الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السبب الثالث .. العقيدة
وبالإضافة إلى العاملين الحاسمين في فشل الغزو (من وجهة النظر العسكرية المجردة) فإن هناك - من الناحية المعنوية - عاملًا مهمًا (وقد يكون أهم العوامل) في إحباط هذا الغزو الخطير، وهو العقيدة.
فقد كانت العقيدة عند المسلمين الصادقين هي السلاح الرئيسي الذي يعتمدون عليه في كل المعارك، ولهذا فإن العقيدة - عند المسلمين تأتى في المقام الأول بين العوامل والدواعى التي تجعلهم يصمدون ويثبتون، حيث يكون الفرار أو الاستسلام (في حساب المقاييس العسكرية المادية) أمرًا لا مناص منه، بل ولا لوم على فاعليه.
وما يمكن أن نقوله بالتفصيل عن العقيدة وأثرها في نفوس المسلمين وإسهامها (بدرجة أولية ممتازة) في انتصارات المسلمين الحاسمة، قد قلناه مفصلًا في ختام كل من كتابينا (غزوة بدر الكبرى .. وغزوة أحد) تحت هذا العنوان (نظرة .. وتحليل) فليرجع إليه من يريد.
إلا أن العقيدة في معركة الأحزاب قد كان دورها (بالنسبة للمسلمين أهم الأدوار على الاطلاق، حيث كانت هي السلاح الرئيسى بل والوحيد في مواجهة الغزو وإحباطه.
فقد كان سلاح العدو الفعال الوحيد في هذه الغزوة هو الإرجاف والإرهاب والترويع والتخويف والخيانة والغدر والنكث والإرهاق .. وهو سلاح مفزع مخيف (حقًّا) بالنسبة للألف مقاتل تناقصوا حتى لم يبق منهم في آخر ليلة من ليالى هذا الغزو الرهيب إلا ثلاثمائة مقاتل، يحيط بهم أحد عشر ألف مقاتل من كل جانب .. سلاح مخيف رهيب حقًّا، لا يقف في
وجهه إلا سلاح رباطة الجأش وقوة الأعصاب. والاحتفاظ برجاحة العقل وهدوء النفس وثبات الجنان والثقة بنصر الله تعالى.
وهذه العوامل ذات الأثر الحاسم في مقاومة ذلك السلاح الرهيب المخيف الذي تنخلع له القلوب، لا تتوفر إلا لمن يحمل مثل تلك العقيدة الصافية السامية، عقيدة الإسلام، التي جعلت سيد الأوس الشاب (سعد بن معاذ) يقول للنبي صلى الله عليه وسلم عندما حاول عقد صلح منفرد مع قبائل غطفان، مقابل ثلث ثمار المدينة (رحمة بجيشه الصغير المحصور) .. والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم.
لقد قال هذا الشاب السيد المؤمن هذه الكلمة الخالدة التي رفض بها الصلح مع غطفان، قالها والمسلمون في أعلى درجات الكرب والضيق قد أخذت المحنة بتلابيبهم وطوقتهم الرزايا والخطوب وأحاطتهم من كل جانب.
رفض سيد الأنصار الشاب فكرة عقد الصلح المنفرد مع غطفان على تلك الصورة، مع أن هذه الفكرة التي استشار النبي الأنصار للموافقة عليها، هي (في عرف السياسة العسكرية) فكرة صائبة لا غبار عليها يلجأ إليها القادة العسكويون ويستخدمونها لتخفيف مؤونة الحرب على جيوشهم حتى اليوم.
لأن تشتيت شمل العدو وإضعاف قوته وتفريق كلمته بأية وسيلة، لا يغيب عن بال أي قائد عسكرى مسئول في كل الحروب بلا استثناء، ولكن قوة العقيدة الراسخة البناءة التي جاء بها هذا النبي الكريم جعلت قادة الأنصار (وهم العمود الفقري لجيش المدينة) يستأذنون نبيهم في رفض فكرة الصلح هذه والاستمرار في المقاومة مهما كانت النتائج.