الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منافق واحد، بل كلهم مسلمون تأثروا بقوة الأراجيف فجرفهم تيار الإشاعات الكاذبة، فنطقوا بما أوقعهم تحت طائلة العقوبة من صريح الكلام في عرض زوج نبيهم الطهور.
ولقد نجا عبد الله بن أبي وعصبته المنافقة من عقوبة القذف لأن التهمة لم تثبت عليه قانونًا، بالرغم من أن الناس يعلمون (في قرارة أنفسم ويشعرون ومنهم النبي الأعظم) أن المحرك الأول لحديث الإفك إنما هو هذا المنافق (ابن أبي وحزبه)، ولكن الشعور والاعتقاد شيء، والقانون وإجراءاته الرسمية شيء آخر.
ولهذا نجا رأس النفاق وعصابته من العذاب (عذاب السياط التي أصابت غيرهم حدًّا) لأن هذا المنافق كان يعلم عقوبة القذف الصريح، فكان لذلك أحذر من أن يقع تحت طائلة القانون، بكلام صريح مشهود يفوه به من حديث الإفك الذي لم يكن له سواه باعثًا ومروجًا، ولهذا أفلت من العقوبة بعد أن أوقع غيره لينال عذابها.
أضخم معركة يخوضها الرسول
قال في ظلال القرآن: لقد كانت - حادثة الإفك - معركة خاضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاضتها الجماعة المسلمة يومذاك، وخاضها الإسلام، معركة ضخمة لعلها أضخم المعارك التي خاضها الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج منها منتصرًا كاظمًا لآلامه الكبار محتفظًا بوقار نفسه وعظمة قلبه وجميل صبره، فلم تؤثر عنه كلمة واحدة تدل على نفاد صبره وضعف احتماله، والآلام التي تناوشه لعلها أعظم الآلام التي مرت به في حياته، والخطر على الإسلام من تلك الفرية من أشد الأخطار التي تعرض لها في تاريخه.
وإن الإنسان ليقف متململًا أمام هذه الصورة الفظيعة لتلك الفترة الأليمة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأمام تلك الآلام العميقة اللاذعة لعائشة زوجته المقربة وهي فتاة صغيرة في نحو السادسة عشرة، تلك السن المليئة بالحساسية المرهفة والرفرفة الشفيفة.
فها هي ذي عائشة الطيبة الطاهرة، ها هي ذي في براءتها ووضاءة ضميرها ونظافة تصوراتها، ها هي ذي ترمى في أعز ما تعتز به، وترمى في شرفها وهي ابنة الصديق الناشئة في العش الظاهر الرفيع، وترمى في أمانتها، وهي زوج محمد بن عبد الله من ذرية بنى هاشم، وترمى في وفائها وهي الحبيبة المدللة القريبة من ذلك القلب الكبير .. ثم ترمى في إيمانها وهي المسلمة الناشئة في حجر الإسلام، من أول يوم تفتحت عيناها فيه على الحياة، وهي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ها هي ذي ترمى وهي بريئة غرة غافلة، لا تحتاط ليس، ولا تتوقع شيئًا، فلا تجد ما يبرؤها إلا أن ترجوا في جناب الله، وتترقب أي يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا تبرؤها مما رميت به، ولكن الوحى يتلبث لحكمة يريدها الله شهرًا كاملًا، وهي في مثل هذا العذاب.
ويالله لها وهي تفاجأ بالنبأ من أم مسطح، وهي مهدودة من المرض فتعاودها الحمى وهي تقول لأمها في أسى: سبحان الله! وقد تحدث الناس بهذا، وفي رواية أُخرى تسأل: وقد علم به أبي؟ .
فتجيب أمها: نعم! .
فتقول: ورسول الله صلى الله عليه وسلم؟ . فتجيبها أمها كذلك نعم.