الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون فارس قريش عمرو بن عبد ودّ- حتى انسحاب الأحزاب نهائيًا.
ولكن الأحزاب، إذا كانوا قد أوقفوا عمليات المغامرة عن طريق قفز الخيل عبر الخندق، فإنهم من ناحية أُخرى قد شددوا الحصار على المسلمين وضاعفوا من عمليات الضغط عليهم، فكأنهم أرادوا الاعتماد على حرب الأعصاب المرهقة عن طريق إرهاب المسلمين وإزعاجهم والجلب عليهم بالخيل والرجل وكل وسائل الإعنات والتخويف لعل ذلك يوهن من قوة المسلمين المعنوية التي هي السلاح الوحيد الرئيسى الذي بقى في أيديهم أمام هذه الجيوش الهائلة الجبارة التي تطبق عليهم من كل مكان.
(وفعلًا) لقد تقاطرت البلايا (من جديد) وتضخمت متاعب الجيش الصغير القابع وراء خطوطه خلف الخندق وكأنه نقطة يابسة بيضاء وسط بحر محيط هائج أسود، وبلغ الكرب والضيق والشدة (من جديد) بالرسول وصفوة أصحابه الأوفياء مبلغًا عظيمًا لم يكن ليصمد معه ويثبت إلا من كان على مستوى محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الأبرار رضي الله عنهم، إيمانًا وعزيمة وثقة بالله واطمئنانًا بوعده.
الفقر والجوع في الجيش الإسلامي
ولقد كان المسلمون -بالإضافة إلى المتاعب والمحن والكروب التي سببها لهم هذا الحصار الخانق الرهيب- يعانون متاعب كبيرة أخرى مصدرها حالة الفقر والعوز التي كانوا عليها في ذلك الظرف مع عوامل الطبيعة القاسية من برد قارص يلسع أجسادهم شبه العارية، وهم
مرابطون أو يقومون بأعمال الدورية الدائمة على طول الخندق ليلًا ونهارًا، فقد كانت تلك السنة سنة جدب وقحط بالنسبة للمسلمين، كما أن الفصل كان فصل شتاء قارس تتخلله الرياح الهوجاء.
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلي الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما بهم من النصب والجوع قال:
"اللهم إن العيش عيش الآخرة
…
فاغفر للأنصار والمهاجرة".
كما جاء في "البداية والنهاية" -نقلًا عن صحيح البخاري- أن المجاعة كانت منتشرة بين المسلمين أيام الأحزاب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان من شدة الجوع -وقت حفر الخندق- يربط الحجر على بطنه الكريم.
وجاء في السيرة الحلبية ج 2 ص 98. . وحصل للصحابة رضي الله عنهم تعب وجوع، لأنه كان في زمن عسرة وعام مجاعة، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بأصحابه من النصب والجوع قال متمثلًا بقول عبد الله بن رواحة:
اللهم لا خير إلا خير الآخرة
…
فبارك الأنصار والمهاجرة
ومع هذه المحن والبلايا التي غرق فيها المسلمون جاءت قريظة الغادرة لتنقض العهد الذي بينها وبين المسلمين وتتواطأ مع الأحزاب على ضربهم.
فازدادت حلقات المحنة استحكامًا، وتحالفت عوامل الكرب والبلاء على المسلمين، ولكنهم -رغم كل هذا- ظلوا صامدين في انتظار الفرج من عند الله الذي كانوا على ثقة تامة من نصره لهم.