الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل الإسلام واتفق على تعظيمه والدعاء له الخاص والعام، فنسأل الله تعالى أن يجبر المصاب بفقده ويرفع منازله في دار كرامته (1).
وقال الشيخ صالح بن سليمان العمري رحمه الله:
الشيخ عبد العزيز الحمود المشيقح:
ولد بمدينة بريدة عام 1280 هـ وتعلم القراءة والكتابة وأجادهما، ثم قرأ على خاله الشيخ محمد بن عمر بن سليم، وعلى ابن عم والدته الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، واستمر في القراءة على الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم حتى توفي، وقد حفظ القرآن عن ظهر قلب، وله صوت رنان إذا قرأ وهو شيخ كبير أطرب السامع بصوته وقراءته.
وكان يشتغل بالتجارة وتطورت تجارته حتى صار أغنى أهل نجد على الإطلاق، وأكثرهم تعاملًا بالتجارة والمداينة، وكان يتعامل مع المزارعين والتجار بالمداينة، كما كان يتعامل مع الخارج بواسطة تجار البحرين، ولذا غلبت شهرته في التجارة على شهرته في العلم، ولكن لم أر ولم أطلع على أحد أعطاه الله من المال والتجارة مثل ما أعطي هذا الرجل وتفرغ تفرغه للعلم والعبادة.
فلقد كان له برنامج يومي أدركته قرابة عشرين سنة لا يخلفه، فإنه يستيقظ قبل صلاة الفجر ويوتر ثم يتناول القهوة والشاي في منزله، ثم يذهب للمسجد فيصلي ركعتي الفجر وينتظر الإقامة ويظل يذكر الله حتى تقام الصلاة، وبعد صلاة الصبح يحضر الدرس في مسجده، وكان المدرس فيه سابقًا الأستاذ محمد العجاجي وخلفه على ذلك الشيخ عبد العزيز العبادي وخلفه على ذلك الشيخ محمد بن صالح بن سليم ثم الشيخ عبد الله العبد العزيز المشيقح.
(1) تذكرة أولي النهى والعرفان، ج، ص 226 - 229 (الطبعة الأولى).
وعند طلوع الشمس يذهب إلى منزله حيث يبدأ الناس بالمجيء إليهم فمنهم المسلم كالقادم من السفر والقري، ومنهم من يطلب حاجة أو صدقة، ومنهم الزائر العادي وطالب العلم المحب، ومنهم من يطلب دينًا فيعطى، ومنهم من يسدد شيئًا من دينه، ومنهم من يريد شراء شيء من المال، ومنهم من يطلب جاهًا لدى الإمارة أو غيرها، ومنهم من يطلب وساطة في أمر من الأمور وهو لا يبخل بجاهه إلى غير ذلك.
وتستمر هذه الجلسة قرابة ساعة ونصف إلى ساعتين، ثم يذهب لحضور مجلس المشايخ الشيخ عبد الله بن سليم أو الشيخ عمر بن سليم فيبقى يستمع القراءة حتى تنتهي.
وقد يبقى ساعة أو أكثر عند هذه القراءة التي تستمر عادة ثلاث أو أربع ساعات، فإذا انتهت القراءة ذهب إلى دكانه وبقي فيه، وليس في دكانه شيء غير السجلات، فيأتي الناس إليه فيبيع عليهم بالحاضر وبالدين.
ثم بعد ساعة أو نحوها يهذب إلى منزله فيتناول الغداء هو وأولاده ومن قد دعي لهذا الطعام، وكثيرًا ما يحضر بعض أقاربه طعامه، وقل أن يمر به يوم ليس عنده ضيوف أو مدعوون.
ومن عادته أن يدعو ضيوف الإمارة لتناول الطعام يومًا كاملًا عنده الغداء قبل الظهر والعشاء بعد العصر إذ لم يكونوا يكتفون بالدعوة لوجبة واحدة.
وبعد أن يتناول الغداء في منزله يذهب إلى منزل الشيخ إبراهيم الصالح المشيقح والد الشيخ علي البراهيم، فتكون القهوة والشاي قد أعدا، فيتناولها هو وأولاده وأحفاده وأسباطه وكثير من أقاربه، ومثل هذه الجلسة أشبه ما تكون بندوة يتذاكرون فيها ويعرفون أخبار القادم والمسافر وأحوال الناس، ثم يذهبون إلى منازلهم للراحة قبل الظهر، فإذا أذن الظهر حضر للمسجد وكان يتفقد أولاده
وأحفاده الصغار في الحضور إلى المسجد، أما الكبار فكلهم طلبة علم لا يحتاجون إلى تفقد وتراهم جميعًا يحفون به من كل جانب، وينظرون إلى حركاته.
وإذا كان في المسجد يتفقد الفقراء والمعوزين من أهل المسجد ومن غيرهم ممن يصلي معه رجاء عطفه، فقل أن يفوت وقت من أوقات الصلاة دون أن يكون له فيه بر وإحسان إلى أحد المستضعفين وهو يكرم طلبة العلم ويخصهم بالإحسان إليهم ولو أقسم إنسان أنه لا يوجد طالب علم محتاج في بريدة وضواحيها لا يصله بر هذا الرجل فإني أعتقد أنه لا يحنث.
كما أنه لا يوجد أسرة من الأسر المحتاجة في بريدة لا تصل إليها صدقة هذا الرجل، وله معرفة دقيقة بأحوال الناس، كما أنه قد رزق بأولاد نجباء ساروا على نهجه وخدموه مدة حياته، وساعدوه على تنمية ثروته، وأشهرهم عبد الله ثم صالح ثم حمود ثم محمد ثم عبد الرحمن ثم عبد المحسن ثم إبراهيم، وكلهم طلبة علم، ولكل واحد من هؤلاء أولاد وأحفاد أدركوا جدهم وخدموه وساعدوا على خدمته.
وكان يسكن هو وأولاده في بيوت متجاورة، يدخل بعضها على بعض، أما بعد صلاة الظهر فإنه يستمع للقراءة التي تكون في مسجده عند أحد العلماء الذين أسلفنا ذكرهم، ثم يذهب إلى منزله فتدار القهوة والشاي إلى قرب أذان العصر، فهذا داخل وهذا خارج، وقد يمتلئ مجلسه من الناس، فهذا يباع عليه وهذا يدين، وهذا يسدد ما عليه، إلى غير ذلك، وهذا يطلب جاهها أو وساطة.
ولم أر إنسانًا في بريدة يبذل نفسه للناس مثل ذلك الرجل وأولاده، وقد عمر أكثر من مسجد في بريدة، ولا يعمر في بريدة مسجد في زمنه إلا ويساعد على عمارته.
وكان الشيخ عبد العزيز المشيقح من أكبر المؤيدين للمشايخ آل سليم، وله تأثير على بعض الأعيان بتأييدهم.
ولما توفي الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم اهتم بشأن ابنيه الشيخ عبد الله والشيخ عمر بن سليم، فقرر مجلس القراءة بعد العشاء للشيخ عمر بمنزل الشيخ عبد العزيز، فيحضرون السرج والأتاريك قبل الكهرباء، والقهوة والشاي والماء البارد في الصيف للقراء، ويحضر الناس لاستماع الدرس، وقد استمر هذا أكثر من ثلاثين سنة، وكان المترجم له يجلس إلى جنب الشيخ عمر ويستمع لقراءة الجميع فلا يفوته شيء منها خلال ثلاثين سنة، وهذه الجلسة مخصصة للكبار من طلبة العلم، فرحمه الله وعفا عنه.
وكان إذا دخل رمضان أو قرب أحضر دفاتره وأحصى ما له وما عليه، ثم عزل الزكاة فأخرجها كاملة، وكان دقيقًا في ذلك.
وكان رحمه الله يوسع على المعسر، حدثني الشيخ سليمان العلي المقبل قال: اشترى رجل من تجار الحبوب كمية كبيرة من الحبوب من الشيخ عبد العزيز المشيقح، فرخصت الحبوب وكسدت إلى النصف من ثمنها الذي اشترى به الرجل، فباع ما قدر على بيعه وسدد لآل مشيقح وبقي مطالبًا بالباقي، ولم يكن لديه ما يسدد، ولكن آل مشيقح لم يعلموا بما حصل على الرجل، ولما طالبوه بالتسديد ذهب صباحًا إلى الشيخ عبد العزيز المشيقح، وجلس عنده دون أن يشعره بشيء، ولما شرب الرجل الشاي والقهوة وأراد الانصراف سلم مفاتيح دكانه للشيخ عبد العزيز، فقال: ما هذا؟ قال: مفاتيح الدكان، قال عبد العزيز: لماذا جئت بها؟ قال استلموا ما فيه وليس لدي شيء غيره.
فقال له: أبلغ بك الأمر هكذا دون أن تخبرنا! ! قال الرجل: نعم، قال: خذ مفاتيحك واذهب إلى دكانك، ثم دعى أولاده الكبار فقال: أحضروا الدفاتر فأحضروها، ثم وضعها في صندوق فأمرهم بإدخالها في مستودع وقال اقفلوه ثم حلف أن لا يفتح مدة سنة لا يطالب الناس بشيء مما عليهم إلا من أتي من نفسه بشيء أخذ منه وأعطى وصلًا بذلك.
وقد أوردنا هذه القصة لتعرف منزلة الرجل.
كان رحمه الله كثير التهجد تاليًا للقرآن ليلًا ونهارًا، كثير أنواع العبادة كثير الصدقات، عطوفًا على الأقارب والفقراء والمحتاجين، يبقى دينه عشرات السنين عند الناس لا يشكوهم، وعلى كثرة ما له ومعاملته مع الناس فإني لم أطلع أنه شكا أحدًا عند حقه.
وكان يخلص مع الناس دون ضجة أو مشاكل، وقد بلغ الثانية والتسعين دون أن يفقد حواسه عدا النظر فإنه قد ضعف في آخر حياته، ولما توفي حضر للصلاة عليه جميع أهل بريدة فرحمه الله رحمة الأبرار، توفي رحمه الله عام 1372 هـ في بريدة ودفن في مقبرة فلاجة جنوبي بريدة، وخلف سبعة أولاد هم:
- عبد الله وهو أكبرهم وله أولاد وأحفاد.
- صالح وله أولاد وأحفاد.
- حمود وله أولاد وأحفاد.
- عبد الرحمن وله أولاد وأحفاد.
- عبد المحسن وله أولاد وأحفاد.
- إبراهيم وله أولاد وأحفاد.
وكلهم طلبة علم مر ذكرهم في تلامذة مشايخهم، ولما توفي والدهم وفقهم الله إلى شطب ديونه على الناس، وكانت كثيرة جدًّا فرحمه الله ووفق بنيه.
وإياه وأبناءه قصد الشيخ عمر الوسيدي بقوله في قصيدة طويلة في الحث على العلم:
كمثل همام جاد نسل مشيقح
…
وأبناؤه جادوا على نهج فاعل
خصوصًا مع الطلاب جادوا بمالهم
…
وجاه لمن يحتاجهم في النوازل
وقد عمروا بعض المساجد طاعة
…
صلاة وتسبيحًا وبذلًا لفاعل