الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لها: يا بنية هونى على نفسك الشأن، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها.
ولكن هذا التماسك يتزايل وعائشة تقول لها: أجيبى عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول كما قال زوجها من قبل: والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ابن المعطل يضرب حسانًا بالسيف
والرجل المسلم الطيب الطاهر المجاهد في سبيل الله، صفوان بن المعطل. وهو يُرمى بخيانة نبيه في زوجه. فيرمى بذلك في إسلامه وفي أمانته، وفي شرفه، وفي حميته، وفي كل ما يعتز به صحابى وهو من ذلك كله برئ.
وهو يفاجأ بالاتهام الظالم وقلبه برئ من تصووه، فيقول: سبحان الله! والله ما كشفت كتف أنثى قط، ويعلم (وهو الشجاع) أن حسان بن ثابت يروج لهذا الإفك عنه.
فلا يملك نفسه أن يضربه بالسيف على رأسه ضربة تكاد تودى به، ودافعه إلى رفع سيفه على امرئ مسلم، وهو منهى عنه، أن الألم قد تجاوز طاقته فلم يملك زمام نفسه الجريح (1).
(1) قال ابن إسحاق: ثم إن صفوان بن المعطل اعترض حسان بن ثابت بالسيف حين بلغه ما كان يقول فيه، وقد كان حسان قال شعرًا مع ذلك يعرض بابن المعطل وبمن أسلم من مضر فاعترضه صفوان بن المعطل فضربه بالسيف ثم قال:
تلق ذباب السيف عنى فإننى
…
غلام إذا هوجيت لست بشاعرًا
ولقد ألقى رهط حسان القبض على صفوان فذهبوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخمد الفتنة بحكمته، بعد أن كادت تشتعل بين الأنصار والمهاجرين أنفسهم، لأن صفوانًا مهاجرى وحسانًا أنصارى.
ثم ها هو ذا الرسول صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله، وهو في الذروة من بنى هاشم .. ها هو ذا يرمى في بيته وفي من؟ في عائشة التي حلت من قلبه في مكان الإبنة والزوجة الحبيبة.
وها هو ذا يرمى في طهارة فراشه، وهو الطاهر تفيض منه الطهارة، وها هو ذا يرمى في صيان حرمته، وهو القائم على الحرمات في أُمته، وها هو ذا يرمى في حياطة ربه له، وهو الرسول المعصوم من كل سوء.
ها هو ذا صلى الله عليه وسلم يرمى في كل شيء حين يرمى في عائشة رضي الله عنها .. يرمى في فراشه وعرضه وقلبه ورسالته، يرمى في هذا كله، ويتحدث الناس به في المدينة شهرًا كاملًا، فلا يملك أن يضع لهذا كله حدا والله يريد لحكمة يراها أن يدع هذا الأمر شهرًا كاملًا، لا يبين فيه بيانًا، ومحمد الإنسان يعانى ما يعانيه الإنسان في هذا الموقف الأليم، يعانى من العار، ويعانى فجيعة القلب، ويعانى فوق ذلك الوحشة المؤرقة، والوحشة من نور الله الذي اعتاد أن ينير له الطريق.
والشك يعمل في قلبه - مع وجود القرائن الكثيرة على براءة أهله، ولكنه لا يطمئن نهائيًا إلى هذه القرائن - والفرية تفوح في المدينة، وقلبه الإنسان المحب لزوجه الصغيرة يتعذب بالشك، فلا يملك أن يطرد الشك لأنه في النهاية (بشر) ينفعل في هذه انفعالات (البشر)، وزوج لا يطيق أن يمس فراشه .. ورجل تتضخم بذرة الشك في قلبه متى استقرت ويصعب عليه اقتلاعها دون دليل حاسم.
وها هو ذا يثقل عليه العبء وحده، فيبعث إلى أسامة بن زيد حبه
القريب إلى قلبه، ويبعث إلى علي بن أبي طالب، ابن عمه وسنده، يستشيرهما في خاصة أمره.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم في لهفة الإنسان، وفي قلق الإنسان يستمد من حديث أسامة، ومن شهادة الجارية مددًا وقوة يواجه بهما القوم في المسجد، فيستعذر ممن نالوا عرضه، ورموا أهله، ورموا رجلًا من فضلاء المسلمين لا يعلم أحد عليه من سوء.
فيقع بين الأوس والخزرج من تناور - وهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل على هذا الجو الذي كان يظلل الجماعة المسلمة في هذه الفترة الغريبة، وقد خدشت قداسة القيادة.
ويحز هذا في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم والنور الذي اعتاد أن يسعفه لا ينير له الطريق! فإذا هو يذهب إلى عائشة نفسها يصارحها بما يقول الناس، ويطلب منها (هي) البيان الشافى المريح.
وعندما تصل الآلام إلى ذروتها على هذا النحو يتعطف عليه ربه، فيتنزل القرآن ببراءة عائشة الصديقة الطاهرة، وبراءة بيت النبوة الطيب الرفيع، ويكشف المنافقين الذين حاكوا هذا الإفك، ويرسم الطريق المستقيم للجماعة المسلمة في مواجهة مثل هذا الشأن العظيم أهـ.