المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العثيمين: بإسكان العين في أوله ثم ثاء مفتوحة فياء ساكنة بعدها - معجم أسر بريدة - جـ ١٤

[محمد بن ناصر العبودي]

فهرس الكتاب

- ‌باب العين

- ‌الْعَامرْ:

- ‌دعاة وأعمال خيرية:

- ‌العامر:

- ‌الشيخ علي بن عامر بن صالح آل عامر (1339 - 1411 ه

- ‌العامري:

- ‌العايد:

- ‌وثائق للعايد:

- ‌العايدي:

- ‌العايش:

- ‌العَبَّاد:

- ‌العْبَادي:

- ‌تصحيح اسم جد الشيخ العبادي:

- ‌العبَّاس:

- ‌العبد الرحيم:

- ‌أصل وصية عبد الرحيم الحمود:

- ‌أشخاص معاصرون من أسرة (العبد الرحيم):

- ‌العبد الرَّزاق:

- ‌العبد اللطيف:

- ‌العبد اللطيف:

- ‌العبد اللطيف:

- ‌العبد المعين:

- ‌العبد الملك:

- ‌العبد المنعم:

- ‌العبد الوهاب:

- ‌ العبد الوهاب

- ‌وصية عبد الله العبد الوهاب:

- ‌نبذة مختصرة عن أسرة العبد الوهاب البريدي:

- ‌العبد الهادي:

- ‌العبدان:

- ‌ترجمة موجزة لحياة فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العبدان:

- ‌سخاء الشيخ ابن عبدان:

- ‌إنجازات تاريخية منقوشة على البيض:

- ‌العبدان:

- ‌العُبرّة:

- ‌العَبْلاني:

- ‌العبْوُد:

- ‌‌‌ العبود

- ‌ العبود

- ‌العبْوُدي:

- ‌أسرة العبودي وملح البارود:

- ‌أسرة العبودي والمدح بالفصحى:

- ‌العودة إلى ذكر الجد:

- ‌عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم العبودي:

- ‌هل يحابي الإسلامي الرجل على حساب المرأة

- ‌بين جامعة القهوة ومعهد الشاي .. أين موقع النخيل

- ‌خالد بن محمد العبودي:

- ‌الشيخ سليمان بن ناصر العبودي:

- ‌سليمان العبودي في ذمة الله:

- ‌سليمان الناصر العْبُودي - من بريدة:

- ‌الشيخ سليمان العبودي (1350 - 1415 ه

- ‌بداية ظهور فريق الشباب (التعاون):

- ‌التنافس مع الشباب:

- ‌رحلة الموت المفاجئ:

- ‌القدر يسبق الإخلاء:

- ‌العْبَيَدْ:

- ‌ترجمة الابن لأبيه:

- ‌أبناء عبيد العبد المحسن:

- ‌ذكر من توفي فيها من الأعيان:

- ‌الشعر يشارك في المراسلات:

- ‌زهد فهد العبيد وتقشفه:

- ‌تجربة الصديق واختباره:

- ‌مؤلفات الشيخ إبراهيم العبيد:

- ‌قصة المظلومة سمعتها من الشيخ إبراهيم العبيد:

- ‌ العبيد:

- ‌وصية عبيد بن محمد بن فراج بن سلمي:

- ‌الْعْبَيْد:

- ‌العبيد:

- ‌العْبَيِّد:

- ‌الَعْبَيْدَان:

- ‌العبيدان:

- ‌العبيدي:

- ‌العْبَيْلان:

- ‌العْبَيلاني:

- ‌العْتيان:

- ‌العَتِيق:

- ‌العتيق

- ‌العَتيِّق:

- ‌ سليمان بن محمد العتَيِّق

- ‌العْتَيْك:

- ‌رجال التعليم الأوائل:

- ‌العثمان:

- ‌عثمان بن إبراهيم بن عثمان العثمان

- ‌العثمان:

- ‌العثمان:

- ‌العثيم:

- ‌وصية عثمان بن أحمد العثيم:

- ‌نص وصية عثمان بن أحمد بن عثمان العثيم:

- ‌عبد الله العثمان العلي:

- ‌عبد الله بن عثمان الأحمد العثمان العبد الله:

- ‌عبد العزيز بن عثمان الأحمد العثمان العبد الله:

- ‌محمد بن عثمان بن أحمد العثمان العبد الله:

- ‌مشاهير الأسرة في القرن الرابع عشر وإلى وقتنا الحاضر:

- ‌عبد الله العثمان العلي العثمان:

- ‌صالح بن إبراهيم المحمد العثمان:

- ‌الشيخ محمد بن عبد الله المحمد العثمان:

- ‌الدكتور الطبيب عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد العثمان:

- ‌الدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن بن محمد العثمان:

- ‌الشيخ عثمان بن عبد الرحمن بن محمد العثمان:

- ‌الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد العثمان:

- ‌الدكتور سليمان بن محمد بن عبد الله المحمد:

- ‌الدكتور عبد الله بن عبد الكريم بن عبد الله المحمد:

- ‌الدكتور خالد بن محمد بن إبراهيم المحمد:

- ‌الدكتور أحمد بن صالح بن علي المحمد:

- ‌الأستاذ عبد الله بن صالح بن علي المحمد:

- ‌الشيخ يوسف بن محمد بن عبد الله المحمد:

- ‌المهندس سعد بن عبد العزيز العثمان العبد العزيز:

- ‌المهندس عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله المحمد:

- ‌المهندس رياض بن عبد الله السليمان العبد الله:

- ‌المهندس ضياء بن عبد العزيز العثمان العبد العزيز:

- ‌المهندس ماجد بن عبد العزيز العثمان العبد العزيز:

- ‌مؤلفون من العثيم:

- ‌العثيمين:

- ‌الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عثيمين (1320 هـ - 1410 ه

- ‌صالح بن عبد العزيز العثيمين: (من بريدة)

- ‌ العثيمين

الفصل: ‌ ‌العثيمين: بإسكان العين في أوله ثم ثاء مفتوحة فياء ساكنة بعدها

‌العثيمين:

بإسكان العين في أوله ثم ثاء مفتوحة فياء ساكنة بعدها ميم مكسورة فياء ثانية وآخره نون.

على لفظ تصغير عثمان عندهم.

أسرة نشطة جاء أوائلهم إلى بريدة من حوطة بني تميم جنوب الرياض، وهم أبناء عم الشاعر نجد الكبير باللغة الفصحى الشيخ محمد بن عثيمين صاحب الديوان المطبوع رحمه الله.

وقد نبغ من أسرة (العثيمين) هؤلاء في بريدة نوابغ منهم علي بن عبد العزيز العثيمين نبغ في فن الزخرفة والتزيينات الفنية الجيدة بالجص، فكان يزخرف قاعات الإستقبال المسماة بالقهوة في بيوت الوجهاء، والأثرياء، وغرف النوم الفاخرة، وكان الناس يتنافسون في صناعته هذه لهم، مات علي المذكور عام 1379 هـ.

ومنهم الشيخ الأديب المتفنن الشاعر المؤلف صالح بن عبد العزيز بن علي بن عبد العزيز بن عبد الرحمن العثيمين لقب أبوه عبد العزيز بالصَّوَّاي لأنه كان أصغر إخوته وهم أيتام مات والدهم فكان يكثر من التضجر والصياح بصوت ضعيف فسمي الصَّوَّاي.

ولد الشيخ صالح عام 1320 هـ ابتدأ التعلم في كُتَّاب علي الحوطي في جنوب بريدة الذي صار بعد ذلك يحفر القبور وتلقى العلم على الشيخ عمر بن سليم ولازمه كما قرأ على الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم قاضي بريدة.

وكان ذكيًّا استفاد من المطالعة والمذاكرة كثيرًا.

وفي سنة 1337 هـ سافر إلى الكويت وافتتح كُتَّابًا هناك، صارت له

ص: 590

شهرة وكان في الوقت نفسه يتلقى العلم على بعض المشايخ في الكويت ومنهم عبد الله الخلف وأحمد الفارسي وعبد العزيز الرشيد صاحب تاريخ الكويت.

وبعد حوالي 6 أو 7 سنين في الكويت هاجر إلى عُمان، فاستوطن في مدينة عجمان، وفتح فيها مدرسة أيضًا ثم طلب من عجمان ليكون قاضيًا في رأس الخيمة فتولى القضاء فيها ثم صار رئيسًا لمحكمة زعَّاب.

وبعد ذلك رجع إلى بريدة في عام 1346 هـ.

وعندما حصلت وقعة السبلة وانتصر فيها الملك عبد العزيز مدحه بقصيدة نشرت في جريدة أم القرى وصحيفة الرياض التي كانت تصدر في بغداد يصدرها سليمان الدخيل مطلعها:

أهذا ضحى عيد يلي ليلة القدر؟

أم البشر أن الدين قد حف بالنصر؟

لقد جاءت البشرى بأن ذوي الهدى

أبادوا العدى أهل الخيانة والمكر

فكاد لها عقلي يطير مَسرَّةً

وبادرت نحو الأرض الله بالشكر

لك الحمد يا من لا يخيب آملا

كما أنت أهل الحمد يا والي الأمر

فقد كنت أوعدت البغاة بذلةٍ

وإن بلغوا عد الجراد من النَّشْر

ولكن وعدت المهتدين وإنْ بُلُوا

ليُجزوا بما قاسوه بالفوز والظَّفر

فصار كما أوعدتهم ووعدتنا

وفزنا، وباؤا بالعناء مع الخُسْر

أراد بُغاة أن يعيثوا بديننا

وأن يفسدوا في الأرض في البر والبحر

وهي طويلة تبلغ 75 بيتًا آخرها تاريخ الوقعة منها:

وما كنتُ حسانًا ولا ابن ربيعة

ولكنني أبديت ما صاغه فكري

وعذر الذي منه الحوادث شَتَّتَتْ

له الذهن ثم القرن في رابع العشر

وآفات دنيا، ثم ضيق معيشة

لسبع وعشرين مضت من سني عمري

ص: 591

يشير إلى أن عمره عندما نظم هذه القصيدة كان سبعة وعشرين سنة في وقت الوقعة التي هي في عام 1347 هـ ثم قال:

سيقبل عذري كل حُرٍ، وإن يكن

قريضي لما قدمت هِدْيًا لذي سُكْر

ولما انتهت أرِّخْ (لشَعْرٌ مُهدَّبٌ)

من الكاف (1) من شوال فاستفت من يدري

أي 1347 هـ.

وقد أجازه الملك عبد العزيز بعشرين جنيهًا ذهبية وكسوة تحويلًا على محمد بن مسفر في بريدة وهي مشلح شمال وزبون وشال، كما أجرى له بروة دائمة وهي مائتا وزنة تمر ومائة صاع عيش كل سنة.

كما نظم الشيخ صالح بن عثيمين قصيدة في واقعة أم رضمة سنة 1348 هـ مدح فيها الأمير عبد العزيز بن مساعد الذي كان قائد الحملة المذكورة.

قال: وقد أجازني الأمير ابن مساعد على تلك القصيدة: بأن أعطاني ذلولين من الكسب وهي إبل الأعداء التي أخذت منهم غنيمة في الحرب.

وأقام في بريدة حتى عام 1353 هـ حيث خرج منها خائفًا يترقب إلى مكة المكرمة، وذلك لأن بعض الإخوان من طلبة العلم كرهوه بسبب معرفته لعلوم لا يعرفونها واتهموه بأن لديه كتبًا لم يكن من العادة تداولها بين طلبة العلم.

وكان قد أحضر معه حملين من الكتب كان قد جمعها خلال إقامته في الكويت ورحلاته إلى العراق والهند.

وكان مدة إقامته في بريدة يتعيش من إصلاح الساعات وفي مكة اشتغل أيضًا بإصلاح الساعات بعد أن حصل على إذن من شيخ الساعاتية - كما كان

(1) أي العشرين من شهر شوال.

ص: 592

يسمى، وكان من العادة أن لا يرخص لأحد بإصلاح الساعات في مكة المكرمة حتى يحصل على مثل هذه الشهادة المطبوعة مختومة وتحمل شهادة شخصين من أهل بريدة المقيمين في مكة وهما عبد الله بن سليمان العيسى، وعبود بن مبارك الحمد المبارك.

ثم عين مرشدًا في إدارة الحج ومشرفًا على المطوفين من الناحية الدينية.

وكان سبب تعيينه في ذلك صداقته للشيخ عبد الله بن عبدوان الذي كان من رجال الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، وترقي ابن عثيمين في الوظائف حتى أصبح مستشارًا لوزارة الحج والأوقاف.

ثم طلب الشيخ محمد سرور الصبان عندما عين أمينًا عامًا لرابطة العالم الإسلامي من الشيخ صالح العثيمين أن يعمل مستشارًا لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة عند إنشائها في عالم 1382 هـ.

واستمر في هذه الوظيفة حتى مطلع عام 1405 هـ حيث أحيل على التقاعد لكبر سنه ولكنه استمر يزاول مهامه التي منها عضويته في مجمع الفقه الإسلامي التابع للرابطة.

ولقد كان حتى ذلك العام - 1406 هـ - حاضر الذهن جيد الذاكرة، عالمًا بفنون كثيرة يذاكر في الكتب والحديث.

ولقد عرفت الشيخ صالح بن عبد العزيز العثيمين معرفة حقيقية عندما كان يحضر إلى مكتبي في رابطة العالم الإسلامي فوجدته بحرًا في كل العلوم، فهو فقيه مع الفقهاء وهو محدث من المحدثين، وهو أديب يحفظ الأشعار القديمة ويستشهد بها في كلامه.

وهو لبق حتى إنك لا تعلم أن تسمع منه طرفة أو نادرة.

وحسبما ما أعرف فإنه قليل النظير في عصره فيما ذكرته.

ص: 593

حدثني الشيخ صالح بن عبد العزيز العثيمين عن طرفة حصلت له أثناء عمله في إصلاح الساعات في مكة المكرمة قال:

كان الملك عبد العزيز قد حج في سنة من السنين وكان معه أخوه الأمير عبد الله بن عبد الرحمن آل سعود وهو مشهور عند الناس بشدته وصرامته.

قال: وكنت في دكان صغير في سوق المدعي، وكنت قرأت قبل وقت قريب في الحرم الآية الكريمة {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} .

قال: فقلت في نفسي: ألم يجد الله شيئًا يضرب به المثل إلا الذباب؟

قال، ثم مضت أيام نسيت فيها ذلك فجاء إليَّ في دكاني خوي أي مرافق أو قال وزير للأمير عبد الله بن عبد الرحمن آل سعود أخي الملك عبد العزيز ومعه ساعة وهي ساعة من ساعات الجيب المعتادة في ذلك الوقت، وقال لي: هالساعة للأمير عبد الله بن عبد الرحمن تحتاج إلى مسح وهو التنظيف، ولكن أنت تعرف الأمير إن جرى للساعة شيء فلا تلوم إلَّا نفسك.

فقالت له: ما يجري عليها شيء.

قال: فاتفقت معه على أن أمسحها له بريالين من الفضة قبل العملة الورقية، وهو مبلغ جيد.

وفتحت الساعة ونثرت أجزاءها من أجل تنظيفها.

قال: وكنا نضع شيئًا قليلًا من مادة تشبه الزيت لكن فيها لزوجة، إذا نثرنا أدوات الساعة الدقيقة من أجل أننا نأخذ الآلة الصغيرة منها برأس مسمار ونضعها في مكانها لأن اليد لا تستطيع أن تمسكها لصغرها.

ص: 594

قال: وبينما أنا أعمل في الساعة وإذا بذباب يقع على مسمار صغير من مسامير الساعة المنثورة فيعلق برجله أو قال آلة صغيرة منها كالمسمار الصغير ويطير به لأن فيه تلك المادة التي تجعله يعلق بها قال: فذهلت وخرجت أتبع الذباب الطائر وأنا لا أدري ما أصنع لأن الذباب خرج من الدكان إلى شارع المدعي، وفي رجله ذلك المسمار الصغير قد علق بها.

ولكن الذباب كان سريعًا إلى درجة أنني كدت أصطدم بجاري في الدكان أو قال اصطدمت به لأن عيني كانت متابعة للذباب، فرجعت إلى دكاني خائبًا، وجاري يسألني ويقول: سمعتك تقول: الذباب، الذباب، ولم أفهم الأمر.

قال: فأخبرته بالأمر، وأن ذلك المسمار الذي طار به الذباب لا يوجد للبيع فذهبت إلى شيخ الساعات أو قال الساعاتية في مكة أقص عليه القصة وأسأله عما إذا كان المسمار يوجد مثيل له للبيع، لأن الساعة هي ساعة الأمير عبد الله بن عبد الرحمن ولا يمكن أن تشتغل بدون ذلك المسمار!

فقال لي: ذلك لا يوجد للبيع، ولا مخرج لك إلَّا بأن تشتري ساعة كاملة مماثلة لساعة الأمير وتأخذ ذلك المسمار منها، قال شيخ الساعاتية: من حسن حظك أن عندي واحدة بثمانية ريالات، قال: وأنا أعرف أن هذه قيمتها فاشتريتها بثمانية من أجل أن أحصل على ريالين من ساعة الأمير.

وفطنت إلى أنني قد عوقبت على عدم فهمي لضرب المثل بالذباب، لأنني بالفعل لم أستطع استنقاذ ذلك المسمار الصغير من رجله!

وأخبار الشيخ صالح بن عبد العزيز العثيمين ونوادره كثيرة أذكر منها أنه زارني في مكتبي في رابطة العالم الإسلامي وكان قد أسن، فسألته مداعبًا وهو من أهل بريدة الذين كان عادة الرجل منهم أنه إذا أسن واستغني تزوج، فقلت له: هل تزوجت بعدي؟

ص: 595

فقال: لا. . ماله من نشور.

فقلت له: يحيى العظام وهي رميم، فقال: لا حياة لمن تنادي.

ثم قال مداعبًا أيضًا:

ابن عثيمين افتكر

وقال قولًا في الكِبَر

فقال أعرف أنك تعرف الأبيات وأنها لابن أبي الصقر الواسطي، ولكنني ركبتها لتصدق على حالتي وبعد هذا البيت:

تالله لولا بولة

تحرقني وقت السَّحَرْ

لما ذكرت أن لي

ما بين رجليَّ ذكَرْ

وللشيخ صالح بن عثيمين مؤلفات مخطوطة مهمة منها:

- "القطف الدان بترتيب رجال معجم البلدان" - أكمل ترجمات الرجال الذين ترجمهم المعجم مع ترتيب أسمائهم على حرف الهجاء.

- "فتح العلي الواهب في نظم دليل الطالب في الفقه الحنبلي أوله:

يقول مبدي نظمه الوجيز

هو صالح بن عابد العزيز

سميته فتح العلي الواهب

وذاك في نظم دليل الطالب

- "تسهيل السابلة، في طبقات الحنابلة"، ترجم فيه لأصحاب المذهب الحنبلي بدأ فيه بترجمة الإمام أحمد حتى وقته، وقال: إنه يبلغ خمس مجلدات فيما لو طبع.

- "سُلِّم المُرتَقي، في الرد على حامد الفقي".

رد فيه على الشيخ حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة في مصر.

ص: 596

ويشمل ذلك تعقب ما ذكره الشيخ حامد الفقي في تعليقاته على الكتب التي طبعها، ووهم فيها.

- "مقاصد الإسلام" مقالات متتابعة كان يكتبها يوم الجمعة في صحيفة البلاد التي كانت تصدر في مكة المكرمة في ذلك الوقت لو جمعت لكانت مجلدات عدة.

- وله مقالات أخرى عميقة في صحف وجرائد أخرى.

ثم طبع كتاب الشيخ صالح بن عثيمين بعنوان (تسهيل السابلة لمريد معرفة الحنابلة) في أربعة مجلدات بتحقيق الدكتور بكر بن عبد الله أبوزيد عضو هيئة كبار العلماء نشرته مؤسسة الرسالة، وطبعته في بيروت عام 1422 هـ - 2001 م، وقد قدم له المحقق الدكتور بكر أبو زيد بترجمة ضافية للمؤلف أثنى فيها على المؤلف بما هو أهله.

والواقع أن الشيخ صالح بن عثيمين جدير بأن تكتب سيرته في كتاب، وقد ترجم له الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام في كتابه (علماء نجد) وأثنى عليه لأنه يعرفه إذْ هما زميلان في أشياء عديدة منها عضوية المجمع الفقهي الذي يتبع رابطة العالم الإسلامي.

وقد أخذت بنت للشيخ صالح بن عثيمين اسمها عائشة كانت صغيرة عندما توفي الشيخ ابن عثيمين تحاول أن تكتب له ترجمة واستكتبت لذلك عددًا من عارفيه ومقدريه، ومنهم كاتب هذه السطور حيث كتبت لها الكلمة التالية: ولكن بلغني مع الأسف الشديد أنها توفيت قبل أن تتمكن من إنجاز الكتاب الذي تترجم فيه والدها.

وهذا نص ما كتبه لها:

ص: 597

ولد الشيخ صالح بن عبد العزيز العثيمين في بريدة عام 1320 هـ، وقرأ على المشايخ في بريدة بخاصة الشيخ القاضي عبد الله بن محمد بن سليم وشيخه الشيخ عمر بن محمد بن سليم قاضي بريدة، وبرز بسرعة وفاق أقرانه في علوم النحو والعربية بل والحديث والفقه والتفسير، ولكنه سافر لسبب من الأسباب إلى الخليج وعمان للاستزادة من طلب العلم فقابل هناك أناسًا من طلبة العلم على غير مشرب مشايخه، ولكن لم يؤثر ذلك فيه، ولم يثنه عن النهج السلفي، وإنما الذي أثر فيه أنه كان محبًا للإطلاع فرأى كتبًا هناك لا توجد في بلدة بريدة فضلًا عن أن يقتنيها طلبة العلم مثل تذكرة داود الإنطاكي و (تسهيل المنافع) إلى جانب الكتب الفلسفية. وعندما عاد بعد سنوات إلى بريدة كان يحمل معه بعض هذه الكتب التي فيها طلاسم وخرافات من خرافات الأولين، فصار يطلع عليها من يثق بهم من طلبة العلم إذا وجدت مناسبة لذلك.

فعرف بها من لا يعرف هذه الأمور، فتألب عليه أناس منهم وزعموا أنه يأتي أمورًا سحرية وأن الساحر يقتل فذهبوا إلى شيخه الشيخ عمر بن سليم وكان قد صار قاضي بريدة فطلبوا منه أن يحكم عليه بالقتل.

لا سيما أنه كان اكتسب عادة شرب الدخان خلال إقامته بالخليج وشهد عليه جيرانه بأنهم كانوا يشمون رائحة الدخان من بيته.

فعرف بذلك فكان أن خرج من بريدة خائفًا يترقب هاربًا سنة 1353 هـ إلى مكة المكرمة فاستوطنها وفتح له دكانًا في سوق (المُدَّعى) يصلِّح فيه الساعات.

ولكنه كان يواصل طلب العلم وقراءة الكتب والاتصال بالمشايخ ومذاكرتهم، وكان فيهم من هو أوسع أُفُقًا من علماء نجد آنذاك بحكم وجوده في الحرمين الشريفين أو في بلدة غيرها من الأمصار قبل ذلك.

ص: 598

واستمر الشيخ صالح بن عثيمين ساكنًا في مكة المكرمة وعينته إدارة الحج فيها التي صارت بعد ذلك وزارة الحج والأوقاف فصار مستشارًا للوزارة له راتب جيد.

وصار يكتب مقالات متسلسلة في جريدة البلاد السعودية آنذاك بعنوان (في سبيل الإصلاح).

ورأى من تقدير الناس له واستفادتهم من علمه ما لم يره في بلده بريدة، وقد مات في عام 1310 هـ بعد أن عاش تسعين سنة حافلة بالاستفادة: والإفادة وكان لا يزال حتى موته يستمتع بكامل حواسه من ذاكرة حادة، وفهم ثاقب ونظر وسمع.

وعندما مات لم يكن من ذريته أو من تولى بيع تركته من يقدر الكتب والأوراق فبيعت تركته ومعها كتبه وأوراقه كما تباع الملابس المستعملة!

وبعد ذلك بنحو عشر سنين كانت ابنة له اسمها عائشة قد أتمت دراستها في كلية الشريعة في مكة المكرمة وحصلت على الماجستير فأرادت أن تكتب ترجمة لوالدها ولكن لم يكن في يديها شيء من أوراق والدها تستعين به على الكتابة فأرسلت كتبًا للمشايخ الذين يعرفونه ومنها رسالة أرسلتها إليَّ طالبة فيها أن أكتب ما أعرفه عن والدها وشرحت لي بالهاتف مقصودها من ذلك فكتبت لها النبذة المختصرة عما أعرفه عن الشيخ صالح بن عبد العزيز العثيمين.

عرفت الشيخ صالح بن عبد العزيز بن عثيمين قبل أن ألقاه، وذلك عن طريق السماع عنه والإشادة بذكائه وسعة إطلاعه من زملائنا وإخواننا طلبة العلم الذين هم أكبر منا في السن.

فعندما بدأت بطلب العلم في بريدة سمعت الإخوة الطلبة والعلماء يخصون الشيخ صالح بن عثيمين بمزيد من التنويه، وكان من أهم ما ينوهون به ذكاؤه

ص: 599

وإطلاعه الواسع، وشيء آخر اختلف تقديرهم له وهو حرصه على الإطلاع على الكتب الأخرى غير التي يقراها أمثاله من طلبة العلم الذين كانوا يحصرون اجتهادهم في كتب العقيدة والتفسير والفقه والحديث إلى جانب علوم الآلة من نحو وصرف ولغة، ولا يكادون يتجاوزون الكتب المؤلفة في هذه الفنون اعتقادًا منهم بأنها كافية لطالب العلم، وافية بما يحتاج إليه من علم يفيد به الناس ويسترشد به في دينه، وإذا وجد فضلًا من وقت فإنه يجب أن ينفقه في العبادة وتلاوة القرآن الكريم.

أما الكتب الأخرى مثل كتب التاريخ والأدب والشعر والفنون الأخرى فقلَّ من يريد الإطلاع عليها منهم، وإذا تجرأ أحدهم وفعل ذلك علنا بأن أحضر هذه الكتب إلى حلقات الدروس التي تتناول غيرها من الفنون فإن زملاءه قد يتهمونه بأنه يسعى إلى إهدار وقته وأوقاتهم بشيء غير مهم على حساب المهم من كتب الفنون التي ذكرناها.

وكان الشيخ صالح بن عثيمين من طلبة العلم الذين لا يقنعون بالإطلاع على كتاب دون آخر حتى نسب إليه ما عده بعضهم عيبًا فيه وهو أنه كان يقتني خفية (تذكرة داود الانطاكي) في الطب وخصائص الأشياء.

وهكذا صار بعضهم ينظر إليه نظرته إلى شخص غير معتاد في تصرفاته العلمية، وكان الشيخ قبل ذلك معدودًا من طلبة العلم النبغاء حتى إن شيخه الشيخ عمر بن سليم كبير علماء القصيم في وقته قد أخذه معه عندما أمره الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله بالذهاب إلى الأرطاوية ليكون مذكرًا ومرشدًا لأهلها الذين يرأسهم آنذاك فيصل الدويش وأن يأخذ معه عددًا من طلبة العلم الذين يمكن أن يساعدوا في إرشاد أهلها، وفي الوقت نفسه يواصلون طلب العلم على شيخهم الشيخ عمر بن سليم كما كانوا يفعلون في بريدة.

ص: 600

كان ذلك عام 1337 هـ وكان الشيخ صالح بن عثيمين في السابعة عشرة من عمره وهذه سنٌّ مبكرة في النبوغ العلمي آنذاك.

وبعد الرجوع من الأرطاوية سافر الشيخ صالح بن عثيمين إلى أقطار الخليج لطلب العلم وحصل كتبًا جديدة كان بعضها من الكتب التي ليس من المعتاد أن توجد لدى زملائه من طلبة العلم فكان يذاكر بعض طلبة العلم فيها.

ومرة أخرى أخذ عليه بعضهم الاشتغال بهذه الكتب التي ذكروا أنها مضيعة للوقت مع أنها لم تضع وقتًا للشيخ صالح بن عثيمين فيما يرونه ويعلمون حاله، فهو أنحاهم أي أعرفهم بالنحو، وهو قد حصل من كل علم طرقًا لم يصل أكثرهم إلى تحصيل مثله.

وقد منعت هذه الأشياء ترشيح الشيخ صالح بن عثيمين لتولي منصب قضائي مثل زملائه من الطلاب الذين كان لا يقل عنهم معرفة بالعلوم الدينية المطلوبة على قلة مثل تلك المناصب في ذلك الوقت فشد الرحال إلى مكة المكرمة حيث استوطنها في عام 1353 هـ حتى وفاته.

وعندما تجاوزتُ مرحلة الطلب المبكر ووصلت مكة المكرمة كان من أهم الأمور عندي أن التقي بالشيخ صالح بن عثيمين الذي كانت قد سبقت إلى لقائه سمعته العلمية وبخاصة في الأدب والتأليف والإرشاد.

أما عندما التقيت به فإنني ذكرت قول القائل (فلما التقينا صدق الخَبرَ الخُبْر).

لقد رأيت الشيخ صالح بن عثيمين كما وصف لي أديبًا شاعرًا لطيف المعشر حاضر الشاهد العلمي في كل الفنون العلمية المعروفة لا تتحاشى أن تبحث معه في أي فن من الفنون العلمية التي يعني بها العلماء المعاصرون وفي فنون أخرى كانت متداولة في العصور المزدهرة للحضارة العربية، فكان الشيخ مفيدًا في التاريخ والأدب والفقه وأصوله والحديث ورجاله والشعر واللغة

ص: 601

حتى إنه إذا تكلم في فن من هذه الفنون خيل إليك أنه قد تخصص فيه وأنه هو الفن العلمي الوحيد الذي يعرفه.

فكان بحق العالم (المتفنن) الذي يحسن كافة الفنون العلمية المعروفة.

وكان يتوقد ذكاءً ويستوعب الشواهد والنصوص الكثيرة حفظًا فكنت إذا جالسته جالست الأديب والفقيه والمحدث والمفسر والشاعر فكأنما جمع الله في شخصه هؤلاء كلهم.

ثم شاء الله تعالى أن ينتقل عملي إلى رابطة العالم الإسلامي أمينًا عامًا مساعدًا وأمينًا عامًا بالنيابة، وكان ذلك في عام 1403 هـ والشيخ صالح بن عثيمين يشغل في الرابطة وظيفة المستشار، وكان إلى ذلك عضوًا في المجمع الفقهي فيها وفي اللجنة الثقافية، ولكنه كان قد بلغ آنذاك الثالثة والثمانين من العمر، إلا أنه لا يزال متألق الذهن، نير العقل، فكنت أجلس معه واستفيد منه أشياء غير مكتوبة من أخبار طلبة العلم وغيرهم وعن مجريات الأمور في عهده.

فكان مجلسه كالبستان الذي حوى من الزهور ما تستطيبه العين ويلذه الذوق وهي زهور علمية ونكت أدبية ومعلومات عن الكتب ما طبع منها وما لم يطبع، هو عالم بها متابع لذلك، ومن سير العلماء المتقدمين والمتأخرين وقد أنشدني بعد محاولات عديدة شيئًا من شعره، وكانت لدي مرثية له في زوجة له ماتت فرثاها بقصيدة عصماء دلت معانيها على الوفاء والإخلاص، ودلت ألفاظها ومبانيها على أنه ذو ملكة شعرية راقية.

وما أحرانا نحن عارفي فضله وعلمه بأن نسجل ذلك قيامًا بالواجب واقتداء بالسلف الصالح في تخليد مآثر العلماء النبغاء ومما يسر أن إحدى كريماته وهي البنت العزيزة (عائشة) تقوم الآن بذلك فجزاها الله خيرًا ورحم الله الشيخ صالح بن عثيمين رحمة واسعة. انتهى.

ص: 602

وللشيخ صالح بن عثيمين مساجلات شعرية مع عدد من الشعراء منها هذه المساجلة بينه وبين الأديب الأستاذ حسين سرحان من أهل مكة المكرمة.

قال الأستاذ حسين سرحان:

ما قولكم في غرامي دام فضلكم

انافعي ذاك أم مغرٍ باضراري؟

طغى الهوى في مليح عن تجنبه

صومي ومن ثغره المفتر إفطاري

قال الشيخ صالح بن عثيمين:

يا أيها المغرم المفتون في رشأ

فليس في الحب من إثم ولا عار

أما صيامك عن هجر الحبيب فمن

شرط المحبة وصل عند أحرار

والفطر من ثغره المفتر تَلْثِمَهُ

أن كان حلًا فبادر دون انكار

وإن يكن من حرام فامْتَنع وبذا

نلت الشهادة فالزم كتم أسراري

هذا جواب فقيهٍ كل مشكلةٍ

عويصها حَلَّه من زنده الواري

فقال الأستاذ حسين سرحان:

دع الحلال ودع ما حرم الباري

ما شآنُهُ في غرام جارح جاري؟

إذا علقت بريم لوعة وهوى

فخذ مرامك منه أخذ مغوار

أنا الزعيم إذا قضَّى لبانته

بحمل أوزاره من بعد أوزاري

قال الشيخ صالح بن عثيمين:

أشكو إلى الله في سري وإجهاري

هذا التذبذب من حزبي وأنصاري

حتى أبيح الزنا جهرًا وقيل به

أنا زعيم بحمل الوزر أوزاري

دَع التزندق أو فأعجلْ على بلد

تدين حرية وانزح عن الدار

فأم القرى بلدة مطهرة

عن وصمة الشرك أو أقوال كفار

ص: 603

هذا الجواب وإن سارت لنا قدمًا

بمثل هذا سمرناها بمسمار

قال الأستاذ حسين سرحان:

يا ويح أمك من ذي لهجة زاري

محذلق ضيق الاعطان مهزار

تكفيرك المسلم الأوَّابَ باقعهُ

عظمي لمحض دعابات وأشعار

أأنت وحدك تحمي الدين حين بدا

على شفا جُرُفٍ من جهلكم هاري

للدين بُهُمْ حماة لم تكن أبدًا

من هجرتين ولم تنسب لأنصاري

ولم تصل بحسام لا ولا علقت

يمناك عود حديد النصل خطار

تصيح وسط فلاة لم يُصخ أحد

إلى نداء ركيك القول ثرثار

وساء حظك من نوك ومن عِوَج

دري به منك من ليس بالداري

لو كنت أخدع غيري أو أداهنه

لظلت في روضة فيحاء معطار

لكنني مستقيم لا ينهنهني

زجر ولم أخش إلا الواحد الباري

هذا ولولا اشفاقي ومرحمتي

عليك بحال عسر بعد إيسار

إذًا لأبصرت مني هول ملحمةٍ

تشيب فرقك أو تطليك بالقار

قال الشيخ صالح بن عثيمين:

أعاذنا الله من هذا الوبا الساري

أعيا الطبيب وأعيا المرشد القاري

قد قَلِدَتْ أمة اليونان وانتشرت

آراؤها بيننا من غير إضمار

فريد وجدي ومن ضاهاه من فئةٍ

تبعتمُ حذو آثار لأثار

باثرهم صرت محتارا كجدتهم

كالعُمْي يقتادها مفقود إبصار

ما أنت إلا ذباب طنَّ ي أذني

هَل عاق ذلك اقبالي وإدباري؟

أو أنت عكرمة ترى التحليق من حمقٍ

قد غَرّها نقر عصفور بمنقار

وما علمت بأن النوكِ يحملكم

للأخذ من طائر الشاهين بالثأر

لا تحسب العلم كالخاتم من ذهبٍ

أو حلة زانها هزناع قصار

ص: 604

العلم صعب ولكن ليس يدركه

إلَّا فتى في دياجي الليل سهَّار

هذا الجواب وإن دبت عقاربكم

فالنعل حاضرة من غير إحضار

قصيدة الشيخ صالح ابن عثيمين في تهنئة الملك عبد العزيز في انتصاره على الأعراب في سنة السبلة عام 1347 هـ وجدتها بعد تحرير ما سبق كاملة عند بعض الإخوة:

اهذا ضحى عيد يلي ليلة القدر

ام البشر أن الدين قد حف بالنصر

لقد جاءت البشري بأن ذوي الهدى

أبادوا العدا من ذي الخيانة والمكر

فكاد لها عقلي يطير مسرة

وبادرت نحو الأرض لله بالشكر

لك الحمد يا من لا يخيب آملا

كما أنت أهل الحمد يا والي الامر

لقد كنت أوعدت الطغاة مذلة

وإن بلغوا عَّد الجراد من النشر

ولكن وعدت المتقين وإن بلوا

ليجزوا بما قاسوه بالفوز والظفر

فصار كما أوعدتهم ووعدتنا

ففزنا وباعوا بالعناء مع الخسر

أراد بغاة أن يعيشوا بديننا

وان يفسدوا في الأرض في البر والبحر

وأن يستبيحوا مالنا ودماءنا

وان يهتكوا ما للعباد من الستر

فقام إمام المسلمين يؤمهم

وناداهموا حيا على أمة النكر

اجيبوا الذي قال اشتريت نفوسكم

بجنات خلد لا تبيد مدى الدهر

فبيعوا فما وازى الشهادة رتبة

ومن يعشق الحوراء يبذل للمهر

فان نقتلوهم تظفروا بسعادة

ويشقوا اليس الجبن قاصمة الظهر

أجابوه في لبيك فالكل بائع

على الله لا يبغي جزاء سوى الأجر

النصر دين الله فامض لما ترى

ولا تبتئس فيما اتت عصبة الشر

فمن لم يمت قتلًا يموت بغيره

ومن لم يجاهد ذل في ربقة الأسر

فقال سندعوهم إلى سبل الهدى

عسى أن ينيبوا للنصوص وللذكر

ونادى بهم يا قومي ائتدوا ولا

تشقوا عصا الإسلام بالبغي والدعر

ص: 605

وهذا كتاب الله يحكم بيننا

وسنة هادي العالمين من الكفر

وان تقصدوا مالا فمدوا يديكموا

إلى ما تريدوا من عروض ومن تبر

فلم يرعووا عن غيهم وضلالهم

فقال واني بعد هذا من النذر

فصال عليهم صولة فأبادهم

كأن لم يكونوا بالمهندة البتر

وسلَّ بهاتيك اليمين مصممًا

لهم تقذف الأمواج شعلا من الجمر

واسقاهموا كأسا من السم ناقعًا

فأسكنهم بعد الفضا ظلمة القبر

وصاد أسود الخيل وهي عديدة

وكَرَّ بهم إذ أحجم الأسد عن كر

فبين قتيل أو طريد مشرد

وبين كسير ليس للكسر من جبر

وكل رئيس مد عنقًا تطاولا

إلى الملك صار العنق من بعد للجزر

وأضحى صريعًا بين أظفار ضيغم

وافلاذه دارت على التاب والظفر

وباقيهم ظلوا يتيهون لو بقوا

لا لحقهم رغمًا بسيدهم عمري

وأجلاهموا في رغمهم عن ديارهم

وما ظنهم هذا يكون إلى الحشر

فيا ساعة فيها الثكالى جيوبها

تشق ولكن مفرح الذيب والنسر

سلي الخيل عن فعل النهيك بحاقط

تجد عضبه قدابهم الجون بالشقر

هزبر إذا ما قد رأته تفردت

تطير إذا انحت بأجنحة الكدري

وما نكلها يسطاعها بأعنة

من الروع فرت كالظليم من الذعر

فيا معشر الإسلام طرًا هنيئكم

بنصر يحل المغلقات من الامر

هلموا قنوتًا في بقاء سميدع

أزاح ظلام الظلم كالليل والفجر

جواد خضم أريحي منجد

حسيب قفا اصلاهموا منيع الفخر

وتابعه في كل هذا سلائل

فأخلاقهم بالدر أن قستها تزري

لقاصده سهل الجناب وللعدا

يجرع كاسات أمر من الصبر

حمى الدين والدنيا جميعًا عن الخنا

وصانهما عمن بغي بالقنا السمر

واظهر دين الله حسب كتابه

وللسنة الغراء يقفو على الإثر

وبالخلفاء الراشدين له اقتدا

ولم يرض خلفا في ذراع ولا شبر

وأوهب كل المذنبين نفوسهم

العفو واحسان عليهم مع القدر

ص: 606

وقابل بالرفق الضعيف تكرمًا

ولاقى بعز القهر طائفة الكبر

فان تفتخر فرس علينا بقيصر

فخرنا به في رفعة الانجم الزهر

وان قدمت روم هرقل بحلبة

يجيء سكيتًا في الورود وفي الصدر

ولو كان في نادي الوفاء سموؤل

يوافي وفا الشهم ارتضى سمة الغدر

وما اجتمع الاثنان إلا لواحد

كعلم ومجد ثم حلم مع القسر

وقد كان معن في السخاء وحاتم

فرادى ولكن ذاك في العد لا النثر

فلو أن أرباب الدراري بكفه

دروا لا كتفوا عن خوضهم لجج البحر

وان خضت في بحر الفصاحة لا تقل

لسحبان إلَّا صاحب المعنى والحصر

فدونك يا عبد العزيز لمخلص

لدولتكم بالنصح في السر والجهر

دعاء بإخلاص للوداد فدمتم

ولا زالت الأقدار في حكمكم تجري

ولا زلت محروس الجناب موفقًا

لاخماد نار البغي بالذل والقهر

ولا زلت أن عد الملوك برفعة

كفاتحة القرآن يا زينة العصر

ولا زال نادي المسلمين معطرًا

يدم عزه في ذكركم فائح العطر

وهاك قريضي قد أبان انتقاده

وجاء على استحيا كخود من العذر

يقبل أرضًا خالعا لنعاله

وحليته عقد التنصل في النحر

وها أنا ابدي العذر يا خير من أتت

إليه مطي الوافدين فخذ عذري

فما أنا حسان. ولا ابن ربيعة

ولكنني أبديت ما صاغه فكري

فهذا وأني في حوادث شتت

لي الذهن ثم القرن في رابع العشر

وافات دنيا ثم ضيق معيشة

السبع وعشرين مضت من سني عمري

سيقبل عذري كل حر وان يكن

قريضي لما قدمت هذيا لذي سكر

وما صغت هذا للقراء فإنني

به مظهر من ودكم للهوى العذر

اقر بأني كالطفيلي بمدحكم

فمن لي بما آفي بما قلت في الشعر؟

فلو أن بدر التم ابعثه لكم

قريضًا وباقي النجم في عنق الشعر

علمت قصوري في المديح وانني

اسود قرطاسا من الشعر والنثر

ولكن هذا ما اطقت ومن اتى

بما عنده فالعفو من شيم الحر

ص: 607

اتتك قصيدي مثل حسناءَ غادة

وقد صنتها عن أن يحام حمى الخدر

بساحتكم تلقي العصا وفريدة

وفيها فقد ترمي اللثام عن الثغر

فان تقبلوها يا سعادة حظنا

وان ترجعوها فالأسى لي مع الخسر

وخذ عدها سبعون بيتًا وخمسة

بمدحكمو كالمسك فائحة العطر

وصل إلهي كلما هبت الصبا

وما أض برق فوقه وابل القطر

على أحمد المختار من نسل هاشم

وآل وصحب ما أضاء سنا البدر

ولما انتهت ارخ لشعر مهذب

وفي الكاف من شوال فاستفت من يدري

وقال الشيخ صالح بن عثيمين في رثاء زوجته وهي ابنة أحمد بن ناصر آل ابن ناصر من أهل بريدة وقد توفيت في عام 1356 هـ في بريدة وخلفت له ابنه منها محمدًا الذي أصبح الآن مفتشًا في وزارة الداخلية وكانت سنه عند وفاة أمه سنة واحدة فقال صالح بن عثيمين يرثي زوجته ويخاطب والد زوجته حمد بن ناصر فيكنيه بأبي ناصر، قال:

مصاب عظيم منه الزمني سهدي

وسالت له مني الدموع على خدي

أتاني كتاب في خلال سطوره

وجدت لهيب الحزن مشتعل الوقدِ

به نار حزن أضرمت بجوارحي

وما حرّها أرجوله برجا بردِ

به نعي من لو أن روحي لها فدا

لكنت لها مع طيب نفسي لها أهدي

يقولون: ن الحر لم يَنْعَ زوجة

فقلت: ولكن نعيها واجب عندي

إذا أنا لم أنعي شقيقة مهجتي

فمن ذاك جهدي آتي له جهدي

يقولون: كم في الناس تدرك مثلها؟

فقلت: وأما غيرها ففي جنة الخلدِ

فيا عظم ما بين النساء وبينها

من الفرق فليهنأ بها داخل اللحدِ

هي الفرق من بين النساء محسنٌ

فذاك جمال فائقٌ مخجل الخردِ

فمن خلصائي كمثل (تهوا وبا)

ووافيت منها الإنشراح بما تسدي

قصيرة طرفٍ بل قصيرة رجلها

وما كان يرضي زوجها فله تسدي

تظل إذا كل الورى لدّ في الكرى

بمحرابها تتلو دعا الواحد الفردِ

ص: 608

وما هذا الذي مما حوته أعدّه

فتلك خصال قد تزيد على العدِّ

فيا ربّ إني للقضاء مسلمٌ

وها ما جرى قابلته ربِّ بالحمد

فحمدي لك اللهم حمدًا مواصلًا

على السر والضراء (لها وما تسدي)

علمت بأن الأمر لا شكّ نافذ

وأن القضا لا بد يجري على العبدِ

وأن الرضى فيه الرضيُّ أو متى

جزعت فلن أظفر بشيء من الجدّ

فلو جزعي في الأمر أصبح نافعي

لكانت تآبيني تنيف على الحدِّ

وأبديت ما أكنت مما لو أنه

بطود لأذى الطود في الدكِّ والهدِّ

فيا نفس قد مات النبيّ وبعده

فما للورى من جرعة الموت من بدِّ

وما منه ينجو من على الأرض (قاذفًا)

ولا الشيخ والطفل الذي لفَّ بالمهدِ

فمن ها هنا سلَّمت أمري لخالقي

رجاء الجزا يا رب كن منجز الوعدِ

أبا ناصر جاء العزا بكتابكم

ولكن عزاء بافتقادٍ فما يجدي

فإن افتقادي والتياعي وروعتي

تزيد إذا أبدى العزا ساكنو نجدِ

أبا ناصر بالله قرة عينها

وعند الذي منا له خالص الودِّ

عليك حبيب القلب نجلي محمدًا

أبا ناصر أحسن إليه على بعْدي

فطفلٌ صغيرٌ أمه داخل الثرى

وغاب أب قد فاته طالع السُّعْدِ

أبا ناصر وهل تدري مقام محمد

ومنزله ما بيننا سالف العهدِ

فقد طال ما في الصدر ليلًا ضممته

ومن فرط شوقي فالوساد له زندي

كذا أمه أضحى سريره حجرها

تقلبه شوقًا على الصدر والنهد

فما حاله من بعدنا مستقيمة

ولو كان يُسقى الحب دوما مع الشهد

سألت إلهي بعد ذا جمع شملنا

فقد حلَّ بي داء من الوجد والبعدِ

لعلي إذا عاينتُ شخصه تنطفي

به الحزن والنار التي أحرقت كبدي

فيا ربِّ فاغفر للفقيد الذي غدا

بقبر لقي اللهم من جملة الوفدِ

وعوِّضه عن ذاك الشباب برحمةٍ

ففيه لما يرضي لقد جاء بالجهدِ

ولا تجعلنَّ ذنبي يباعدُ بيننا

ففي عفوك اللهم لي منهج الرشدِ

ص: 609