الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العثيم:
بإسكان العين في أوله فثاء مفتوحة فياء ساكنة ثم ميم في آخره.
هذه الصيغة هي تصغير عثمان عندهم فعندهم لتصغير عثمان صيغتان أولاهما عثيمين والثانية عِثيم.
و(العثيم) أسرة كبيرة من أهل الشماس والغاف.
أول من اشتهر منهم عثمان بن أحمد العثيم قدم إلى جهة بريدة في عشر الأربعين من القرن الثالث عشر على أثر وباء حلَّ في جنوب العراق وكان يسكن سوق الشيوخ، لأنه استفاض عند أهل تلك المنطقة أنه لا ينجو من ذلك الوباء إلَّا من فَرَّ إلى البادية، وكان معه مال كثير فاشترى أملاكًا في بريدة، وصاهر المقبل الذين كان يقال لهم العبيد، فتزوج أختًا للوجيه الثري علي بن مقبل - ومقبل والده.
وهم غير المقبل المشايخ الذين منهم الشيخ سليمان بن علي المقبل قاضي بريدة، والشيخ محمد بن مقبل قاضي البكيرية، واسم والده مقبل.
حدثني الشيخ سليمان بن علي المقبل الملقب (أبو حنيفة) قال: تزوج أبو العثيم عمتي فلانة وذكر اسمها ولكنني أنا محمد العبودي نسيته، حدثني والدي رحمه الله أن ابن عثيم أصدقها أي جعل صداقها وهو مهرها (رقبة نعامة) مليئة بالريالات، وذلك أنه كان من عادة الناس في تلك العصور عندما كان النعام كثيرًا أن يأخذوا جلد رقبة النعامة وهي طويلة الرقبة فيدبغوه فيكون بقدر اتساع الريال الفرانسي الكبير إذا وضعت الريالات بعضها فوق بعض، قال والدي:
والغالب أن يوضع في رقبة النعامة عشرون ريالًا فرانسة الواحد فوق الآخر، ويجعلون في أعلاها سيرًا يربطونها به، وقد تتسع لأكثر من عشرين ريالًا.
أما أصل (العثيم) فإن عددا من الشيوخ كبار السن من المهتمين بهذه الأمور أخبروني أن جدهم كان من أسرة من أهل القصيم انتقلت إلى العراق طلبًا للرزق وقد حصلت على ثروة وكذلك كان جدهم عثمان بن أحمد بن عثيم ثريًا، وسيأتي إيراد الوثيقة التي تتعلق بذلك فيما بعد، إن شاء الله تعالى.
وأنه لما حصل الوباء في (سوق الشيوخ) خرج إلى القصيم الذي هو بلد أسرته قبل أن تهاجر إلى العراق، فليس هو أول شخص في أسرة العثيم يسكن القصيم.
ويستدل على ذلك أن اسمه عثمان واسم أسرته عثيم: تصغير عثمان، ولو كان من أهل العراق الأصلاء لما تسمى بهذا الاسم في جنوب العراق وفي سوق الشيوخ التي يكثر فيها الشيعة، ولو كان سنيا، كما يتفادى الآن التسمية باسم عمر وعثمان من يسكن من أهل السنة بين الشيعة، كشيعة إيران وجنوب العراق.
والدليل إضافة إلى ما سبق على أن (العثيم) كانوا من أهل القصيم الذين نزحوا إلى سوق الشيوخ في العراق أن أفرادًا منهم كانوا يتعاملون مع تجار أهل القصيم وأثريائهم وربما كانوا يخالطونهم لغير التجارة كالحماية أو الوساطة، أن أحمد بن فيروز من أهل بريدة ذكر في وصيته المكتوبة في عام 1233 هـ وهي السنة التي جرت فيها حرب الدرعية أن في ذمته لأحمد بن عثيم، في سوق الشيوخ سبعة قروش.
فابن فيروز ذكر أحمد بن عثيم أنه في سوق الشيوخ في وصيته المذكورة التي لابد أن يكون ما في ذمته لابن عثيم صاحب سوق الشيوخ قبل كتابته الوصية بزمن لأن هذه هي طبيعة الأشياء، والشخص في العامة لا يوصي إلَّا في كبره.
وذلك التاريخ سابق لوصول جد العثيم وهو عثمان بن أحمد إلى بريدة.
فدل ذلك على ما قلناه من أن أصل العثيم من أهل القصيم الذين ذهبوا إلى سوق الشيوخ فترة من الوقت ثم عاد أحدهم وهو جد العثيم الموجودين إلى بريدة، بعد ذلك الوباء الذي وقع في عام 1247 هـ.
أقول ذكر لي الأخ الشيخ سليمان بن محمد بن عبد الله العثيم من أن تاريخ قدوم جدهم عثمان إلى بريدة، وكان في حوالي 1220 غير صحيح، بل هو بعد ذلك لما ذكرناه من وجود أحمد بن عثيم الذي لا أشك بأنه والد عثمان بن أحمد بن عثيم القادم إلى بريدة من بلدة (سوق الشيوخ) وأنه كان له دين على ابن فيروز الذي ذكرنا نص وصيته وأنها مؤرخة في عام 1233 هـ فذلك يدل - قطعيًّا - على
أن جد العثيم لا يزال في (سوق الشيوخ) في ذلك التاريخ ثم توجه إلى بريدة.
ثم إن الوباء الذي ذكروا أنه سبب مجيء عثمان بن عثيم إلى بريدة كان معروف التاريخ وأنه في عام 1247 هـ. وقد وصفه المؤرخون وصفًا دقيقًا وذكروا من بين ما ذكروه أن (سوق الشيوخ) في العراق أصابها وأهلك أهلها وهي البلدة التي جاء منها عثمان بن عثيم إلى بريدة.
وذكر ذلك الوباء وتاريخه المؤرخ عثمان بن بشر رحمه الله ووصفه بقوله في حوادث سنة 1247 هـ:
وفي هذه السنة وقع الطاعون العظيم الذي عم العراق، ثم مشى على السواد والمجرة، ثم إلى سوق الشيوخ والبصرة، وبلد الزبير والكويت وما حولهم، وليس هذا مثل الوباء الذي قبله المسمى بالعقاص، بل هذا هو الطاعون المعتاد، أعاذنا الله من غضبه وعقابه، وحل بهم الشرب (1)، والفناء العظيم، الذي انقطع منه قبايل وحمايل وخلت من أهلها المنازل، وإذا دخل في بيت لم يخرج منه حتى لم يبق فيه عين تطرف، وجثا الناس في بيوتهم لا يجدون من يدفنهم وأموالهم عندهم ليس عندها حارس ولا والي وأنتنت البلدان من جيف الإنسان، وبقيت الدواب والأغنام تايهة في البلدان، ليس عندها من يعلفها ويسقيها، حتى مات أكثرها ومات بعض الأطفال عطشًا وجوعًا وخر أكثرهم في المساجد صريعًا لأن أهليهم إذا أحسوا بالضرب رموهم في المساجد رجاء أن يأتيهم من ينقذهم فيموتون فيه لأنه لا يأتيها أحد ولا يقام فيها جماعة وبقيت البلدان خالية لا يأتي إليها أحد، وفيها من الأموال ما لا يحصي عده إلا الله.
فلما خلت البلدان وقع فيمن هرب حولها حتى ما بقي منهم إلا القليل، فلما كان بالنصف من ذي الحجة من السنة المذكورة ارتفع، وكان بدؤه شيئًا فشيئًا، ثم كثر حتى أفني، واجتمع أناس من بقية الهاربين وأكثرهم من الصلبة
(1) كذا فيه.
وهتيم، فدخلوا الزبير وأطراف البصرة كل بلد دخلها جملة ممن حولها، ونهبوا من الأموال ما لا يحصى، ليس لهم صاد! ولا رادٌّ (1).
وقال الفاخري في تاريخه
ثم حل الوباء في البصرة والعراق، ثم باقي القرى وبواديها من المنتفق وفرق الخزاعل وما حولها، حتى انتهى إلى سوق النواشي، فمات به ثلاثة آلاف نفس.
ومنها زيادة الفرات وفيضانه حتى خرج كثير من البلاد الذي يخترقها ويمر بها:
وفي سنة ألف ومايتين وسبع وأربعين: هذه السنة ينبغي أن تسمى سنة الحوادث لما وقع فيها وفي آخر التي قبلها منها، فمن ذلك الوباء الذي فني بسببه خلائق لا يحصون في أماكن كثيرة، وقد استمر واشتهر، وقد عظم أمره في البصرة ونواحيها حتى لم يبق منهم إلَّا القليل (2).
كما ذكر أيضًا في حوادث تلك السنة التي هي سنة 1247 هـ (خزانة التواريخ) قالت:
ثم دخلت سنة 1247 هـ: والوباء في مكة المشرفة، ثم وقع في بغداد، وجميع العراق إلى البصرة، وسوق الشيوخ، والكويت، والزبير، وهلك خلائق لا يحصيهم إلا الله تعالى، وانقطع حمائل وقبائل، وخلت من أهلها منازل، وبقي الناس في بيوتهم صرعى لم يدفنوا، وأموالهم عندهم ليس لها والي، وأنتنت البلدان من جيف الموتى، وبقيت الدواب والأغنام سايبة، ليس عندها من يعلفها ويسقيها، حتى مات أكثرها، وبقيت المساجد لا تقام فيها جماعة، فلا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم (3).
(1) عنوان المجد، ج 2، 83.
(2)
خزانة التواريخ، ج 3، ص 144.
(3)
خزانة التواريخ، ج 4، ص 110.
والدليل على أن قدوم عثمان بن عثيم إلى بريدة كان بسبب هذا الوباء الذي حدث في عام 1247 هـ أننا لم نر ذكرًا لعثمان بن عثيم في الأوراق والوثائق التي وقفنا عليها قبل ذلك التاريخ، مع أنه ثري معروف، والعادة أن الأثرياء يداينون الفلاحين ويعاملون الناس بأموالهم.
وذلك في الوقت الذي وجدنا له ذكرًا بعد ذلك في أوراق اثنين من أسرة (آل سالم) الأسرة الكبيرة القديمة السكني في بريدة إحداها كتبت بعد وصول عثمان بن عثيم إلى بريدة بتسع سنين كما سيأتي.
والشيء المهم الذي أسفت له أنني لم يتيسر لي الإطلاع على وصية جد العثيم كلهم وهو عثمان هذا، ذكرها لي شيخنا الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد قاضي بريدة وما يتبعها رحمه الله، كما ذكر لي صديقنا وزميلنا الأستاذ عبد الرحمن بن محمد الدخيِّل - بتشديد الياء - أنه اطلع عليها لأنني لم يكن لديَّ اهتمام في ذلك الوقت بكتابة مثل هذا الكتاب.
ولعلها موجودة الآن عند أحد أحفاده رحمه الله.
وأقول: بعد كتابة ما سبق اطلعت على الوصية المذكورة، وسوف يأتي عرضها فيما بعد، بإذن الله.
وقد اشترى عثمان العثيم أملاكًا مهمة في منطقة بريدة منها الحوطة في الشماس، وورد اسمه ضمن الذين كانوا يعطون التجار الذي يسعون في تنمية المال نقودًا يتجرون بها على سبيل ما يسمونه (البضاعة) وهو شبيه بالمضاربة حيث يعطي صاحب النقود نقوده لرجل آخر يتجر بها ويكون الربح مشتركًا بينهما.
وقد وجدت في أوراق اثنين من كبار أثرياء بريدة في القرن الثالث عشر وكلاهما من أسرة (السالم) العريقة القديمة السكني في بريدة.
الأول هو علي بن ناصر السالم وإن كان لشهرته يذكر اسمه فقط، كما تقدم ذكره
وأنه زعيم من الزعماء في بريدة فرأيته ذكر في دفتره أسماء أشخاص أخذ منهم بضاعة وجعل لذلك عنوانًا (إثبات البضاعة اللي أخذتُ دخول شوال 1254 هـ).
وأخذت يعني نفسه.
وقد ذكر في هذه الإثبات أسماء أشخاص من أسر لم نجد لهم ذكرًا كثيرًا في غيرها مثل (المريمي) والرعيجاني.
وذكر أن لديه لابن عثيم ثلاثين ريالًا ولم يذكر اسمه وهذه هي الورقة:
والثاني من آل سالم الذين ذكر نقودًا لديه لابن عثيم هو سليمان بن صالح السالم وهو ثري معروف في وقته تقدم ذكره عند ذكر (السالم) في حرف السين.
وصرح باسم ابن عثيم بأنه عثمان بن عثيم فقال في ورقة من دفتره تحت عنوان (ثبات خير بشأن بضاعة سنة 1261).
والذي عندي لعثمان بن عثيم ثلاثة عشر ريال وقرش ثمن القهوة عشرين صاع وصل ريال بيد سليمان الصالح - يريد أنه أعطى ابن عثيم ريالًا من الريالات المذكورة - وأيضًا ريال ونصف بيد عثمان - يريد أن عثمان تسلمها منه بنفسه - أيضًا نصف ريال وأيضًا ريال .. الخ.
ويلاحظ هنا أن المبالغ التي هي ثلاثون ريالًا هي كبيرة في ذلك الوقت فهي ثمن بيت متوسط السعة أو دكانين.
كما يلاحظ أن هذه (البضاعة) لم تذكر في وثائق شرعية يكتبها كتبة ويشهدون عليها شهودًا وذلك لكونها بمثابة الوديعة وترجع إلى ذمة من يأخذها ولذلك لا تعطى إلَّا لمن يعرف بالأمانة والثقة.
وقد وجدت دليلًا مكتوبًا على أن أوائل العثيم كانوا من أهل القصيم الذين ذهبوا إلى (سوق الشيوخ) من العراق وهي وثيقة مبايعة قديمة مؤرخة في أول شهر جمادى الثانية من سنة 1162 هـ، وتتضمن أن أحمد بن عثمان النجيدي الملقب بابن عثيم قد اشترى بيتًا من سوق الشيوخ من عبد الله بن دهيم بن ثويني.
وقد حددت وثيقة المبايعة حدود البيت وذكرت أن ثمنه سبع وثلاثون جنيهًا.
وذكرت الشاهد على المبايعة وهو مبارك بن حمدان الثويني، والثويني في أهل بريدة أكثر من أسرة إذا كان من الذين هاجروا منهم إلى سوق الشيوخ، وأما الكاتب فإنه (دخيل بن محمد الدعيجان) والدعيجان معروفون بأنهم من أهل بريدة أعرف من بقاياهم امرأة اسمها (أم الدعاجين) وهم جمع الدعيجاني.
والمشتري أحمد بن عثمان النجيدي الملقب بابن عثيم هو والد عثمان بن أحمد بن عبد الله العثيم الذي هو أي عثمان جد العثيم أهل بريدة كلهم.
وهذه صورة الوثيقة نتبعها بنقلها إلى حروف الطباعة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله وعليه التكلان وبعد: فالداعي لتدوينه أنه حضر عندي عبد الله بن دهيم بن ثويني وحضر معه أحمد بن عثمان النجيدي والملقب بابن عثيم فباع عبد الله بيته الصاير في سوق الشيوخ على أحمد والمعروف الحدود يحده من الغرب بيت محمد المطرفي ومن الشمال ديوانية السهلة ومن الشرق بيت إبراهيم السياري ومن الجنوب جادة النوخ، باع عبد الله بن ثويني على أحمد النجيدي البيت كله بثمن قبضه ابن ثويني بالعد والتمام سبع وثلاثين جنيه شهد على ذلك مبارك بن حمدان بن ثويني والكاتب شاهد عليه وهو دخيل ابن محمد الدعيجان.
حرر في أول شهر جماد الثاني سنة ألف ومئة واثنين وستين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة من الله وأتم التسليم.