الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليالي الخندق الأخيرة
حقًّا، لقد كانت تلك الليالى الأخيرة الحاسمة من ليالى الأحزاب الرهيبة مختبرًا صهر الله (في بوتقة محنها وبلاياها) أمة محمد مرة أخرى ليعلم (وهو الأعلم بعباده) الصادق من الكاذب ويميز الخبيث من الطيب.
وفعلًا لم يثبت مع نبيه في خضم تلك البلايا المتلاحقة والمحن المتحالفة التي أخذ بعضها برقاب بعض، إلا ذوو الإيمان الراسخ رسوخ شوامخ الجبال، والذي لا يزعزعه شيء مهما عظم، حتى إن بعض المؤرخين ذكر أنه لم يبق في الليالى الأخيرة من ليالى الخندق الحاسمة مع النبي القائد صلى الله عليه وسلم إلا حوالي ثلاثمائة مقاتل فقط، وماذا عسى أن يفعل ثمائة رجل (ينقصهم كل شيء مادى إلا الإيمان أمام أحد عشر ألف مقاتل يفوقونهم في كل شيء مادى؟ .
حذيفة يصف ليالي الكرب والشدة
ولنترك أحد الأعلام من صحابة محمد صلى الله عليه وسلم الأوفياء الخلصاء الذين ثبتوا معه في تلك الليالى الرهيبة الحاسمة ليصف لنا ما تعرض له محمد صلى الله عليه وسلم والصفوة من أصحابه في الليلة الأخيرة من ليالى الأحزاب المرعبة المخيفة، من محن وبلايا تعجز عن تحمل مثلها الشم الرواسى.
روى الحاكم والبيهقي من حديث عكرمة بن عمار، قال: ذكر حذيفة بن اليمان (1) مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جلساؤه (أي حذيفة) ..
(1) انظر ترجمته في كتابنا (غزوة أحد).
أما والله لو كنا شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا.
فقال حذيفة .. لا تمنَّوا ذلك، ثم قال .. لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعودًا، وأبو سفيان ومن معه فوقنا، وقريظة اليهود أسفل منا، نخافهم على ذرارينا.
وما أتت علينا ليلة قط، أشد ظلمة ولا أشد ريحًا منها، في أصوات ريحها أمثال الصواعق، وهي ظلمة ما يرى أحدنا إصبعه، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إن بيوتنا عورة، وما هي بعورة.
فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له، ويأذن لهم فيتسللون ونحن (في ثلاثمائة) أو نحو ذلك إذ استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا رجلًا حتى أتى وما عليَّ جُنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتى ما يجوز ركبتى.
قال (أي حذيفة) فأتانى (أي رسول الله) صلى الله عليه وسلم وأنا جاث على ركبتى فقال .. من هذا؟ حذيفة؟ .
فقلت .. حذيفة، فتقاصرت لمرض فقلت .. بلى يا رسول الله، كراهية أن أقوم فقمت.
فقال صلى الله عليه وسلم: إنه كائن في القوم خبر، فأتني بخبر القوم (1).
وفي رواية ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظى، قال .. قال رجل من أهل الكوفة الحذيفة بن اليمان .. يا أبا عبد الله، أرأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه؟ .
(1) البداية والنهاية ج 4 ص 114.
قال .. نعم يا ابن أخي.
قال .. فكيف كنتم تصنعون؟ .
قال حذيفة .. قد كنا نجتهد.
قال ذلك الرجل "هو تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم " .. والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا، قال .. فقال حذيفة
…
يا ابن أخي لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويًا من الليل ثم التفت إلينا، فقال .. من ينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع - فشرط له الرجعة - (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم).
أسأل الله أن يكون رفيقى في الجنة.
قال حذيفة .. فما قام رجل منا من شدة الخوف وشدة الجوع والبرد فلما لم يقم أحد، دعاني، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني.
فقال .. يا حذيفة إذهب فادخل في القوم فانظر ولا تحدثنى شيئًا حتى تأتينا الخ. وقد استجاب حذيفة لرغبة نبيه القائد صلى الله عليه وسلم وذهب إلى معسكر المشركين واطلع على حقيقة الموقف بينهم كما سنفصله فيما يأتي من هذا الكتاب في موضعه إن شاء الله.