الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه قصة الناقة المذكورة كما رواها ابن صاحبها لي بنفسه وكتبها كتابة هذا نصها:
قصة والدي مع سعفاء ذلوله الغالية:
يروي هذه القصة عبد العزيز بن زيد العجلان وهو صديق خاص لوالدي صالح بن محمد المعتقي (1) يقول عبد العزيز العجلان كان لصالح المعتقي ذلول طيبة جدًّا وغالية عليه تسوى عيونه يسميها سعفاء وطلب شراءها ناس كثير ودفعوا فيها مبالغ كبيرة في ذلك الوقت فرفض بيعها، وكانت معه في أسفاره في تجارة الإبل له ولرجل يقال له ابن غصن إلى الشام والغربية ومصر وما حولها.
وسعفاء لها صفات حميدة كثيرة ويقول العجلان إن لوالدك معها قصص ولف عجيبة منها أنها تعرف صوته إذا صوت لها فتأتي إليه وسط الناس ومنها أنه يتوسد يدها وهي باركة، وينام فتصد عنه في وجهها أي مكروه من الحنشل والسباع وحتي خشاش الأرض، وقد أنقذه الله بسببها من أمور كثيرة.
في يوم من الأيام كان والدك يبحث عن مراعي طيبة لتفلي به الإبل عدة أيام، وهي في طريقها إلى الشام فضل الطريق وبقي يومًا وليلة ونفد الماء الذي معه والوقت في أواخر أيام الربيع والجو حار ولحقه عطش شديد صار كل ما سارت سعفاء في اتجاه واستمرت قليلًا غير مسارها إلى اتجاه آخر يعتقد أنه الأفضل وهكذا فلما أحس بفقدان الوعي من العطش ربط نفسه على الشداد حتى لا يسقط من عليها وتركها وشأنها، وبعد يومين وردت به على الحيانية مورد ماء معروف في طرف النفود الكبير على طريق الشام فأنزله الرجال المجتمعون على البير ومرسوا التمر بالماء ونقطوا بحلقه شيئًا فشيئًا حتى أفاق.
(1) لقب الأسرة: المعتق، والمعتقي - بالياء - والأول هو الأصل.
ويقول عبد العزيز العجلان: في عام 1370 هـ فقدت سعفاء في العكيرشة شرق بريدة وهي ترعى هناك فبحثنا عنها بكل اتجاه حول البلد وسألنا عنها فلم نجدها فحزن عليها صالح حزنًا شديدًا حتى كأنه فقد أحد أفراد أسرته وكان صاحب قيام ليل وبعد أسبوع قلطت عنده بعد صلاة الفجر للقهوة كالعادة فقال لي إني عازم على المسير إلى الشمال قلبي يقول إن سعفاء هناك.
وبالفعل تجهز وركب رحول عنده واتجه شمالًا ولم يترك قطين بادية ولا مارد ماء على طريقه إلا تحسس، وسأل لكن دون جدوى حيث ورد على زرود مورد ماء معروفة على طريق عقيل وهناك تعرف على رجل يقال له حمود الشنيفي رجل كريم وشهم ومنازلهم في شامة زورد ويقول صالح إن معرفتي بهذا الرجل هي العزاء لي عن سعفاء فكان أغلى علي من سعفاء المباركة حتى في فقدانها فقد أكرمني وساعدني في البحث والسؤال عن ذلولي، وبقيت عندهم ثلاثة أيام ولم نجد شيء ثم طلبت الإذن للعودة إلى بريدة فحلف حمود أن أبقى ثلاثة أيام أخرى لعل الله أن يأتي بها أو تذكر وأنت رجل صالح وتقوم من الليل ونحن أوجسنا من وجودك عندنا بركة فوافقت على مضض.
ومرت خمسة أيام دون جدوى وفي ليلة السادس وضعت رأسي لأنام قبل آذان الفجر بساعة فرأيت رؤيا أن مجموعة كبيرة من الإبل ورأيت سعفاء في آخر الذود في منطقة المدرج عرفتها في الفيضة التي دون النفود بالقرب من قرية المدرج.
يقول صالح فصوت اسعفااااء بصوت مرتفع قمت على إثرها من النوم منزعجًا وقام بعض الرجال وأخذ حمود يواسيني ويهون عليّ وأنا أذكر الله وأحوقل فقالوا: وش اللي صار؟ فأخبرتهم الخبر فقال حمود هذا خير إن شاء الله.
قمنا وتوضينا وأذنا لصلاة الفجر وكان في صبيحة هذا اليوم موعد سفري والعودة إلى بريدة، وأنا لم أعير هذه الرؤيا أي اهتمام لأنني قلت في نفسي هذا من كثرة التفكير بالذلول.
وبعد ما تناولنا القهوة بعد صلاة الفجر قدمت لهم شكري على معروفهم وأني مهما عملت لا أستطيع رد الجميل لأن الذي يعمل المعروف ابتداء خير من الذي يعمله مكافأة واستأذنتهم بالعودة إلى بريدة.
فقال حمود والحلم؟ فقلت: أمرّها على طريقي تطييبًا لخاطره فقط، فقال لازم اذهب معك، فرفضت، وقلت: لا أريد تكليفك فحلف وأصر على الذهاب معي فذهبنا إلى هناك ولم نجد شيء ووقفنا على إبل كثيرة متفرقة سألنا عنها، ولم نقف على خبر وضاق صدري وحزنت من أجل حمود وتعبه معي لو أني لوحدي لكان أسهل.
ثم قلت لحمود لنذهب إلى الفيضة التي رأيت فيها سعفاء وبالفعل وصلنا إلى هناك فوجدنا أثر الإبل جديد له يوم أو يومين ووجدت أثر سعفاء تقفو الذود وأثرها فوق آثار الإبل فقلت لحمود صدقت الرؤياء ففرح فرحًا شديدًا يعادل فرحي أو أكثر ثم تبعنا الأثر حتى وجدنا إبلا كثيرة جنوب المدرج ووجدنا سعفاء هناك فصوت لها فأتت مسرعة وشمتني ووضعت رأسها على كتفي فبكيت وبكى حمود ثم أخبرنا أصحاب الإبل بأن هذه الذلول لنا فنهرونا وكاد يصلنا منهم شر فذهبنا إلى ابن مضيان أمير القرية وأخبرناه الخبر فدعاهم وأنكروا دعوانا وقالوا: إن هذه الذلول لهم وقال الأمير ما هو دليلك يا صالح المعتقي؟ فقلت بشهادة حمود الشنيفي وكذلك نخرج إلى الإبل جميعًا وأصوت لها إذا لم تأت فليست لي.
وبالفعل خرجنا جميعًا إلى الإبل نحن وابن مضيان ورجال معه وأصحاب الإبل فلما وصلنا إلى هناك صوت لها بصوت عالي فتركت الإبل وخصتن من بين الرجال وهي تحن حنينًا غريبًا ووضعت رأسها على كتفي كما فعلت في المرة الأولى فتأثر القوم وقال الأمير خذ ذلولك يا المعتقي ولا تذهبون حتى نقوم بالواجب ثم نأذن لكم وأمر رجاله أن يأخذوا قعودًا من هذه الإبل ويذبحوه عقوبة على أصحاب الإبل ويكون ضيفة لنا فكان يوم مشهود من أيام المدرج ثم توادعا من هناك وتفرقنا، وكان والدك يردد ويحدو في مسيره قصيدة في مطلعها هذه الأبيات:
يا حمود من عيّن اسعيفا
…
ذلولي من حسبة عيالي
كم نوبة وردت الحيفا
…
وانا على كوره العالي
يقول عبد العزيز العجلان وبعد وفاة الملك عبد العزيز رحمه الله عام 1373 هـ باع صالح المعتقي ذلوله المشهورة اسعفاء بالأحساء وكسر الشداد على ما يقولون ورجع إلى بريدة وترك الأسفار بالإبل.
وفي يوم من الأيام في عام 1378 هـ دخل صالح سوق الإبل ببريدة فوجد ذلوله يحرج عليها والرجال قد أكملوا الدورة عليها فعرفت صالح بالشكل واتجهت ناحيته فغير المكان فتوجهت إليه وتحن حنينًا عجيبًا تعاتبه على الفراق فبكى وجعل يزاود فيها حتى اشتراها رادًا للجميل وحفظًا للود وهو لا يملك قيمتها كاملة فاستدان وأخذها وأكرمها وحلف ألا يبيعها بأي حال، وخرج بها إلى مزرعة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله في النقيب شرق بريدة وهو القاضي ببريدة في ذلك الوقت وكان والدي وكيلًا على المزرعة وبقيت عنده حتى نفقت بعد زمن، حرر في 3/ 10/ 1404 هـ.