الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما نزلت هذه السورة وفيها (بالطبع) تأكيد ما قاله الغلام زيد بن أرقم عن رأس النفاق، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن الغلام زيد، ثم قال -مؤكدًا صدقه- هذا الذي أوفى الله بأُذُنِه (2).
وقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من غزوة بنى المصطلق في غرة شهر رمضان، فاستغرقت غيبته عن المدينة في هذه الغزوة ثمانية وعشرين يومًا وقد كان بعض المؤرخين يسمونها (بغزوة العجائب) لكثرة ما حدث فيها من الأمور العجيبة.
المعركة الكبرى .. حديث الإفك
وأثناء عودة الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة بنى المصطلق هذه، قال المنافقون في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تلك المقالة الخبيثة من الإفك، الذي به نالوا عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى آذوه أشد الإيذاء وجعلوه عرضه لأعنف الآلام النفسية وأشدها.
الشرارة الأولى
كان رأس النفاق، ممثل عصبة اليهود والمنافقين، عبد الله بن أبي بن سلول، موجودًا ضمن الجيش الإسلامي الذي غزا بنى المصطلق،
(1) المنافقون آية 8.
(2)
سيرة ابن هشام ج 2 ص 292.
وكان هذا المنافق المجرم، لا يجد فرصة يكيد فيها للإسلام ويحط من شأن رسالته إلا اغتنمها.
وبينما هذا المنافق الأكبر موجودًا في المعسكر بين قومه الخزرج، إذا بالصحابى الجليل صفوان بن المعطل يمر بهودج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فيقول هذا المنافق (ابن أبي): من هذه؟ . فيقولون: عائشة رضي الله عنها، فيقول المنافق الأكبر: والله ما نجت منه ولا نجا منها، ثم يعقب على ذلك بقوله: امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت، ثم جاء يقودها.
هذه القولة الخبيثة المنكرة، هي الشرارة الأولى التي أشعلت حديث الإفك، فكانت (بسببها) معركة كبرى من الآلام خاضها النبي صلى الله عليه وسلم طيلة شهر كامل.
لقد كان حديث الإفك من تدبيرات المنافقين القاتلة، وهو أحد الأسلحة السياسية الكبيرة الفتاكة التي تلجأ إليها عصابة النفاق للكيد للإسلام وتفريق كلمة المسلمين وتفتيت وحدتهم.
ولقد نظم المنافق الأكبر وحزبه حملات واسعة أشاع بها هذا الحديث المفترى، وروج له بدقة وإحكام حتى انخدع به كثير من المسلمين، فخاض فيه منهم من خاض حتى وصل البعض منهم في الخوض في هذا الحديث المفترى، إلى الدرجة التي بها أقيم عليه الحد، كحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، ومسطح بن أثاثة، وقد تضخم حديث الإفك حتى صار شغل أهل المدينة الشاغل.
ولقد آتت مساعى عصبة الإفك والنفاق ثمارها إلى حد بعيد فقد فعلت حملات الإفك الظالمة فعلها المخيف في نفوس المجتمع الإسلامي ..
وحتى ذلك القلب الكبير النقى الطاهر، قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم صار عرضة لنزوع الشك والحيرة والقلق، فقد أثرت تلك الإشاعات الكاذبة في نفسه فأعرض عن زوجته الطيبة الطاهرة الحنون، مما اضطرها إلى الانتقال إلى بيت أبيها الصديق رضي الله عنه مشكوكًا فيها من زوجها العظيم وظلت هناك حتى نزلت براءتها من السماء قرآنًا يتلى أبد الآبدين.
وكانت محنة (بل أعظم محنة نفسية شاقة مضنية) تعرض لها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حياته، وهل هناك أعظم وأشد إيلامًا من أن يطعن الإنسان في عرضه، وخاصة من هو على مستوى النبوة والقيادة للأمة كلها؟ .
ولقد استمرت المحنة (التي تكلف فيها صاحب أطهر نفس في تاريخ الإنسانية من الآلام ما تنهد له الجبال) شهرًا كاملًا انقطع خلاله اتصال السماء بالأرض، وظل فيه ذلك القلب الكبير النقى معلقًا بحبال الشك تعتصره الآلام إلى أخف منها آلام طعن الرماح ووقع السيوف.
أما آل الصديق، أما بنت الصديق، أما زوج الصديق، أما الصديق نفسه، ذو الوقار المتناهى والحساسية المرهفة والطيبة الكاملة فقد كانت مصيبتهم أعظم من أن توصف، ويا لها من مصيبة، وهل هناك أعظم من أن يصاب بيت كريم رفيع العماد بالطعن في عرض ابنته .. وزوجة من؟ ؟ .. زوجة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، حبيب أبيها ورفيقه في النضال والجهاد منذ بزغت شمس الإسلام على هذه الأرض.
ولقد عقد هول الفاجعة ألسنة أهل ذلك البيت الطاهر بيت الصديق