الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دقة موقف المسلمين
لقد كان كل شيء مادى يوحى (على نحو ساحق) بأن الغلبة ستكون للأحزاب على المسلمين وأن نهايتهم في (حساب التقدير العسكري المجرد) أمر مفروغ منه، وذلك للأسباب الآتية:
1 -
قوة العدو الساحقة المتفوقة في كل شيء مادي:
فقد أطبقت على المدينة عشرة آلاف مقاتل من العرب القرشيين والغطفانيين، مجهزين أحسن تجهيز، وكلهم غيظ وحنق على المسلمين يساند هذه القوات العسكرية الضخمة رأس المال اليهودى الطاغى ويخطط لها الفكر الإسرائيلى الماكر الخبيث.
يقابل كل هذه القوات الضخمة في الجانب الآخر (المسلمين) ألف مقاتل فقط هم دون هذه القوة في كل شيء مادى سوى الإيمان.
2 -
نقض اليهود للعهد:
- وبالإضافة إلى الخطر المدمر الذي وقف جيش الإسلام بأكمله لمواجهته، والمتمثل في هذه الحشود القرشية والنجدية الهائلة، تعرض هذا الجيش لوجة مزلزلة مخيفة وهي غدر يهود بنى قريظة، بنقضهم العهد وانضمامهم (وهم وراء خطوط جيش الإسلام) إلى الغزاة في تلك الساعات الرهيبة الحاسمة.
فقد كانت هناك معاهدة دفاع مشترك بين المسلمين ويهود بنى قريظة كان المفروض أن يكون اليهود (بموجبها) جزءًا من الجيش المدافع عن المدينة.
ولكن اليهود بدلًا من أن يشدوا من أزر حلفائهم المسلمين فيقفوا بجانبهم ضد الغزاة المعتدين، إنضموا إلى هؤلاء الغزاة وصاروا (وهم حوالي ألف مقاتل) قوة معادية للجيش الإسلامي تتحفز للانقضاض عليه من الخلف، فكان هذا العمل الشائن من اليهود ضربة موجعة وتهديدًا خطيرًا لا تقل فعاليته عن فعالية القوات الرئيسية الغازية.
لأن التهديد المفاجئ من الخلف لأى جيش (وهو في حالة مواجهة للعدو) قد يكون أشد خطرًا عليه من القوة الرئيسية التي يواجهها.
وفعلًا لقد كان لنقض اليهود العهد وانضمامهم إلى الغزاة أسوأ الأثر بين صفوف جيش المدينة الصغير، حيث تأزمت الحالة، واستحكمت المحنة وتحرج الموقف إلى درجة فكر معها النبي القائد صلى الله عليه وسلم في أن يعقد صلحًا منفردا مع قادة غطفان ينصرفون بموجبه عن المدينة على أن يعطى لهم مقابل ذلك ثلث ثمار المدينة، وذلك سعى من النبي صلى الله عليه وسلم لتخفيف الضغط العسكري الخانق الذي يتعرض له جيش الإسلام.
3 -
عنصر المنافقين والمرحفين الموجودين داخل جيش الإسلام كجزء منه:
فقد كان هذا العنصر من أشد البلايا على جيش الإسلام المدافع عن المدينة، حيث ظهر هذا العنصر الخبيث على حقيقتة والمسلمون في أقصى درجات المحنة.
فبعد أن نقض اليهود العهد، وآذنوا المسلمين بالحرب تحركت عوامل الخسة والدناءة المتأصلة في نفوس هؤلاء المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، فأخذوا - في تلك الساعات الرهيبة التي يجتازها
الكيان الإسلامي - ينسحبون من الجيش، على شكل تسلل، واستئذان مشبوه (أحيانًا)، محدثين بذلك تصدعات خطيرة في معنويات الجند المدافع عن المدينة.
ولم يكتف المنافقون بذلك بل راحوا يشيعون روح الهزيمة في الجيش ويعملون (علنًا) على إشاعة الخوف والفزع داخل صفوفه، حتى أخذ عدده يتناقص إلى أن وصل في الليالى الأخيرة من المعركة إلى ثلاثمائة مقاتل (فقط)(1)، الأمر الذي ضاعف من متاعب قيادة المدينة إلى درجة لا مزيد عليها.
4 -
العوز وحالة الفقر مع برودة الطقس وشدة الرياح:
وبالإضافة إلى هذه الأمور الخطيرة المخيفة التي واجهتها قيادة المدينة، كان عام الأحزاب عام مجاعة وجدب بالنسبة للمسلمين، وكان الفصل فصل برد قارص ورياح هوج، وقد روى الثقاة من المؤرخين أن كثيرًا من المسلمين، يمر بهم اليوم واليومان لا يذوقون فيهما طعامًا وأن النبي صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري كان يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع.
بينما كانت جيوش الأحزاب - من الناحية الأخرى - مزودة بكل المؤن الغذائية اللازمة، ويقف - مع هذا - من ورائها اليهود (وهم ملوك المال) يسدون بما لديهم من ثروات طائلة أي نقص يحدث في تموين جيوش الغزاة.
(1) انظر في هذا الكتاب حديث حذيفة وقصة دخوله معسكر الأحزاب في آخر ليلة من ليالى الغزو.