الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أنهما كمؤمنين صادقين لا يبيحان لأنفسهما الخروج على أمر النبي -حتى ولو كان فيه هلاكهما- أبلغا النبي القائد صلى الله عليه وسلم أنهما -باسم الأنصار جميعًا- على أتم استعداد للموافقة على هذه الاتفاقية بكاملها إذا كان ذلك عن أمر الله ووحى منه.
أما إذا كان الأمر، لا يعدو أن يكون رأيًا فيه مجال لأخذ والرد فإن لهما رأيا غير الرأي الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنهما يرفضان (بصراحة) إعطاء قبائل غطفان تمرة واحدة من ثمار المدينة على هذه الصورة.
فقد قال السعدان. . يا رسول الله. . أمرًا تحبه فتصنعه أم شيئًا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا، فإن كان أمرًا من السماء فامض له، وإن كان أمرًا لم تؤمر به ولك فيه هوى فسمع وطاعة، وإن كان إنما هو الرأي، فما لهم عندنا إلا السيف.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. . لو أمرنى الله ما شاورتكما، والله ما أصنع ذلك إلا لأنى رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحد وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر شوكتهم إلى أمر ما.
والله لا نعطيهم إلا السيف
فقال له سعد بن معاذ (سيد الأوس) .. وكان شابًّا لم يكمل الأربعين من عمره: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم -يعني
غطفان لا يطمعون أن يأكلوا منا تمرة، إلا قِرى (1) أو بيعًا، وإن كانوا ليأكلوا العِلْهِز (2) في الجاهلية من الجهد.
ثم قال سعد بن معاذ -معترضًا على الاتفاقية الآنفة الذكر-. . أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، ونقطعهم أموالنا، ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم (3).
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم معارضة سيدى الأنصار لهذه الاتفاقية التي كتبت ولم يبق إلا التوقيع عليها وشهادة الشهود (4) عدل النبي صلى الله عليه وسلم عن رأيه ومال إلى رأى السعدين قائلًا لسعد بن معاذ الذي تولى المناقشة. . فأنت وذاك.
وهنا أخذ سيد الأوس -سعد بن معاذ- الصحيفة التي قد تم فيه تسجيل اتفاقية الصلح ومزقها، ثم وجه حديثه إلى سيدى غطفان عيينة
(1) القرى -بكسر القاف وفتح الراء- الضيافة.
(2)
العلهز -بكسر أوله وسكون ثانية وكسر ثالثه- وبر يخلط بدماء الحلم -بفتح الحاء واللام- كانت العرب في الجاهلية تأكله في الجدب.
(3)
سيرة ابن هشام ج 2 ص 233 والسيرة الحلبية ج 2 ص 103 وما بعدها.
(4)
قال ابن إسحاق. . فلما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ومن لا أتهم -عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المرى، وهما قائدا غطفان، فأعطاهما -أي عرض عليهما- ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهما الصلح، حتى كتبوا الكتاب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا مراوضة، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فذكر ذلك لهما واستشارهما فيه. . إلى أن ذكر بن إسحاق كيف أن السعدين لم يوافقا في النهاية على الاتفاقية المذكورة.