، ولا اتفقت أنا وإياك عليه.
فاختصما عند النقود والرجل يريد من عبيد أن يأخذ الريالات الزائدة حتى تبرأ ذمته وعبيد يرفض ذلك.
وخرج من عند الرجل مغضبًا معه مائة الريال فقط، فتوسط أهل الخير بينهما بأن يذهبا إلى القاضي يفصل بينهما فذهبا بالفعل، فسأل القاضي الرجل عن الدراهم، فقال: أنا نويتها بضاعة لعبيد معي.
فقال القاضي: كم يكون لصاحب المال من الربح في البضاعة فذكر أن العادة أن الذي يبيع بالريالات ويشتري ويأكل منها يكون له ثلث الربح ويكون ثلثاه لصاحب المال، وأما إذا كان يأكل من مال نفسه فإن الربح يكون بينهما أنصافًا، قال الرجل: وأنا كنت أكل من هذه الدراهم.
فقال الشيخ القاضي: إذًا خذ ثلث المكسب وهو الربح بعد رأس المال الذي أخذه عبيد وأعط لعبيد الثلثين، فلم يرض أي واحد منهما أخذ ذلك المبلغ إلَّا بعد أن أفتاه القاضي بأن ذلك حلال له.
وعبيد بن عبد المحسن العبيد من الكتبة المشهورين الموثوق بخطهم في بريدة ومن أهل المال والثروة وهو مع ذلك من طلبة العلم المعروفين.
حدثني عبد العزيز بن عبد العزيز المعارك عن عبيد نفسه، قال: كنا نعيش في ملك لنا صغير في أدنى الصباخ قريبًا من مقبرة فلاجة، وكان والدي فقيرًا وكنت أدخل إلى بريدة فأقرأ على الشيخ محمد بن عمر بن سليم وأجالس الإخوان من الطلبة محبة في طلب العلم، فرأيت فيما يرى النائم كأنَّ ماء من البئر الذي في ملكنا قد خرج وسال حتى دخل بريدة ووقف في بيت مجاور لبيت ابن معارك فتجمع فيه وانتبهت من النوم.
وقصصت رؤياي هذه على الشيخ محمد بن عمر بن سليم، فقال: إن صدقت رؤياك فهذا رزق ستحصل عليه في بريدة فاشتر هذا البيت.
قال: وكنت وقتها فقيرًا فاشتريت حوشًا من بيت ابن معارك المذكور بعشرين ريالًا مقسمة على خمس سنين كل سنة أربعة ريالات، وصرت أبني فيه غرفة غرفة.
قال وانتقلت إليه، ومات نخلنا فرزقني الله وأفاض عليَّ المال حتى اشتريت ثلاثة بيوت أو قال أربعة بيوت مجاورة له وجعلتها بيتًا واحدًا وهو بيتي الذي أسكنه الآن.
ومن الحكايات الطريفة عن طبيعة الشيخ عبيد بن عبد المحسن ما نقله عنه ابنه الشيخ إبراهيم في تاريخه، قال في الكلام على صهر لهم عند الزواج على أخته: