الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما كان من الأمير عبد الله بن جلوي إلَّا أن لبي طلب الشيخ وبعث إليه فارسًا لحق به بعدما تجاوز الطرفية أي مسافة يوم، فأعاده إلى شيخه وأمه واستمر على ذلك فكان في ذلك فكاك له من الضياع، ولذلك فقد كان رحمه الله كلما ذكر هذه القصة دعا لشيخه، وكان يقول أنقذني الله بالشيخ عمر من الجهل فرحمهما الله تعالى وعفى عنهما.
وقد توفي رحمه الله في يوم الأحد الموافق 21/ 3/ 1399 هـ وصلي عليه في الجامع الكبير ببريدة وحضر عامة أهل بريدة وخاصتها للصلاة عليه ودعوا الله وترحموا عليه وحزنوا لوفاته رحمه الله.
وترجم له الأستاذ محمد بن عثمان القاضي، فقال:
محمد الصالح المطوع من بريدة:
هو العالم الجليل والورع والزاهد الصادع بكلمة الحق الشيخ محمد بن صالح بن سليمان المطوع من قبيلة الدواسر.
ولد هذا العالم في مدينة بريدة سنة 1312 هـ في بيت شرف ودين ورباه والده أحسن تربية، وكان رجلًا صالحًا فنشأ نشأة حسنة وقرأ القرآن على مقرئ، حتى حفظه تجويدًا ثم عن ظهر قلب وشرع في طلب العلم بهمة ونشاط ومثابرة فقرأ على علماء بريدة، ومن أبرز مشايخه الشيخان عبد الله وعمر بن محمد بن سليم، وعبد العزيز العبادي وهو أكثر مشايخه نفعا له وملازمة قرأ على من قدمنا ذكرهم أصول الدين وفروعه والحديث والتفسير وعلوم العربية وتبحَّر في علم التوحيد والعقائد وفي الفرائض وحسابها وكان تدريسه بهذين الفنين.
وتعين إمامًا في مسجد يعرف به مسجد الحميدي المطوع، في جنوب بريدة في عام 1345 هـ وكان المدرس والمرشد الواعظ فيه، وكان لمواعظه وقع في القلوب، وكان زاهد زمانه حتى كانوا يلقبونه بالفضيل لزهده وورعه،
وكان يصدع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويميل إلى الشدة فيه وربما لجأ إلى المرتبة الأولى باليد ويقول الحديث من رأى منكم منكرا فليغيره بيده وكان مع أولاده من المتطوعين في الأمر والنهي والدعوة إلى الله والموالاة والمعاداة فيه، ولهم في ذلك أعوان ومواقف مشرفة، ولهم شوكة وهَيبة، وكان ذا مكانة مرموقة وكلمة مسموعة، وكان يناصح الولاة ويشبه آل عتيق بالرياض، وإذا أخذ في الوعظ لم يتمالك نفسه من البكاء ويبكي من حوله.
ظل في مسجده أكثر من خمسين عامًا وفي تدريسه فيه ووعظه، وكان تدريسه على طريقة القدامى إلَّا أنه زاد عليهم بتدريس طلبته تجويد القرآن وحفظه لمن لم يحفظه.
ومن أبرز تلامذته الشيخ صالح البراهيم البليهي، وعلي المحمد السكاكر رئيس هيئات القصيم، وعبد الرحمن السليمان الجار الله قاضي البكيرية، وصالح الفوزان مدرس بالكلية، وإبراهيم بن صالح الحماد كاتب عدل عنيزة، وعودة العبد الله السعوي، وعبد الله الزامل العفيسان قاضي الزلفي، وعبد الله العثمان البشر قاضي محكمة الحوطة، وابنه عبد الله وابنه عبد الرحمن، وكان يستنيبهما على مسجده متى سافر أو مرض، وبعد أن أرهقته الشيخوخة كان يستنيبهما.
ومن تلامذته محمد الصالح المرشد مدرس بالكلية، وعلي العبد الله الحواس وإبراهيم العبيد العبد المحسن، ومحمد الفهد الرشودي، وفهد العبد العزيز السعيد مدير مدرسة رياض الخبراء، ومحمد العلي الروق مدرس بالمعهد العلمي، وإبراهيم السليمان الخطيب.
وله تلامذة غير من ذكرنا كان ضعيف البصر جدًّا وفقد بصره عام 1380 هـ، أبيض اللون، متوسط الشعر طويل القامة والأعضاء، طلق الوجه، حج مرارًا على الإبل وعلى السيارات، وكان كثير التلاوة والذكر لا يفتر لسانه منهما لاسيما في آخر عمره، فقد تجرد للعبادة، ونفع الخلق ولازم مسجده.
وكان من عادة الخير والرشد ويسعى جاهدًا في إصلاح ذات البين، وكان يحمل الحملات على آل رشيد أمراء حائل، وعلى من والاهم من حمايل بريدة وعنيزة وحصل بينه وبين إبراهيم العلي الرشودي حزازات، حينما سمعه يتكلم على بعض من يوالي آل رشيد، فقال إبراهيم: لن أصلي خلفك، وكان من جيران مسجد المطوع فصلى في مسجد الضالع.
وكان ذا مكانة مرموقة بين أهالي بريدة، ويصغرون الاسم كعادتهم، فلا يعرف إلا بالحميدي، ومن ورعه أنه لا يقبل شيئًا من بيت المال وعزف عن الوظائف وعاش عيش الزهاد، حتى وافاه أجله المحتوم مأسوفًا على فقده، بعد أن أقعدته الشيخوخة سنة في منزله.
وكانت وفاته صبيحة يوم الأحد الموافق الحادي والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 1399 هـ وصلى عليه في الجامع الكبير امتلأ الجامع بالمصلين، وخرج أهل البلدة في جنازته، ودفن بمقبرة فلَّاجة في بريدة وحزن الناس لفقده حزنًا شديدًا.
ورثي بمرات عديدة في الجزيرة، والدعوة وغيرهما، وممن رثاه عبد العزيز اليحيى (1). انتهى.
أقول مرثية بقلم عبد العزيز عبد الرحمن اليحيى في الشيخ محمد بن صالح المطوع المتوفى في يوم الأحد الموافق 21/ 3/ 1399 هـ، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته (وإنا لله وإنا إليه راجعون) (2):
وهذا نصها كلها:
(1) روضة الناظرين، ج 2، ص 337 - 339 (الطبعة الثانية).
(2)
مجلة الدعوة عدد 696 في 19/ 5/ 1399 هـ.
تبكي القلوب على قطب فقدناه
…
نرجو من الله في الفردوس سكناه
شيخ غيور لدين الله ذو ورع
…
نور العبادة يبدو في محياه
نهاره ينقضي في العلم يبذله
…
وآخر الليل يبكي في مصلاه
رثاه من قبلنا محراب مسجده
…
وروضة العلم للطلاب تنعاه
فموته ثلمة في ديننا عظمت
…
لانه من طراز قل نلقاه
ومن تلاميذ من زانت محافلهم
…
شعارهم في جميع الأمر تقواه
آل السليم لهم في العلم منزلة
…
وفي تلاميذهم خيرًا وجدناه
قد غرسوا غرس توحيد بأفئدة
…
هذا هو الغرس لا مال ولا جاه
ساروا على نهج من أحيا الآله به
…
معالمًا للهدى والناس قد تاهوا
تسربلت نجد ثوب العز مكتملًا
…
بدعوة الشيخ إذ يدعو لمولاه
يا أيها الناس إن الله خالقكم
…
لا تعبدون بهذا الدين إلاه
فانقذ الله أقطارًا بدعوته
…
وسار ركب الهدى يدعو لعلياه
جزاهم الله عن إحسانهم نزلًا
…
أكرم منازلهم في الخلد رباه
* * * *
فيومه أحزن الأحباب كلهم
…
أما المنافق هذا ما تمناه
فمن علة إبراهيم يخلفه
…
ومن لنشر الهدى يسعي كمسعاه
ففي مصيبة خير الخلق موعظة
…
لنا العزاء وحكم الله نرضاه
من شاب في ديننا الإسلام مفرقة
…
يرجى له الخير في دنيا وأخراه
لو كان يفدى بأموال نقدمها
…
أو كان يفدى بأرواح فديناه
لكنه الموت يا ابن الموت كن حذقًا
…
فالكل منا بلا شك سيلقاه
لا تهملن فإن العمر مرتهن
…
كم من عزيز رسول الموت أفناه
واعمل ليوم به الرحمن يجمعنا
…
وما عملنا بلا ظلم سنجزاه
أصابنا الهم وانفتت عزائمنا
…
والدمع قد زاد في الخدين مجراه
ثبته الله في لحد يحل به
…
والقبر قد ضمه والترب واراه
فطيب الله مثواه بجنته
…
بدار خلد بها حور تلقَّاه
يا ربنا أجبر مصاب المسلمين به
…
يا مالك الملك حقق ما رجوناه
صلاة ربي على المعصوم سيدنا
…
على مدى الدهر حتى يوم نلقاه
وآله والصحاب التابعين له
…
ومن أشادوا لدين الله مبناه
ورثاه تلميذه الأستاذ إبراهيم بن عبد الله الصالح المديفر، فقال:
خطب دهانا له الألباب شاردة
…
بل إنها من عظيم الأمر في شجن
حبر خلا بعد أن ضاعت مشاعله
…
ستين عامًا طريق الرشد والسنن
حيث اقتفى أثرَ الأسلاف إذْ سلكوا
…
سبيل حق، فلم يكسل ولم يهن
محرابه بيته من حوله حِلقٌ
…
يروي ظماها على التنويع في الفطن
كم سار يدعو لتوحيد الإله على
…
بصيرة في نشاط العمر والوهن
وسنة المصطفى تتلى عليه لكي
…
تجلى حقيقتها في منطق حسن
حتى تخرج أشبالٌ له عرفوا
…
منهاجه فغدوا حربًا على الفتن
قد جزَّأ الليل أثلاثًا عبادته
…
تستغرق الثُّلْثَ والثُّلْثان للبدن
نهاره يخدم المولى بكل رضًا
…
من طاعة الرب يرجو أجزل المنن
قد باع دنياه واستبقى بها عوضًا
…
يلقاه مُدَّخَرًا في شدة المحن
يحب في الله لا تغويه عاطفةٌ
…
والبغض في الله منهاجٌ بلا ثمن
ما مات من كان في أولاده خَلف
…
يقفو طريقته في المسلك الحسن
ما مات من علمه تجني منافعه
…
تحيا به أمة القرآن والسنن
ما مات من ذكره لما يزل عطرًا
…
قد طبق الأفق في شامٍ وفي يمن
(محمد) اسمه والطوع في لقبٍ
…
أفعاله حمدت في السر والعلن
سقاك ربي رحيقًا مسكهـ عبقٌ
…
من منهلٍ في جنان الخلد أو عدن
صلاة ربي على الهادي لأمته
…
أضعاف ما غردت وُرْقٌ على فنن
ومن رجال أسرة المطوع (محمد بن إبراهيم المطوع) كان طالب علم يحضر الدروس، وكان كفيف البصر عندما عرفناه، وذلك كان لمرض أصاب عينيه على كبر.
ومع ذلك كان ميسور الحال، بل كانت عنده ثروة ليست عند كثير من المبصرين، وكان محبًا لطلبة العلم وللبحث في المسائل العلمية، ولكنه لم يبلغ أن يكون شيخًا في اصطلاح العامة.
وكان قبل ذهاب بصره يكتب كتابة جيدة منها هذه الوثيقة التي كتبها في عام 1344 هـ.
توفي محمد بن إبراهيم المطوع في عام 1367 هـ.
وتتعلق الوثيقة بدين لعلي بن (عبد العزيز) بن سالم علي أحمد المشاري راعي أبا الدود، أي صاحب (ابا الدود): القرية المعروفة في الأسياح وقدره أربعمائة صاع إلا عشرة أصواع سَلم 78 ريالًا، والسلم معروف بل مشهور عند الفقهاء وهو أن يشتري من عنده نقود من صاحب الزرع قمحًا أو حبًّا آخر من محصول زرعه قبل أن يدرك بوقت طويل، ويكون ذلك بثمن أقل من ثمن المحصول، والشائع عندهم في (السَّلم) أن يكون في التمر والحبوب، وتسميه عامتهم (كَتْب) ولا تعرف لفظ (السَّلم) ولكن الدائن هنا والكاتب هو ومحمد بن إبراهيم المطوع كلاهما طالب علم فاستعمل هذا المصطلح الشرعي الصحيح.
والشاهد هو صالح بن عبد العزيز (العمري) من أسرة العمري الكبيرة، وقد عرفت هذا الرجل لأنه عاش بعد ذلك مدة طويلة.
وهذه صورة الوثيقة:
وفيما يتعلق بمداينات محمد بن إبراهيم المطوع نورد بعض الوثائق هنا التي هي بمثابة نماذج لغيرها.
وهذه الوثيقة المتعلقة بأسرة (المطوع) هؤلاء، ولها ميزة خاصة وهي أن الذي صدق عليها هو قاضي بريدة في وقته الشيخ عبد العزيز بن بشر وكتب ذلك بخطه، وربما كان ذلك لأن الدائن هو عبد الله العلي (ابن سالم) وهو طالب علم مجيد معروف، ولكنه من تلاميذ الشيخ ابن جاسر، وهواه معهم لذلك لم يتول وظيفة رئيسية وقد مات في عام 1357 هـ.
وتتضمن الوثيقة مداينة بين عبد الله العلي السالم وبين عبد الرحمن بن محمد المطوع بمبلغ كبير في ذلك الوقت هو 120 ريالًا (فرانسه) وهي عوض عيش أي أن ابن سالم كان عنده عيش أي قمح كثير فباع منه على المطوع بذلك المقدار من النقود.
وهي بخط عبد الرحمن الربعي وهو من أهل بريدة الذين جاءوا إليها من الشقة.
والدليل على أن عبد الرحمن المطوع هذا من هذه الأسرة التي تنتمي للدواسر كونه من أهل بريدة وقد رهن بيته في هذا الدين وهو المعروف بأنه في قبلي بريدة كما تقول الوثيقة.
ودليل آخر هو أن الشاهد الرئيسي على الدين هو صالح الطريقي، والطريقي: أبناء عم للمطوع فكان من الطبيعي أن يكون معه في هذه المناسبة.
وقد أوفى المطوع الدين المذكور اثني عشر ريالًا بشهادة ناصر بن سيف وهو ناصر بن سليمان السيف المشهور والابن عبد الرحمن الذي يراد به ابنه كاتب هذا التوصيل وهو الشيخ القاضي عبد العزيز بن عبد الرحمن بن بشر وهو الذي كتب هذا الإيصال.
وتحت هذه الوثيقة الأولى أخرى فيها إثبات دين مشابه لهذا وهي شهادة صالح الطريقي وكتابة عبد الرحمن الربعي.
وهذه صورتها:
وأقرب أسر الدواسر إلى المطوع هؤلاء هم الطريقي وآل عبد المنعم، بل إن آل عبد المنعم متفرعون منهم، والمراد بهم (العبد المنعم) أهل بريدة الذين تقدم ذكرهم في حرف العين، والذي ليست لهم علاقة نسب بالعبد المنعم أهل عنيزة.
و(المطوع) هؤلاء صاهروا آل مهنا أمراء بريدة السابقين.
وهذه وثيقة مؤرخة في عام 1269 هـ وفيها شهادة لعبد الله المطوع وكاتبها هو عثمان الراشد بن مضيان وتتعلق بدين لسليمان بن صالح السالم على ثنيان السالم من أهل خب واسط، وليست له علاقة نسب بالدائن، بل هو من أسرة أخرى تسمى السالم.