الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشعر يشارك في المراسلات:
يشارك الشعر في المراسلات التي حصلت بيني وبين الشيخ فهد بن عبيد رغم أن كلينا ليس شاعرًا، وإن كان له نظم.
وأذكر من حفظي الآن أن الشيخ فهد العبيد أرسل إليَّ أبياتًا فائقة عددها
سبعة فقدت ورقتها ولكنني ما زلت أحفظ منها بيتين أو ثلاثة هي:
جلسنا جميعًا بالمسرة والهنا
…
(
…
) ووضعت كفًّا على كَفِّ
عنيت بذا نجل العبودي شخصه
…
سميَّ نبي الله ذا الود والإلف
عليه سلام الله، حيًّا وفانيا
…
يزيد على الحسبان والعد بالألف
وقد أجبته على ذلك بقصيدة على قافيته ومن البحر نفسه وهو بحر الطويل، فقلت:
حمدت إلهي واهب الجود واللطف
…
إلهًا كريمًا جل حقًّا عن الوصف
فمن فضله أعطاني سمعًا وناظرًا
…
ومن فضله نجا فؤادي من الحتف
إلى أن أتاني من صديقي رقعة
…
تفوق عقود الدر في السبك والرصف
تناولها كفي ولبي وخاطري
…
وروحي وما تحت الرفارف والسَّدف
تداولها سمعي وكفي وفكرتي
…
ولبي وأحشائي وما كنت قد أخفي
فأهدت إلى القلب الجريح دواءه
…
سرورا وأفراحًا تجل عن الوصف
لقد كانت الترياق للقلب والدوا
…
وقد كانت الجبر العظيم لذي القصْفِ
وكيف وذو الإحسان والحسن والبها
…
وذو النور والأنوار والعطف واللطف
وذو الفضل والإفضال نمق سطرها
…
فجاءت كبدر التم في النور والعطف
وأعني به من قد سما لذرى العلي
…
وضارع كفاه السحائب في الوكف
ومن كان بحر العلم فهد العبيد مَنْ
…
تزيد أياديه على الرمل في الحِقفِ
مقيم على التقوى صفوح عن العدى
…
صبور على اللأوا وإن كان قد يخفي
رفيق بأهل الدين صعب على الذي
…
يخالف دين الله للكل لا يخفي
لطيف إلى الإخوان سهل محبب
…
إليَّ وفي لا يداني حمى الخلف
إذا حل في أرض تضوع طيبها
…
وضاها سناها البدر في ليلة النصف
إذا فاه بالأقوال من در بحرهِ
…
تولت جيوش الهم تترى إلى الخلف
لقد كان جلاب المسرات دائمًا
…
على كل حال في اليقاظ وفي الطيف
فيسعفنا طورًا بكتب، وتارةً
…
بكل الذي يقوى عليه من اللطف
وينسي الذي يأتي من الخل من قلي
…
ويدرس ما يأتي من الحسن في الصحف
فحقًا لقد ساد العشيرة أمردا
…
وحقًا لقد أربى عن النعت والوصف
وليس بمكار وليس مخادعًا
…
وليس بفحاش وليس بذي عنف
ولا أوحش الله القلوب بفقده
…
ولا زال في عز رفيع بلا خوف
لحى الله من أضحى لعلو مكانه
…
يروم له هدًا من الطيش والسخف
لقد رام هذا من سفاهة رأيه محالًا
…
وأين ذي الثريا من الكف
جزاه إله العرش عني صالحًا
…
لحسن الذي أهدي إليَّ من اللطف
وصلى إله العرش ربي دائمًا
…
على المصطفى خير الأنام بلا خُلْف
كذا الآل والأصحاب ما انبلج الضيا
…
صلاة تفوق المسك في النشر والعَرف
ورسائلي إلى الشيخ فهد العبيد ورسائله إليَّ كثيرة، وقد احتفظت ببعض رسائله ووجدت في أوراقي مسودة بعض رسائلي إليه، ولكن رسائلي إليه الكاملة المبيضة لم أعرف عنها شيئًا وحاولت أن أعرف عنها شيئًا ممن استولى على أوراقه وكتبه، وهو محمد بن عبد الله الجردان فيما قيل لي، فأطمعني أول الأمر ذاكرًا أن عنده شيئًا من ذلك، وإن لم يذكر شيئًا معينا ثم عدل عن ذلك.
والذي يهمني ليست رسائلي للشيخ فهد، فهي تافهة، ولا تضيف شيئًا من المعلومات إلى ما عندي، ولكنني أردت الإطلاع على رسائل عنده للعلماء والأدباء وقصائد عديدة، وتقييدات تتضمن تراجم بعض العلماء وبيان وفياتهم أو بعض ما جرى عليهم.
وحتى تقييدات لبعض الوقائع والأحداث التي وقعت في وقته وكتب عن كل واحدة منها مذكرة بقلمه ولو قصيرة.
وما عرفت أحدًا مثله في منطقتنا، بل في سائر بلادنا من يحرص على تسجيل الحوادث والوقائع والتراجم الغريبة والأمور العجيبة.
وكان يجمع ذلك في (دشت) كما كان يسميه طلبة العلم الذين أدركناهم وهو كالإضبارة من الجلد تكون مثل جلد الكتاب الخالي من الكتاب، وتكون فيها عروة صغيرة تدخل فيها كرة أخرى تغلق هذه الإضبارة.
ويكون كل ما فيها أوراق منفردة أو شبيهة بالمنفردة وليست كتابًا من الكتب.
والذي عند الشيخ فهد العبيد من ذلك فيها من النوادر والفوائد والنكت ما ليس في غيرها، ولكنني لا أدري ما فعل الله بها.
فابنه عبد الرحمن وحفيده ابن ابنه عبد المحسن وكلاهما نابه وعارف بهذه الأمور يقولون: إنهم لم يجدوا بعده شيئًا ويتهمون من يسمونه ( .... ) بأنه أخذها وهو ينكر ذلك.
وقد بلغ به الأمر أنهم قاضوه في المحكمة فلم يثبت بالبينة أن لديه شيئًا من كتب الشيخ فهد أو من الأوراق ذات القيمة.
زياراته لإخوانه المتشددين:
ما رأيت أكثر وفاء من الشيخ فهد بن عبيد لإخوانه القدماء الذين كان يألفهم ويألفونه، فكان يتحمل الصعاب لزيارتهم واستمرار الصلة بهم.
وقد جربت من ذلك نماذج تمثلت إحداها في زيارته للشيخ عبد العزيز بن عودة السعوي في المريدسية التي صحبته فيها، وقد ذكرت طرفا من ذلك في ترجمة (السعوي) في حرف السين.
فقد قال مرة ونحن في أول فصل الصيف الحار، إننا سنزور أخونا في الله عبد العزيز السعوي في المريدسية.
فوافقت على ذلك، وكنت ألبس النعال لا أترك لبسها أبدًا، جريًا على عادة لي قديمة، أما هو فإنه ليس على رجليه نعل، ومع ذلك كنت أتألم من الرمضاء وهي حرارة الرمل تحت أقدامنا وزاد الأمر إيلاما أننا كنا نسير مع كثبان رمل منهال وهو السافي، في بعض الأحيان، فكانت أقدامنا تغوص في الرمل الحار إلى نصف الساق فأتألم لذلك، ولكنه لم يبد أي ألم أو تحسر من ذلك.
وزيارته للأخ الشيخ عبد العزيز القصير في الشقة العليا.
وقد ذهبنا في فصل حار أيضًا فانطلقنا من دكانه، أي دكان فهد العبيد في أسفل سوق بريدة القديم إلى قرية الشقة سيرا على الأقدام وسوف أذكر تفصيل ذلك أو شيئًا من التفصيل عنه في رسم (القصير) في حرف القاف.
أما دكان فهد العبيد الذي ذكرته فإنه كان يفتحه لا ليبيع شيئًا أو يشتريه فيه، وإنما ليحضر إليه بعض الناس الذين يريدون الجلوس إليه والإستفادة منه.
ولشيء آخر وهي إصلاح الساعات فهو يعتبر أن مهنته إصلاح الساعات ولكنه لم يكن يستقصي في الأجرة، وبعض الناس لا يجر عون على الذهاب إليه حذرًا من أن يزل لسانه عنده بكلمة، أو يتصرف تصرفا غير مناسب.
أذكر مرة فيما يتعلق بإصلاح الساعات أن ابنا لفهد الرشودي زعيم بريدة، أحضر إليه ساعة والده، أو أن فهد الرشودي أحضرها بنفسه إلى فهد العبيد - لا أتحقق من ذلك - ولكن الذي عرفت أن فهد أصلحها وإن ابنا لفهد الرشودي جاء إليه ليأخذها وأنه طلب من الشيخ فهدا أن يخبره بأجرة إصلاحها فقال له فهد العبيد: لا تحتاج إلى أجرة، لأن آلاتها كلها صالحة، ولم أضع فيها شيئًا من عندي.
فذهب بها إلى فهد الرشودي، وكان جالسًا في أعلى السوق ثم عاد الابن إلى الشيخ فهد العبيد، وقال: الوالد يسلم عليك ويقول لابد يأخذ أجرة إصلاح الساعة.
فاحتد الشيخ فهد وقال: مالها أجرة، فقال الابن: أخاف إن الوالد يزعل إذا أنت ما أخذت الأجرة، فقال: إذا زعل لا يرسل لي ساعته أصلحها مرة أخرى.
وعندما ذهب قال لي الشيخ فهد: هذه الساعة واقفة من أجل غبار دخل فيها فنظفتها واشتغلت، ولم أضع فيها شيئًا أخسره عليها! ! !
وعظه:
اشتهر الشيخ فهد العبيد عند العامة بوعظه المؤثر في نفوسهم أكثر من اشتهاره بشيء آخر.
وقد ظل فترة من السنوات يعظ في أحد مساجد مدينة بريدة الجنوبية ليلة الجمعة وهي مساء الخميس، أو ليلة معينة من الأسبوع لا أحفظها فيأتي الناس إليه من أنحاء المدينة لاستماع موعظته وكلامه حتى يمتلا المسجد ويضيق بهم.
وفي الأسبوع الذي بعده يذهب إلى أحد المساجد في شمال بريدة فيفعل مثل ذلك.
وقد راعى في ذلك حال بعض كبار السن، قبل انتشار تملك السيارات، واستعمالها أن يحضر من لا يستطيع الذهاب إلى المسجد البعيد عنه.
وكانت له عبارات مختصرة نادرة يتناقلها الناس من ذلك أنه شن حملة على بعض النساء اللاتي صرن يستعملن حمالات الأثداء - جمع ثدي - ويقول لماذا الحمالات؟ هل رأى أحد منكم أثداء امرأة ساقطة في الشارع حتى تحتاج إلى حمالات تحملها، وذلك كله انطلاقًا من عدم ارتياحه للأشياء الجديدة.
ووعظه مؤثر وذك لكونه يجمع بين البلاغة في الفصحى والعامية.