الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لذلك لم نجد عندهم عناية بالأصل القديم الذي تفرعوا منه، ولا البلد الذي جاءوا منه إلى منطقة القصيم، والمراد كيفية مجيئهم وسببه، وتاريخه، إلا ما رووه متفقًا مع ما يعرفه أهل الوشم الذي كانوا فيه قبل مجيئهم إلى القصيم وهو أنهم كانوا في (أشيقر في منطقة الوشم، وأنهم من (آل أبو عزام) وهذه أيضًا أول ما سمعت بها من أناس من أهل الوشم ثم صدقها المهتمون بذلك من (المشيقح) وأبناء عمهم.
وقد رجعت إلى بقايا (آل أبو عزام) الذين بقوا في الوشم ومن أهمهم بالنسبة إلي الشيخ عبد الله بن إبراهيم العبودي - هكذا اسمه مطابق لاسم أسرتنا - ولكنه من (آل أبو عزام) الذين منهم المشيقح يقينا وهو شيخ كبير القدر آخر ما عرفت عنه أنّه يشغل المرتبة الرابعة عشرة، وهي مرتبة وكيل الوزارة المساعد، ويعمل باحثا في رئاسة الإفتاء والدعوة والإرشاد التي كان يرأسها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
فلم أجد عندهم إلَّا ما ذكرته فيما سبق.
رحيل أوائل (المشيقح) من أشيقر إلى عنيزة:
يجب الانتباه إلى أننا نقول هنا (المشيقح) للتعريف وإلا فإنهم عندما رحلوا لم يكونوا يسمون المشيقح، وإنما كانوا يقال لهم (آل أبو عزام).
رحلوا إلى عنيزة، وليس لدينا تاريخ موثوق به يحدد تاريخ رحيلهم مثل غيرهم من الأسر التي لا يكون بين أبنائها مؤرخون أو كتبة مهتمون بتسجيل أخبارهم، ولكننا نفترض من القرائن وما لدينا من المعلومات الصحيحة فنقول إنّ هجرتهم من أشيقر إلى عنيزة كانت في القرن العاشر أي في عام 950 هـ على وجه التقرير.
وقد سلكوا في الهجرة إلى عنيزة مسلك كثير من أهل الوشم الذين يهاجرون من أشيقر إلى عنيزة في ذلك الوقت كأسرة آل بسام والقاضي.
وقد بقوا في منطقة عنيزة نحوا مائة وخمسين سنة أو نحو ذلك كما سبق توجيهه.
وقد حصلوا أثناء ذلك على ثروة مكنتهم من شراء أملاك وعقارات كانوا أجروها أو صبروها بعد ذلك، وبقيت معروفة إلى عهد قريب، حتى بعد أن صار المشيقح أغنى أغنياء القصيم.
وكانوا يعتبرون ريع تلك العقارات وهو ربع قليل للأسرة كلها أي للمشيقح وللأسر المتفرعة معها أو التي هي من أبناء عمهم التي تفرعت مثلها منهم عندما كانوا في عنيزة.
حدّثني عبد الكريم بن عبد الله ابن التاجر الثري عبد العزيز المشيقح أن محمد الحميّد - بتشديد الياء - عندما كان تاجرًا جمالًا بين بريدة وعنيزة كان يأتي إلينا بصبرة أملاكنا في عنيزة.
أقول أنا كاتبه محمد العبودي: لقد عرفت محمد بن حميد السعد المذكور وهو من آل خويطر جَمَّالًا لديه إبل يتنقل بين بريدة وعنيزة ولكنه كان تاجرًا أيضًا يبيع لنفسه ويشتري.
وذلك في حدود سنة ستين وثلثمائة وما قبلها وما بعدها بقليل، وهذا أمر ثابت حتى إنّ واحدًا من (المبيريك) وهم الملقب (أبو نصرة) أخذ وكالة من المشيقح ليطالب بتلك الأملاك ليستعيدها وقد أصبحت ذات قيمة، ولكنه لم يستطع، ربما لكونه لم يستطع تحديدها أو لم يستطع أن يجد الأوراق التي تحددها، أو لم تكن مدة الصبرة فيها قد انتهت.
ولا يزال المشيقح يذكرون أبنية عديدة في عنيزة واقعة في أرضهم القديمة حتى قالوا لي: إنّ جامع عنيزة الكبير كانت أرضه من أملاكهم، أو قالوا من أوقافهم، قدموها للذين بنوا المسجد.
وهذا يدل مع ما عرفناه بالاستفاضة على أن المشيقح صاروا أهل ثراء في عنيزة فيما كانت أجورها أي صبرتها معروفة إلى عهدنا.
والصبرة هي الأجرة القليلة العقار لمدة طويلة، وأهل عنيزة بالذات معروفون من بين مدن القصيم وقراه بطول مدة الصبرة المذكورة عندهم حتى وقفت على صبرة مدتها ألف سنة، في مقابل أجرة تدفع سنويًا، إمّا أن تكون نقدية، أو بعروض كالقمح والشعير.
أما الإيجارات لمدة خمسمائة سنة ومائتي سنة فإنها شائعة وهي الصبرة.
وأخبرني أحد آل مشيقح أن أحد العقارات انتهت (صبرته) وهي مدة إجارته الطويلة، وأن المشيقح أجروه أيضًا مدة طويلة لمدة مائة سنة، أو أكثر من ذلك قليلًا، وقد أفادتني هذه العقارات فوائد منها أن إقامة أوائل المشيقح الذي يجب أن نعود ونذكر بأنهم لم يكونوا يسمون المشيقح في ذلك الزمان قد أقاموا في عنيزة طويلًا حتى أثروا وتملكوا عقارات فيها، لأن طبيعة الاقتصاد وضيق المعيشة، وقلة الثروة لم تكن تسمح بأن يتملك المرء العقارات من الأراضي الزراعية والنخيل وحتى البيوت وغيرها بسرعة.
ولكن الفائدة الكبيرة لها بالنسبة إلينا من الناحية العلمية التاريخية أنهم كانوا ملكوها قبل أن يتفرعوا إلى تلك الأسر العديدة التي نعرفها الآن، لأن عبد العزيز بن حمود المشيقح رحمه الله وهو الذي ولد في عام 1290 هـ؛ وتوفي في عام 1372 هـ. كان يقسمها بين المشيقح وبين الأسر التي هي أبناء عم لهم كما سبق نقل ذلك عن (الهاشل) فدل ذلك على أن تلك الأسر الكثيرة كان أصلها واحدًا في عنيزة أي عندما كان أوائلهم في عنيزة، وأنهم تفرعوا بأكثريتهم في بريدة، وأن قليلًا منهم وجدوا في عنيزة.
ولكن الوثائق المكتوبة فضلًا عن الروايات الشفهية وما يتبادر إلى الذهن أن
المشيقح عندما هاجروا من عنيزة إلى بريدة كانوا أسرة يتقدمها المبيريك والحلوة، فقط مما يقوي القول بأنهم تفرعوا إلى أسر عديدة في بريدة.
وإن ذلك تم بطريقة مشابهة لما نراه اليوم من كثرة نسل المشيقح، وتفرعهم إلى فروع عديدة.
حدّثني سليمان بن عبد الله بن مشيقح قال: حدثنا أهلنا عن جدنا مشيقح بن عبد الله المبيريك الذي هو جد المشيقح قوله: إنّ عدد أسرتنا أسرة المبيريك وأبناء عمهم (الحلوة) يبلغ ستمائة شخص.
وهذا أمر لا يكاد يصدق في ذلك الوقت، ولكن المشيقح مثلهم في ذلك مثل (التواجر) - التويجري - كثيرو النسل سريعو التفرع.
ومعلوم لنا أن (مشيقحًا) المذكور عاش في النصف الثاني من القرن الثاني عشر والنصف الأول من القرن الثالث عشر.
وقد وقفنا لحسن الحظ على وثائق توضح أن أوائل المشيقح الذين هم آل أبو عزام عندما وصلوا إلى عنيزة كانوا تفرعوا عندما غادروها إلى بريدة إلى فرعين اثنين كبيرين أحدهما فرع المبيريك الذين تفرع منهم المشيقح والثاني فرع الحلوة الذي تفرعت منهم عدة أسر، فصاروا يقال لهم (الحلوة) و (المبيريك) ونسي اسمهم القديم (العزام) أو (آل أبو عزام).
لذلك تنازعوا في مقدار نصيب كل فرع من الفرعين المذكورين في أجرة العقار أو الفلاحة المسماة (أم حمار) التي كانت لأسلافهم في بريدة وتخاصموا في ذلك إبان حكم حجيلان بن حمد عند قاضي بريدة الشيخ عبد العزيز بن سويلم، وذلك يكون في العشر الثالثة من القرن الثالث عشر.
وقد خلصوا أي انتهت الخصومة بينهم على أن تكون بين الفرعين أنصافًا، نصفها لآل مبيريك الذين منهم المشيقح، ونصفها الثاني للحلوة.
وهذا يدل على قدم عهدهم في عنيزة، إذ صاروا في ذلك الزمن البعيد بالنسبة إلينا الآن لا يعرفون أي أجدادهم أقرب أو أحق بتسلم القسم الأكبر من الصبرة، وهي الأجرة من النقود على العقار.
وذلك التنازع في عقار لهم واحد هو المسمى (أم حمار) وإلَّا فقد ثبت لنا بوثائق عديدة أنّه كانت لهم عقارات عديدة غيره.
وقد ثبت هذا بوثيقة تضمنت شهادة محمد الإبراهيم الضبيعي على شيء حدث قبل زمن شهادته بسنوات كثيرة، ولكنه يعرفه وهو ثقة حسبما جاء في الوثيقة.
وهذا صورة الوثيقة ثم نقلها بحروف الطباعة لتسهيل قراءتها على من لم يعتد على قراءة المخطوطات القديمة.
"بسم الله الرحمن الرحيم
شهد عندي محمد الإبراهيم الضبيعي بأن الحلوة والمبيريك تخاصموا عند عبد العزيز السويلم من جهة صبرة أم حمار المعلومة الكائنة في بلد عنيزة وخلصوا على أنها بين المبيريك وبين الحلوة أنصاف، وفي حال شهادة محمد
أنّه صحيح العقل والبدن ظاهره عندي العدالة، وذلك في شهر جمادى الأول من سنة 1283 هـ كتب شهادة محمد عن أمره عبد الله بن شومر ومن المذكورين المتخاصمين زايد ونمر، وحاضرهم من المبيريك هاشل ومشيقح وحمد وناصر هؤلاء الذي حصل على إيدهم المخلاص هكذا لفظ محمد المذكور لتعيينهم كتب شهادته عن أمره عبد الله بن شومر.
أيضًا شهد عندي حمد العبد الله الضبيعي بأن الحلوة هم والمبيريك تخاصموا عند عبد العزيز بن سويلم من جهة صبرة أم حمار معلومة الكاينة في بلد عنيزة وخلصوا شرعًا لا فصيلة أنها بينهم أنصاف والظاهر لي من شهادة المذكور أنها عن معرفة من عقله وذلك في شهر جمادى أول سنة 1283 هـ. كتب شهادة حمد عن أمره عبد الله بن شومر، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم".
وهذه الوثيقة تضم شهادتين لرجلين من أسرة الضبيعي التي اشتهر رجال منها بطول العمر، الأولى: شهادة من محمد بن إبراهيم الضبيعي، وقد عدله كاتب الوثيقة بأنه كان في حال شهادته صحيح العقل والبدن وظاهره عنده العدالة، وهذا يستدل به على أن الرجل حال إدلائه بشهادته كان كبير السن لما ذكره الذي لا يكون في الغالب إلَّا إذا كان في سن أو هيئة تخالف ذلك، كما ذكر علماء الأصول أن الإطلاق في عباراتهم لا يأتي إلَّا في مقابل تقييد موجود في الذهن أو في الورق.
وتاريخ كتابة شهادته في شهر جمادى الأولى من عام 1283 هـ ولكنه مسن بلا شك عندنا.
ومن اللطيف الطريف المفيد أن كاتب الشهادة أفاد بأنه كتب شهادة محمد بن إبراهيم الضبيعي أمام المذكورين المتخاصمين، وقد حضر من (الحلوة) زيد ونمر وظني أنّه يريد (زايد) لأنه المعروف لنا أنّه من الحلوة، وأما نمر فإنه
منهم بلا شك وقد صار والد أسرة منهم سيأتي ذكرها في حرف النون، مثلما صار زايد رأس أسرة من الحلوة تقدم ذكرها في حرف الزاي.
وحضر من (المبيريك) وهم الفرع الثاني: هاشل الذي هو جد الهاشل ومشيقح وهو مشيقح بن عبد الله المبيريك رأس أسرة المشيقح كلهم، ثم قال:(وحمد وناصر) هؤلاء الذين حصل على أيديهم المخلاص.
ثم قال الكاتب وهو عبد الله بن شومر رحمه الله: هكذا لفظ محمد المذكور لتعيينهم، كتب شهادته عن أمره عبد الله الشومر.
وتحت هذه الوثيقة وثيقة أخرى تثبت شهادة رجل آخر من أسرة (الضبيعي) نفسها والشاهد هو حمد الضبيعي، وهو معروف لنا حقّ المعرفة، فهو شخص مهم عارف بالأمور المتعلقة بالعقارات والأراضي وقسمتها، وقد وصل إلينا من ذلك عدة مخالصات، ومصالحات بخطه الرديء، وهو يتكلم عن أشياء حصلت له في زمن إمارة حجيلان بن حمد وزمن قضاء الشيخ عبد العزيز بن سويلم الذي مضى عليه عندما أدلى بشهادته هذه عام 1283 هـ خمسون سنة.
وزادنا بأن الفرعين المتخاصمين خلصوا شرعًا لا فصيلة، وأنها بينهم أنصافًا ثم قال الكاتب: والظاهر لي من شهادة حمد المذكور أنها عن معرفة من عقله وذلك في شهر جماد أول سنة 1283 هـ كتب شهادته عن أمره عبد الله بن شومر.
أقول: لم يتضح لي كون الفرعين المتنازعين خلصوا أي انهوا الخصومة بينهم شرعًا لا فصيلة، والفصيلة هي الصلح، إذ كيف للحاكم الشرعي معرفة أمور مضت عليها مئات من السنين إلَّا إذا كان بلغه ببينة واضحة من شهود عدول أن القوم كان أجدادهم يأخذونها أنصافًا في القديم.
ويؤيد ما قلناه من عراقة وجود أسلاف المشيقح في عنيزة وأنه مضت عليه مئات السنين أن بعض الأملاك التي لهم عندما كانوا في عنيزة سواء
أكانت أوقافًا أم أملاكا شخصية، والظاهر الأول، كانت انتهت صبرتها الأولى التي يحكم العقل والمعرفة بطبيعة تأجير أمثالها وتصبيرها أنا لمدة مائة سنة على الأقل، وربما تكون أكثر، فقد انتهت مدة إجارتها وصارت مطلقة غير مؤجرة حتى استأجرها منهم علي الصالح بن قدهي في وثيقة كتبها قاضي القصيم الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم إبان أن كان موجودًا في عنيزة، وقبل أن يصبح قاضيًا رسميًا.
وذلك بتاريخ 1289 هـ.
ويجب أن ننقل هذه الوثيقة إلى حروف الطباعة ثم نتكلم على ما يحتاج منها إلى كلام، وربط ذلك بصورة لها نفسها كما كتبها كاتبها رحمه الله.