الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنها صورة الهول الذي روع المدينة، والكرب الذي شملها، والذي لم ينتج منه أحد من أهلها، وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب من أعلاها ومن أسفلها، فلم يختلف الشعور بالكرب والهول في قلب عن قلب، وإنما الذي اختلف هو استجابة تلك القلوب وظنها بالله، وسلوكها في الشدة، وتصوراتها للقيم والأسباب والنتائج، ومن ثم كان الإبتلاء كاملًا والإمتحان دقيقًا والتمييز بين المؤمنين حاسمًا لا تردد فيه (1).
حديث القرآن عن المنافقين
كما تحدث القرآن الكريم عن مواقف التخريب والإرجاف التي اتخذها المنافقون الموجودون في جيش المدينة، والتي بها ساهموا في مضاعفة الكرب والبلاء النازل بالنبي وصحبه، فقال تعالى:
وذلك أن بعض المنافقين، وقفوا في تلك الساعات الحاسمة التي عم فيها الخوف والرعب بين المسلمين، وقف هؤلاء المنافقون يسخرون من وعد الله ورسوله المؤمنين بالنصر، فقالوا .. كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا الآن لا يستطيع الذهاب إلى الغائط (خوفًا) .. ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا.
وتحدث كذلك عن طائفة المنافقين الذين - عندما اشتد الكرب واستحكمت حلقات البلاء - انطلقوا يشيعون روح الهزيمة والفرار بين
(1) في ظلال القرآن (تفسير) لسيد قطب ج 21 ص 140.
الجند، بدائع الرغبة في نشر الفرقة والتخاذل داخل صفوف الجيش الإسلامي، فقال تعالى:
ويستمر القرآن الكريم في التنديد بهولاء المنافقين الذين سلكوا ذلك المسلك الشائن يوم الأحزاب، فيقول:
ويتحدث القرآن عن طبيعة المنافقين الخبيثة المخربة، طبيعة القعود عن الجهاد، وطبيعة تحريض الغير على الإنفضاض من حول النبي صلى الله عليه وسلم والانضمام إلى صفوف هؤلاء المنافقين المعوقين، كما يصور حالة الجبن والخور المتأصلة في نفوسهم، عندما تكون الحرب، مع الانتفاش وسلاطة اللسان والتشدق بقارص الكلام في حالة الأمن، فيقول:
{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَينَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إلا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ
حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}.
قال في ظلال القرآن: فخرجوا من الجحور وارتفعت أصواتهم بعد الارتعاش، وانتفخت أوداجهم بالعظمة ونفشوا بعد الانزواء، وادعوا في غير حياء ما شاء لهم الإدّعاء من البلاء في القتل والفضل في الأعمال والشجاعة والاستبسال.
وهذا النموذج من الناس لا ينقطع في جيل ولا في قبيل، فهو موجود دائمًا، وهو شجاع فصيح بارز، حيثما كان هناك أمن ورخاء.
وهو جبان صامت منزو، حيثما كان هناك شدة وخوف، وهو شحيح بخيل على الخير وأهل الخير لا ينالهم منه إلا سلاطة اللسان أهـ.
ويتحدث القرآن كيف كان الفزع والفشل مسيطرًا على قلوب المنافقين ومزيلًا لرشدهم وصوابهم - حتى بعد انصراف جيوش الأحزاب إلى درجة أنهم كانوا يعتقدون أن هذه الجيوش لا تزال في معسكراتها حول المدينة، بالرغم من أنها قد انسحبت نهائيًا.
وكيف أن هؤلاء المنافقين المحسوبين على المسلمين بالرغم من تسللهم من صفوف الجيش ساعة الشدة والروع، وهروبهم من الميدان وبعدهم عن خطر القتال، كانوا لشدة جبنهم يتمنون أنهم من أعراب البادية وأن لا علاقة تربطهم بالمدينة، التي كانت الهدف الأول للغزو، وكيف أنهم كانوا يسألون في فزع وقلق (كما يسأل الجبان الرعديد الذي يحسب كل شيء تحرك هو ضده) عن أخبار نتيجة القتال الدائر بين المسلمين والأحزاب، فقال تعالى: