الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الله بن عبد العزيز بن مشيقح:
هو أكبر أبناء عبد العزيز بن حمود المشيقح، وهو أكثرهم فهما، بل هو نادر بين الرجال فهمًا وعقلًا ودهاء.
قال لي شيخنا عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله:
إنني لم أر في بريدة كلها رجلًا ذا دهاء وذكاء خارق مثل عبد الله المشيقح
وكان عبد الله المشيقح إلى جانب ذلك طالب علم حافظًا للقرآن الكريم يصلي إمامًا في مسجد المشيقح الذي كان يسمى في القديم مسجد عيسى في بريدة.
وعبد الله المشيقح في الوقت نفسه يكاد يعتبر مديرًا لأعمال والده وأسرته التجارية الكبيرة.
كان لعبد الله بن عبد العزيز المشيقح كلمات موجزة مشهورة يتناقلها الناس وتروي في المجالس من ذلك قوله عندما كان يسير في المريدسية ويسأل عن هذا الحائط؟ فكانوا يجيبونه قائلين لفلان السعوي ثم بعد حائط آخر أو حايطين يمر بآخر فيقولون لفلان السعوي، غير الأول، وبعد ذلك يمر بحائط آخر لشخص من أسرة أخرى ثم يمر بآخر بعده فيقولون: هذا لفلان السعوي، وكان مع بعض (السعاوي) وهم أسرة السعوي فقال: أنتم يا (السعاوي) في المريدسية مثل آية {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} في سورة الرحمن.
وذكر عنده رجل كان عنده شيء من المال ولكنه يخفيه لسبب من الأسباب ويظهر بمظهر الفقير، فقال: فلان مثل عود التينه لونه أشهب كأنه يابس لكنه إذا قشرته بطرف أصبعك لقيت خضرته.
وكان رجل من أسرة معروفة وأعرف الرجل ولكنني لم أرد ذكر اسمه يكثر من الأنين والتشكي من المرض مثل المبالغة بالسعال وإظهار الضجر من المرض،
وقد بقي على ذلك مدة طويلة، فقال له عبد الله المشيقح: أأنت - يا فلان - مثل خرزة الحصا تعيب، أو قال: تصير عايبة وتبقى خمسين سنة ما طاحت.
والخرزة هي واحدة الخرز وهي حصاة قوية كبيرة تهذب لتوضع مع غيرها على هيئة عمود من الحجارة يحمل ثقل البيت، وقد جربنا أنها قد تميل ولكنها لا تسقط لأن استنادها إلى ما تحتها ولو كان استنادًا ضعيفًا يمنعها من السقوط.
ومرة كانوا في سفر حج وكانوا جائعين فطلب ومن معه من الخدام والشباب الذين معه شيئًا يأكلونه فأبطأوا عليهم ثم أحضروا لهم خبزًا ما أن بدءوا يأكلون منه حتى أحضر الأرز واللحم فرمى الناس ما بأيديهم من الخبز وأقبلوا عليه.
فقال عبد الله المشيقح: أنتم مثل الجنود الذين معهم بنادقهم إلى وصلوا مدافعهم رموا البنادق.
وعندما عهد إليَّ فتح المعهد العلمي في بريدة وعينت مديرًا له سعيت في أخذ أرض له هي التي هو عليها الآن فاعترض أناس من كبار الجماعة على ذلك بحجة أنها ينبغي أن تبقى من أجل الإبل التي تأتي إلى بريدة وتخرج منها، وليس عبد الله المشيقح من المعترضين، وقد أصررت على أخذها لأنها حكومية ولا يمكن أن تبقى إذا حرمنا المعهد منها، فعجب أناس مني كيف أستطيع أن أقف في وجوههم فقال عبد الله المشيقح: محمد العبودي ضعيف المغزى، قوي الأهل.
وكان ذلك في عام 1374 هـ.
ومن أخبار دهاء عبد الله المشيقح ودقة تدبيره أن رجلًا كان من عقيل الذين يذهبون من القصيم إلى الشام في تجارة المواشي كان مشهورًا بأنة (كسِّيب) وهو الذي يحسن أن يستغل النقود التي يعطيه الناس إياها للتكسب قد تضعضعت حاله لأنه باع ما معه من الإبل بثمن قليل، ثم سرقت منه نقوده
وأصاب الجرب بعض إبله، فلم يبق معه شيء ولكن لم يعرف أحد حاله على حقيقتها فذهب من الشام إلى العراق عسى أن يجد فيها ما يعمله، فلم يجد.
فأزمع السفر إلى نجد وكان أحد المتعاملين مع (المشيقح) في الكويت لديه ألف ريال فرانسي فضية وهي مبلغ كبير في ذلك الوقت يريد إرسالها إلى المشيقح في بريدة فأعطاها إياه، ولكن الرجل كان مُفلسًا وهو معروف قبل ذلك بالكرم وحسن الحال قال يحكي عن نفسه: ففرحت بهذه الدراهم، وقلت: هذي جابها الله، واشتريت ببعضها كسوة لأهلي وبعضها هيل وقهوة وعود بخور.
ولما وصلت إلى بريدة لم أذهب للمشيقح ولم أذكر لهم ذلك ظنًّا مني أنهم لم يعلموا حتى الآن بأن الدراهم أرسلت معي.
قال: ولكن تبين أن الأمر ليس على ما ذكرت وأن صاحب الكويت قد أرسل للمشيقح كتابًا مع رجل آخر يخبرهم فيه أنه أرسل الدراهم معي إليهم.
وقد صادفت عبد الله العبد العزيز المشيقح في السوق فقال لي: يا فلان: ما شفناك ولا جبت الدراهم اللي معك لنا.
قال: فقلت له: يا عم عبد الله الدراهم أنا أكلتها وأنا منكسر ولا عندي ولا ريال.
قال: فسكت عبد الله المشيقح كالمفكر قليلًا ثم قال لي: اسمع إلى صار باكر تراي أبي ادخل على عبد الله العلي القفاري في دكانه، فإذا شفت إني بقيت عنده ربع ساعة تقريبًا ادخل علي بدكانه وسلِّم عليَّ كأنك ما شفتني قبل هالساعة، وبعدين تراي أبي أطلع من دكانه فإذا طلعت قل له: يا عم، أنا أبي أروح للشام أترزَّق الله، إن كان عندك دراهم دين وبضاعة فأنا على عازة دراهم.
قال الرجل وأنا أعرف اسمه ولكنني لم أذكره.
قال: وبالفعل دخلت على عبد الله المشيقح وهو جالس عند عبد الله القفاري فسلت عليه فتلقاني هاشًا باشًا ورحب بي، وقال: ورا ما شفناك ما أخذت منا بضاعة أنت رجال كسيب، قال: وذكرني بشيء جيد لم يخالف الحقيقة، ولكنني كنت كذلك في الماضي.
ثم خرج عبد الله المشيقح من دكان القفاري فقلت للقفاري ما كان عبد الله المشيقح قال لي: فقال:
ابرك الساعات، وش كثر تبي؟
قلت: أبي ثلاثة ألاف ريال فرانسي، قال تبيهن بضاعة أو دين؟
قلت: أبيهن دين حتى مكسبهن إن شاء الله كله يصير لي، لأن البضاعة يكون نصف الربح فيها لصاحب النقود، وهو القفاري في مثل هذه الحالة.
قال: وقد أخذت النقود من القفاري ثلاثة آلاف ريال، لكنها كانت أقل مما يسافر به أمثالي للتجارة، وكان محمد العلي الشويرخ صديقًا خاصًّا لي في الشام وفي بريدة وكنت اتقهوى عنده في الليل فذكرت له ذلك، فقال: إن شاء الله أنا باكر أكلم أبوي وعمي وكانا شريكين، وأذكرك لهم وأثني عليك، وبعدين رح لهم تراه ما يقصرن، يدينونك.
قال: فأتيت والده (علي الشويرخ) وعمه صالح، وقلت لهما: أبي دين يا أبو محمد، فقال: ابرك الساعة كم تبي؟
قلت أبي فردتين، أو ثلاث فراد خام.
والخام قماش أبيض يكون في الفردة منه وهي البالة أي الربطة الكبيرة عشرين طاقة خام، فقال ابن شويرخ: أنا عندي عشر رباط خام أبي أدينك إياهن كلهن العشر أحد عشر، لمدة سنة.
أي بفائدة 10% أو بزيادة 10% عن السعر الذي يباع به الخام في السوق.
قال: فشكرته وكتب عليَّ بذلك سندًا وطلبت من عبد الله الجار الله الحميد وكان يومئذ دلالًا معتبرًا في سوق بريدة أن يبيع الخام لي بعد أن قبضته فباعه بما يقرب من الثمن الذي اشتريت به من ابن شويرخ، فقد كان ابن شويرخ ذكر سعرًا للخام أقل مما يسوي لأنه لم يعلم أنه يسوي أكثر من ذلك.
قال وكنت اشتريت من (ناصر القوسي) بعيرين، ولم أعطه ثمنهما، لأنه لم يبق معي شيء من الدراهم التي استدنتها من القفاري.
فذهبت إليه أي ناصر القوسي وقلت له: أبيك تشتري لي رعيَّة غنم أنت تعرف الغنم الطيبة، فسخر مني وقال: أنت ما عندك دراهم توفيني ثمن بعيرين وتبين اشتري لك رعية غنم؟
فقلت له: لا، أنا عندي دراهم شفهن عند عبد الله الجار الله، رح له خذ دراهم بعارينك واشر لي رعيتين غنم، فقال: والله إن كان هذا (صحيح) إني لأشتري لك الغنم ولا أخذ منك دلاله.
قال الرجل: فأخذ دراهمه من عبد الله الجار الله واشترى لي رعية غنم مجلوبة لبريدة معها حتى حمارها، فبعت الإبل التي اشتريتها وهي قليلة واشتريت بثمنها غنمًا، وسافرت بالغنم إلى حائل وبعتها هناك بمكسب طيب وصل إلى نحو العشر ثلاث طعشر يعني 30 % بالمائة واشتريت بثمنها كلها بعارين من حايل، وذهبت بها للشام فوافقت سوق البعير في غزة بفلسطين عزيزًا، وبعت بنحو العشر 14 أي 40% ربحًا.
ثم بعت واشتريت لمدة قصيرة ورجعت إلى بريدة من أجل إيفاء ما عليَّ من الدين فذهبت أولًا إلى عبد الله العلي القفاري لأنه الأول ومعي الدراهم اللي يبي مني وهي ثلاثة آلاف ريال، فقال لي: ما هي الدراهم اللي معك؟
قلت: الدَّين لك في ذمتي، الدراهم اللي لك عندي فقال: الدراهم ما بعد كلن بقي عليهم شهر ويحلن.
قلت: نعم أعرف لكنهن معي الآن خذها، فقال القفاري: ما أناب أخذهن ما يحل لي أني أخذهن منك لما يحلن.
قلت: ياعم، دراهمك معي قال الرجل: وكنت ظنيت أنه يبي يفرح ويأخذهن فامتنع من ذلك.
فقلت له: خلهن عندك أمانة لما يحل الدين عقب شهر.
فقال لي: لا هذا ما يجوز فأعدت الدراهم إلى بيتي، وذهبت لعلي الشويرخ، وقلت له: الله يسلمك ويكثر خيرك دراهمكم اللي تبون مني حاضرات، قال: وفي هذه المرة تركتها في البيت أخاف يسوي ابن شويرخ مثل ما سّوَّى القفاري.
قال: فأخرج الدفتر الذي فيه مكتب الدين اللي عليَّ وقال: يا فلان الدراهم اللي عليك باقي عليهن شهر و 17 يوم ويحلن.
قلت له: معي علم، لكن أنا أبي أعطيك إياهن أستريح خذ دراهمك هن جاهزات.
قال: فاحتد، وقال: تبي تستريح أنت وتدخلني النار؟ تَوَكَّل على الله، ولا تجيبهن إلَّا إذا حل أجلهن إن كان أنت ما تعرف فأنا أعلمك إنه ما يحل لي أخذهن إلا بعد ما يحلن، يعني قبل ما يحل الأجل مالي عليك دراهم، لأن الدين إلى أجل، ما يملكه الدائن إلَّا عقب ما يحل الأجل.
قال: وبعد ذلك أعطيت كل واحد حقه وكنت أعطيت المشيقح الألف ريال الذي أكلته لهم، وسارت أموري طيبة بعد ذلك.
أقول: في هذا ملاحظة مهمة وهو أن عبد الله المشيقح بعقله ودهائه يعرف أنه لو فعل بالرجل كما قد يفعل سائر الناس بقوله: مثلا يا سروق، يا
كذاب هات الدراهم وإلَّا شكيناك على الأمير ثم شكاه بالفعل فإن دراهمه وهي ألف ريال ولها اعتبار عظيم عند الناس في ذلك الوقت، ربما تساوي مائة ألف ريال في الوقت الحاضر لن يستطيع الحصول عليها.
إضافة إلى كونه سوف يجني على الرجل لأن الأمير سيحبسه، وبذلك يشتهر أمره، ويعتبر مفلسًا، أو على حد تعبيرهم (ينكسر) فلا يجد من يدينه، ولا من يعطيه نقودًا يتاجر بها، وبذلك يقضي على مستقبله وعلى أسرته، ولا تعود نقود ابن مشيقح إليه.
فسلك عبد الله المشيقح هذا المسلك الطيب.
أما الغريب في رفض القفاري وابن شويرخ أخذ الدراهم قبل موعد حلولها فإن ذلك ناشئ عن كونهما يعتقدان أنهما لا يستحقان المال إلَّا بعد أن يحل أجله، لأن الزيادة فيه هي في مقابل التأجيل.
وهذا صحيح في كون المدين لا يلزمه دفع المال إلا بعد حلول أجله، أما إذا طلب المدين أن يؤدي الدين إلى صاحبه راضيًا مختارًا فإنه لا يوجد ما يمنع من ذلك شرعًا، ولكن الرجلين تركاه تورعًا، إضافة إلى ما يعتقدان في الرجل من أنه سوف يؤدي الدين بعد حلول أجله، وقد فعل.
هذا ويلاحظ أنني لم أذكر اسم الرجل الذي حصلت منه القصة مع أنني أعرفه لكونه اعترف بالتصرف في نقود ابن مشيقح وهي أمانة وإن كان برر ذلك بغير مبرر وهو حاجته الشديدة.
وقد كان عبد الله بن عبد العزيز المشيقح كوالده وكيلًا في المال لعدد من مشاهير البلاد السعودية وأعيانها كالشيخ فوزان السابق في مصر وآل الخريجي في المدينة المنورة، والأمير عبد العزيز بن مساعد في حائل.
إضافة إلى المراسلات التجارية ما بينه وبين كبار التجار في الكويت والبحرين والإحساء.
ولذلك كان يتلقى رسائل من أشخاص بارزين منها هذه الرسالة التي أرسلها إليه الأمير (سعود بن عبد الله بن جلوي) أمير منطقة الظهران والحدود الشمالية آنذاك.