الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعالية الخندق في الدفاع عن المدينة
وبعد حفر الخندق أصبحت المدينة كالحصن المنيع الذي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق المغامرات الانتحارية، وبعد تضحيات باهظة جسيمة.
فقد كانت المدينة -بالإضافة إلى الخندق وهو خط الدفاع الرئيسى- مشبكة بالبنيان ومحاطة بأشجار النخيل الكثيفة ولمسافات بعيدة، وغير النخيل من الزورع الأخرى بالإضافة إلى الحواجز الطبيعية الصعبة الكبرى، وهي الحرار الثلاث التي تكتنف المدينة من جهاتها الثلاث .. حرة من الجنوب وحرة واقم من الشرق، وحرة الوبرة من الغرب.
والحرار في منطقة المدينة تشكل حواجز طبيعية فعالة لايستطيع أحد (راجلًا كان أم راكبًا) اجتيازها إلا بصعوبة كبيرة لأنها مزروعة بحجارة سوداء محروقة يكون لها (غالبًا) رؤوس جارحة كأطراف الآلات الحادة.
وهكذا وبحفر الخندق استطاعت قيادة الجيش الإسلامي أن تعزل جيوش العدو عن مكان تجمع الجيش الإسلامى المدافع عن المدينة عزلًا تامًّا وأن تحول بينه وبين اقتحام مداخل المدينة كما يريد لأن هذه المداخل صارت بعد حفر الخندق خلفه ممنوعة به.
فقد حال الخندق بين الجيشين وبين أي التحام جدى شامل، وهذا هو الذي تهدف إليه القيادة الإسلامية، وتكرهه ولا تريد حدوثه قيادة جيوش الأحزاب التي ما حشدت للك الحشود التي لم تشهد الجزيرة مثلها
إلا لتشتبك مع المسلمين في معركة فاصلة تهدف من ورائها إلى محو الكيان الإسلامى إلى الأبد.
لقد تحصن المسلمون وراء الخندق الواسع العميق الذي يبلغ طوله حوالي اثنين من الكيلو مترات، الخندق الذي لا يجرؤ على اقتحامه إلا فارس فذ زاهد في الحياة، أما المشاة فلا سبيل لهم إلى اقتحامه أبدًا.
وقد استفاد الجيش الإسلامى من مناعة جبل سلع الذي جعله خلف ظهره، كما استفاد من وعورة حرة الوبرة لحماية جناحه الأيسر ووعرة حرة واقم لحماية جناحه الأيمن، والحرة الجنوبية لحماية مؤخرته.
فأمن كليًّا من خطر أي التفاف يقوم به العدو، فظهره إلى جبل سلع ومن ورائه المدينة وأبنيتها المتشابكة ونخيلها المتلاصق مع الحرة وجناحاه محميتان بالحرتين مع جزء من الخندق، أما صدره فقد واجه به جيوش الأحزاب التي صار الخندق فاصلًا بينه وبينها.
وهكذا نجحت خطة الدفاع التي اتبعها المسلمون نجاحًا كاملًا، حيث صاروا بعد تطبيقها وكأنهم في قلعة منيعة يكون الموت مصير من تحدثه نفسه بالاقتراب منها من ناحية الخندق الشمالية التي لا يمكن لجيوش الأحزاب أن تقوم بأي قتال جدى وعلى نطاق واسع كما تريد إلا عن طريقها.
فكان الخندق بحق من أعظم الأعمال الدفاعية التي قام بها المسلمون لإحباط هجوم الأحزاب على المدينة، فقد وجد قادة الأحزاب المكان الذي حددوه ليكون هدف هجومهم الرئيسى وهو مداخل المدينة الفسيحة الواقعة بين الحرتين، وجدوا هذا المكان تعسكر فيه جيوش الإسلام رابضة ليوثها وراء الخندق العميق، فتحطمت أمالهم وانهارت خططهم التي رسموها لاقتحام المدينة من الأساس،