الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان من المتفق بين الوفد اليهودى وقريش أن يشترك مع جيوش الأحزاب هو جيش بنى قريظة الواقع في الطرف الجنوبي للمدينة، والذي تعاهد حيى بن أخطب لقادة الأحزاب أن يوجه ضربته المميتة من الخلف للمسلمين ساعة الصفر.
القائد العام لجيوش الأحزاب
وقد اتفق قادة جيوش الأحزاب على إسناد القيادة العامة لكل هذه الجيوش إلى أبي سفيان (صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس ن عبد مناف).
وقد كان الميعاد المتفق عليه بين قادة الأحزاب للتجمع حول المدينة هو شهر شوال من السنة الرابعة للهجرة.
ففي أول هذا الشهر تكامل حشد جيوش الأحزاب حول المدينة، فرابطت هناك عشرة آلاف مقاتل من قريش وأحلافها وغطفان وأحلافها يساندهم حوالي ألفين من اليهود داخل المدينة وخارجها، ظلوا لهم كالاحتياطى، بينما لا يزيد عدد المسلمين على ثلاثة آلاف مقاتل على أكثر تقدير.
حقيقية عدد قوات المسلمين
وذكر ابن حزم في كتابه (جوامع السيرة) ص 187 (وصححه) أن جيش المسلمين لم يزد على تسعمائة في غزوة الأحزاب.
وأقول .. هذا أقرب إلى الصواب، وخاصة بعد انسحاب المنافقين الذين كانوا يشكلون جزءًا كبيرًا من الجيش وتركهم المسلمين وشأنهم
عندما اشتد الكرب وتأزمت الحالة، وتصويبنا لرأى الإمام ابن حزم يستند إلى الأمور المنطقية التالية:
أ- أن الجيش الذي اشترك في معركة أُحد (وهو كل القوة التي لدى الدولة في المدينة) لا يزيد على سبعمائة مقاتل، حيث لم يتخلف عن معركة أُحد من يقدر على حمل السلاح.
ب- من الموكد أن المدة بين معركة الأحزاب وغزوة أُحد لا تزيد على سنة واحد (1)، ولم تكن هذه السنة إلا فترة صراع مرير بين الإسلام والوثنية في جميع أنحاء الجزيرة العربية، وخاصة المناطق المحيطة بالمدينة.
جـ- لذلك يكون من المؤكد أن الداخلين في الإسلام (في تلك المدة) هم قليلون جدًّا، وعلى هذا يكون من المستبعد أن يرتفع عدد الجيش الإسلامى (في فترة الصراع العصبية تلك) من سبعمائة مقاتل إلي ثلاثة آلاف مقاتل.
(1) اختلف أصحاب المغازي والسير في تاريخ غزوة الأحزاب، فقال ابن إسحاق إنها كانت في شوال سنة خمس للهجرة، وبذلك صرح غيره من المؤرخين، ولكن الذي رجحه البخاري ومال إليه هو قول (موسى بن عقبة) إنها كانت في شوال سنة أربع للهجرة، وقد رجح الإمام ابن حزم ما ذهب إليه الإمام البخاري من أن هذه الغزوة كانت في السنة الرابعة، لا الخامسة، وقد استند الإمام البخاري ومن تبعه عى القول بأنها كانت سنة أربع، وبقول عبد الله بن عمر بن الخطاب الذين أرادوا الاشتراك في معركة أحد (وهي سنة ثلاث للهجرة) رد عبد الله بن عمر ولم يجزه لأنه كان ابن أربع عشرة سنة وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه (أي سمح له بالاشتراك في القتال لبلوغه) سن الرشد، فيكون (على هذا) بين غزوة أحد وبين الأحزاب سنة واحدة، وغزوة أحد كانت سنة ثلاث فتكون الأحزاب (بالتأكيد) سنة أربع، والله أعلم.
د- مما يعضد الرأي الذي ذهب إليه ابن حزم هو أن المصادر التاريخية (كما في حديث حذيفة بن اليمان في البداية والنهاية) ذكرت أنه في الليالى الأخيرة الحاسمة من ليالى الخندق، لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم في وجه الأحزاب أمام الخندق سوى ثلاثمائة مقاتل أو نحوهم (1).
هـ- لو كان جيش المسلمين الذي ظل صامدًا في وجه الأحزاب طيلة ليالى الخندق، هو ثلاثة آلاف مقاتل، لما خاف المسملون ذلك الخوف الشديد الذي بلغ حد الزلزال وبلوغ القلوب الحناجر، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (2).
ذلك أن نسبة المسلمين تكون (إذا كان جيشه ثلاثة آلاف مقاتل في غزوة الأحزاب) واحدًا لثلاثة تقريبًا، وهذه ليست أول مرة تكون فيها نسبة المحاربين المسلمين واحدًا لثلاثة من المشركين، ففي معركة أحد كانت النسبة أقل من ذلك، حيث كانت نسبة المسلمين واحد لأربعة من المشركين (تقريبًا) حيث خرج من المدينة سبعمائة مقاتل اصطدموا في العراء (حيث لا خندق ولا أبنية ولا حرار تحميهم) بثلاثة آلاف مقاتل فأنزلوا بهم في الجولة الأولى هزيمة منكرة كادت تكون ساحقة لولا غلطة الرماة.
فكيف (إذن) يبلغ الخوف والفزع بالمسلمين إلى تلك الدرجة وهم متحصنون داخل المدينة وكأنهم في قلعة منيعة، ونسبة محاربيهم واحد
(1) سيأتي حديث حذيفة بن اليمان هذا مفصلًا فيما يلي من هذا الكتاب إن شاء الله.
(2)
الأحزاب 11.
لثلاثة فقط من محاربى الأحزاب، وهي نسبة أكثر من نسبتهم في معركة أُحد التي قابلوا فيها جيش العدو، دون أن يشعروا بخوف أو فزع؟ .
فهل انخفضت نسبة الشجاعة والثبات والإقدام بين المسلمين بعد معركة أُحد، حتى يبلغ بهم الخوف والفزع إلى تلك الدرجة في معركة الأحزاب، ونسبة عددهم إزاء عسكر الأحزاب فيها أكثر من نسبته إزاء عسكر مكة في معركة أُحد؟ . . الجواب الصحيح هو النفي (قطعًا) فالمسلمون بعد معركة أحد لم يزدادوا إلا شجاعة وثباتًا وإقدامًا وتضحية.
(إذن) وقد ثبت أن الخوف والفزع قد بلغ بين المسلمين إلى درجة الزلزال وبلوغ القلوب الحناجر في غزوة الأحزاب لا بد من القول (أو الترجيح على الأقل) بأن مصدر ذلك الخوف والفزع الأساسي، هو أن المسلمين (على شجاعتهم) كانوا (لكثرة عدوهم وقلتهم) كالجزيرة الصغيرة التي يحيط بها البحر الهائج ويهددها بالابتلاع في كل لحظة، وأن كثرة العدو الغامرة الهائلة التي بلغت فيها النسبة واحدًا من المسلمين لعشرة من المشركين مع تربص اليهود وتوقع المسلمين منهم نقض العهد وضربهم من الخلف، مع إرجاف المنافقين داخل الجيش، هي السبب الأكبر في ذلك الخوف والفزع الذي انتاب المسلمين بصورة لم يسبق لها مثيل.
وعلى هذا لا بد من ترجيع القول الذي قال به الإمام ابن حزم، وهو أن جيش المسلمين الذي رابط وراء الخندق وصمد في وجه عشرة آلاف مقاتل من عساكر الأحزاب لم يزد على تسعمائة مقاتل.
ولا يستبعد أن يكون عدد الجيش الإسلامي أول الأمر- وعندما كان