الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صالح بن عبد العزيز المشيقح هو ثالث الثلاثة الكبار من أبناء الزعيم الوجيه عبد العزيز بن حمود المشيقح وهم عبد الله وحمود وصالح وكانوا أصَّلوا وتحروا ثروة المشيقح الكبيرة.
ومع أن صالحًا ليس في درجة أخويه عبد الله وحمود في طلبة العلم وحفظ القرآن الكريم، ولكنه طالب علم عاش المحيط العلمي الذي يعيش فيه المشيقح من أبناء عبد العزيز الحمود وأبنائهم.
وقد وكلت الأسرة إليه العناية خاصة بالعقارات والأملاك الزراعية التي لهم وهي كثيرة وتحتاج إلى عناية وصبر.
ولكن المشيقح لا ينقصهم الصبر، والحكمة في الهدف الذي إذا سعوا إليه حققوه.
وقفت على ترجمته لصالح بن عبد العزيز بن حمود المشيقح بقلم ابنه الأستاذ عبد الرحمن نشرها في (مجلة صلة) التي تصدرها أسرة المشيقح، فلخصتها فيما يلي:
الشيخ صالح بن عبد العزيز:
التقت رجل الثراء والشهرة في زمانه جدنا الوجيه الشيخ عبد العزيز بن حمود آل مشيقح رحمه الله تعالى يرصد ما حوله من مهام بعدما اتسعت دائرة شهرته وتجاوزت حدود منطقته وازدادت وتنوعت آفاق تجارته ليجد جملة من المسؤوليات والأعمال التي تتعاظم في حياته العملية يومًا بعد يوم مع ثروته الطائلة والمتميزة، فأدرك أن ذلك جميعه يتطلب عددًا من الكوادر البشرية القادرة والمخلصة لإدارة تلك الأعمال والإشراف عليها وتغطية احتياجاتها المتزايدة، فالبيت الكبير الذي يقطنه قرابة المائة والعشرين فردًا معًا يمثلون مجموعة أسر في أسرة واحدة له احتياجاتها اليومية ومتطلباته المتعددة، والتجارة المتفرعة المتزايدة في حجمها تقتضي التواصل مع التجار والتمويل والتدقيق في الحسابات لإبراء
الذمة وحفظ الحق، كما أن العلاقة المتأصلة مع وجهاء وأعيان المجتمع في المنطقة جميعهم وفي خارجها ومع رجال الدولة الناشئة الفتية الذين يكن لهم كل حب واحترام وتقدير ويربطه بهم علاقة وفاء وصداقة متأصلة لها ترتيباتها وإجتماعياتها، والمزارع ذات المساحات والمواقع المتعددة تتطلب إدارة خبيرة وأمينة وإشراف وتواجد ومتواصل مع كل موسم زراعي.
وفق جدنا عبد العزيز رحمه الله في توزيع تلك المهام والمسؤوليات على أولاده الشباب المحيطين به وذلك وفقًا لقدراتهم واستعداداتهم، فمنحهم مطلق الصلاحيات والاستقلالية في مهامهم، كما ترك لهم فرصة التقييم والمعالجة والتطوير في المنهج والأساليب، فانطلق كل واحد فيهم يدير العمل وكأنه تحت ملكيته الخاصة مع التأكيد والتشديد على عامل الإلفة والترابط والإحترام المتبادل بين الإخوة جميعًا.
فالوالد صالح بن عبد العزيز رحمه الله على سبيل المثال - قد تولى عدة مهام، وتحمل جملة من المسؤوليات في حياة والده ومن بعد وفاة والده يمكن وصفها بالمهام الصعبة، فقبلها بكل رضا وبقدرة وتحمل لتبعاتها دون تذمر أو تقصير في أداء تلك المهام.
حتى أن هذه المهام بمجموعها قد أثرت على طبيعة حياته العامة وصبغت سيرته بنوع من الجدية قضت على كل عناصر التسلية والفراغ لديه.
بالوقوف على بعض من معالم سيرة الوالد الشيخ صالح بن عبد العزيز بن حمود المشيقح رحمه الله تعالى نجد أن حياته كانت حافلة بالعطاء المتميز وبالخبرة الثرية لحب العمل المتواصل، حتى أن تلك المهام والمسؤوليات قد أخذت من كل ركن في حياة الأسرة الكبيرة بطرف بارز.
يعتبر الوالد صالح بن عبد العزيز رحمه الله تعالى الإبن الثاني في الترتيب بين إخوته، ولد في عام ألف وثلاثمائة وخمسة من الهجرة النبوية الشريفة، وعاش ثلاثًا وسبعين سنة، حيث توفي عام ألف وثلاثمائة وثمان وسبعين بعد صراع ومعاناة مع المرض.
وفي آخر أيام مرضه جاء الأمر السامي من الملك سعود بن عبد العزيز بعلاجه في خارج المملكة العربية السعودية فتوجه فريق طبي من العاصمة الرياض لمنزل آل مشيقح ببريدة ورافقه الفريق الطبي في نقله بطائرة إلى الرياض وبقي فيها أيامًا في مستشفى الشميسي لاستكمال الفحوصات الطبية له وكان أكبر مستشفى في الرياض، وتواجد معه في المستشفى أبناه عبد الكريم ومحمد ثم سافر بعد ذلك إلى مصر رافقه في سفره لمصر أكبر أولاده علي فبقي بها مدة غير طويلة حتى توفاه الله تعالى وفن فيها وجاء خبر وفاته في إذاعة صوت العرب بالقاهرة.
لقد نشأ الوالد صالح بن عبد العزيز رحمه الله في بيت يقدر العلم وأهله فتتلمذ على عدد من المشائخ المشهورين في عصره، وكان من أبرز هؤلاء المشائخ والعلماء من تتلمذ عليهم الشيخ عبد الله بن محمد آل سليم وأخوه الشيخ عمر بن محمد آل سليم وكذا الشيخ عبد العزيز العبادي رحمهم الله جميعًا، فقرأ عليهم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وبعض الأحكام الشرعية وقواعد اللغة العربية إضافة إلى حضوره حلقات الدروس العلمية التي كانت تعقد في منزل والدم مساءً.
وبعد انتهاء مرحلة التتلمذ الأساسية انتقل لميدان العمل بكل رغبة وحماس، حيث بدأ العمل.
كانت المهام التي مارسها الوالد رحمه الله في حياته العملية متعددة المجالات فهي تجمع في طبيعتها بين أسلوب التعامل والتواصل مع أعيان
المجتمع، حيث أوكل إليه مهمة فض المنازات في ممتلكات والده من الأراضي الشاسعة مع الغير وفي استخراج حجج الاستحكام لكافة العقارات المتشعبة بكافة المواقع وبكل ما فيها من مشاكل وخصومات متعددة وتجهيز للأوراق، وسلك في تعامله مع الخصوم أسلوبًا موضوعيًا ومعتدلا يقوم على التوجه الموضوعي في العرض، يحاكم نفسه قبل محاكمة الغير ويستقبل في الجلسة تجاوزات وأخطاء بعض الخصومة فيفرغها دون انفعال.
بل كان يحرص على استقطاب بعض إخوته الصغار وكذا أبناء إخوته ممن يتوسم فيهم القدرة والتمكن على المحاماة ويحثهم على حضور الجلسات وعلى متابعة المنازعات وتدريبهم على منهج المرافعات وعلى التحكم بالمشاعر أثناء المنازعات مع الخصوم.
ولعل أشهر القضايا التي خاضها بنجاح وتوفيق تصفية جميع أراضي الخبيب من المشاكل والتعديلات رغم كثرة عددها وكذا كافة قطع الأراضي الواسعة والمتعددة المواقع واستخراج حجج الاستحكام لها رغم كثرة الخصوم الذين ينازعون عليها، كما أنه يعتبر المسؤول الأول عن تجهيز قافلة الحج التي يرسلها جدنا عبد العزيز رحمه الله كل عام والتي كانت تجهز بالجمال وتدعم بالرجال وتزود بالمؤن والأطعمة وتستقبل كافة الراغبين من أفراد الأسرة ومن خارجها، ذلك أنه كان صاحب خبرة بأنواع الجمال وكافة أنماط السلع التموينية. كما أنه المسؤول رحمه الله عن تزويد المنزل الكبير للأسرة بكل متطلباته من المؤن بدءًا بمواد الغذاء ولوازم الطبخ وكذا كسوة الموسم من الملابس للصغير والكبير وانتهاء بالإشراف على أعمال الصيانة لمرافق المنزل.
ولأن المزارع كانت تمثل آنذاك مصدر التمويل الرئيسي للحياة من غذاء وسلع تجارية ومواد بناء وأجهزة تدفئة وقود ومراكز للتسلية والراحة وجلب الماء
وغيرها من مستلزمات الحياة فقد أوكل إليه مهمة الإشراف على جميع المزارع الخاصة بوالده وإدارتها لوحده وتوفير كافة متطلبات الزراعة وتزويد التجار المتعاملين مع الوالد من خارج المنطقة بالمنتجات الزراعية.
قابلت أحدهم في أحد الأيام وكان شيخًا هرمًا وبتعريف نفسي له أخذ يبكي بحرقة حتى أشفقت عليه، وسألته عن سبب بكاءه فقال لي ما مفاده: لن أنسى الأيام السعيدة التي قضيتها مع والدك صالح العبد العزيز رحمه الله، لقد كان صاحب خلق عال وعواطف نبيلة وسرد جملة من القصص والمواقف التي تؤكد معايشته له عن قرب ومدى ارتباطه الوثيق بحياة العمال ومساعدته لهم وتفريجه لهمومهم وقضاياهم.
لقد كان رحمه الله يمتاز بالحلم والأناة والصبر والقدرة على التحمل والإيثار على الذات، والبعد عن الثأر للنفس كما كان متواضعًا في حياته الخاصة لأقص درجات التواضع.
ولعل أبرز خصلة كان يمتاز بها هي البر والوفاء المتناهي لمن حوله من أقاربه حيث كان بارًا بوالده بدرجة بنسي معها نفسه، يهجر النوم والفراش مع مرض والده ويباشر الإشراف عليه بتطبيبه وتقديم الخدمات العلاجية له رافضًا أن يتيح لنفسه حالة التقزز خاصة مع إصابة والده رحمه الله ببعض الجروح المنتشرة في أغلب جسده نتيجة حساسية مفرطة في جلده، بل إنه كان يسعى لجلب الفرح والسعادة والسرور لوالده قدر استطاعته.
أما والدته رحمها الله فقد توفيت وهو صغير ولم يلحق بخدمتها، وبعد وفاة والده حزن عليه حزنًا شديدًا حتى أثر ذلك على صحته فيما بعد، على أنه لم يبق بعد وفاة والده سوى فترة قصيرة لا تتجاوز الست سنوات تقريبًا عاش معظمها مع مرضه الذي أصابه.
يذكر لي أحد أبناء عمي أنه عند قرب زواجه ذهب لوالده رحمه الله وطلب منه أن يساعده على تكاليف الزواج فقال له اذهب إلى عمك صالح يقول: رحمه الله فذهبت إلى عمي صالح ولن أنسى الموقف الذي أخذ بيدي للسوق واشتري لي ملابس بما فيها المشلح وقال لي ارجع لوالدك وخذ منه ما وعدك به.
بل أن تلك المعونات تخرج عن إطار الأسرة لتساند جار للأسرة فقير أو عامل محتاج انقطعت به السبل.
يروى أن أحد جيران مزارع الصباخ جاءته زوجته لتخبره بأنه قد انقطع الماء الذي يغذي مزرعتهم من بئر المشيقح فقال لها، لقد توفي الشيخ صالح العبد العزيز وهو لم يعلم بوفاته بوفاته وإنما ربط ذلك بغياب اهتمام الوالد صالح رحمه الله.
أما عن أسلوبه في تربيته لأولاده وفن التعامل معهم فكان أسلوبًا فريدًا متميزًا ينم عن حكمة وعقلية واعية ومدركة لطبيعة الشباب وخصائصهم، فقد سلك أسلوبًا يقوم على مبدأ غرس الثقة واحترام الذات وعلى توجيههم على الاعتماد على النفس، فرغم أنه كان يملك القرار بمنحهم المبالغ والإمكانات بسهولة ورغم أنه كان يدعم المحتاج من أولاد إخوته كما سبق إلَّا أنه لم يمارس هذا الأسلوب مع أبنائه بسبب قوة الورع ومحاسبة الذات، بل كان يوجههم على الاعتماد على النفس في النفقة حتى أنه التحق في آخر حياته ثلاثة من أبنائه بالوظائف الحكومية وكان لا يتدخل في وظائفهم أو أنشطتهم أو صداقاتهم ولا يرض أن يتدخل أحد في قراراتهم وحياتهم العملية.
كان رحمه الله صاحب رؤية سديدة بالرجال ومعرفة باتجاهاتهم وقدرة على استقراء بعض سلوكياتهم، كما جمع في سلوكه وشخصيته بين متفاوتين، فقد كان مهابًا إلى أقصى درجات الهيبة رغم رقة مشاعره وعاطفته الجياشة وتواضعه.
كان رحمه الله تعالى شديد الزهد وكان متواضعًا بدرجة ملفتة يجالس الفلاحين في مواقع عملهم وأماكن استراحتهم ويمازحهم ويتتبع أحوالهم وأشعارهم وأمثالهم فمن الأقوال التي قالها: (اليوم الجمعة عيد الفلاليح).
لم يتزوج رحمه الله تعالى بالمرأة الثانية إلَّا في آخر عمره عندما اشتدت رغبته إلى الأولاد وقد توفي وله من أولاد عشرة، ستة أبناء هم علي وعبد الكريم وسلميان ومحمد وعبد الرحمن وإبراهيم، ومن البنات أربع
ورغم تواضعه وكثرة مشاغله وطبيعة مهامه التي تتطلب الجهد فقد كان رحمه الله يحرص على النظافة في جسمه وملبسه يكتحل ويتطيب كل يوم ويلبس المشلح الرسمي في خروجه السوق خاصة في يوم الجمعة التي يخرج فيها للمسجد مبكرًا قبل النداء الأول بل كان شديد الكره للأطعمة والمشروبات التي تفتقر للنظافة ويعزف عن تناولها.
إن من علامات النجاح في حياة الرجل عامة ومن دعائم القوة في بناء وتجسيم شخصيته أن تأتيه المهابة دون تصنع لها.
وأحسب أن هذا جميعه قد تكامل في شخصية الوالد صالح بن عبد العزيز رحمه الله وإن استعراض الأمثلة والشواهد التي يرويها محبوه ومعاصروه.
رغم ملازمة المرض له مدة طويلة إلَّا أنه لم ينقطع عن العمل أو ينعزل عن الناس بل غالب المرض واستمر في عمله وكان رحمه الله يرفض مراجعة المستشفى لا خوفًا ولكنه الورع حتى قال لمن حوله ممن ألح عليه بدخول المستشفى إنه يكره أن تباشر متابعة علاجه ممرضة أجنبية عنه فقالوا له يمكن حل هذه المشكلة بأن يقوم البنك المرافق بإعطائك العلاج أما الإبر فيمكن تغطية وجهك عند أخذك إياها فقبل ذلك مكرها وتحت الضغوط خاصة عندما ازدادت حالته الصحية سوءًا.
عندما توفي رحمه الله بكاه الجميع بحرقة من داخل وخارج الأسرة.
رحمك الله يا والدي أبا علي رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته.
ومن المشيقح الشيخ القاضي: علي بن إبراهيم بن صالح المشيقح، تولى القضاء في بريدة، وشغل وظيفة مساعد رئيس محاكم القصيم حتى صدر الأمر بنقله على وظيفة خارج بريدة، ففضل التقاعد فيها على العمل خارجها.
كان فيه خصلة قلَّ أن توجد فيمن أدركته من طلبة العلم ومشايخه تلك بأنه كان في وقت الطلب وقبل أن يلي القضاء مولعا باقتناء الكتب المخطوطة، فإذا لم يتيسر له اقتناؤها نسخها بيديه وقد نسخ بيده على تلك الطريقة مجلدات كثيرة منها.
وهو أحد الأربعة الكبار من المشايخ في بريدة الذين رأيت أن نعينهم مدرسين في المعهد العلمي عندما كنت في عام 1372 هـ أمهد لفتحه في عام 1373 هـ وهم:
- الشيخ صالح بن أحمد الخريصي.
- الشيخ صالح بن عبد الرحمن السكيتي.
- الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي.
- الشيخ علي بن إبراهيم المشيقح
فأعددت لكل واحد منهم كتابًا وقعه صاحب السماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رئيس الكليات والمعاهد العلمية مضمونه الطلب إليه بأن يصبح أحد المدرسين في المعهد العلمي.
وقد تصورت من ذلك أن يكون ترغيبًا في المعهد وحافزًا لطلبة العلم المجيدين على الدخول فيه، لأننا سمعنا بل واجهنا من بعض الذين لا بصيرة لهم يسبون المعهد ويكرهون الدخول إليه، وقد أوضحت ذلك في كتاب (ستون سنة في الوظيفة الحكومية) وأقول هنا فيما يتعلق بالشيخ علي المشيقح إنني