الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاملة على الاستثناء، وعلى الخوف من تبدل الحالة، والله يعصمنا من ذلك بفضله وسعة رحمته. (1)
موقفه من القدرية:
قال في كتاب الاعتقاد له (باب القول في خلق الأفعال): قال الله عزوجل: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (2)، فدخل فيه الأعيان والأفعال من الخير والشر. وقال:{أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (3). فنفى أن يكون خالق غيره، ونفى أن يكون شيء سواه غير مخلوق. فلو كانت الأفعال غير مخلوقة، لكان الله سبحانه خالق بعض الأشياء دون جميعها، وهذا خلاف الآية.
ومعلوم أن الأفعال أكثر من الأعيان، فلو كان الله خالق الأعيان، والناس خالقي الأفعال، لكان خلق الناس أكثر من خلقه، ولكانوا أتم قوة منه، وأولى بصفة المدح من ربهم سبحانه، ولأن الله تعالى قال:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} (4). فأخبر أن أعمالهم مخلوقة لله عزوجل.
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب: ثنا محمد ابن عبيد الله بن المنادي: ثنا يونس بن محمد: ثنا شيبان، عن قتادة في قوله:
(1) الاعتقاد للبيهقي (ص.296 - 299).
(2)
غافر الآية (62).
(3)
الرعد الآية (16).
(4)
الصافات الآية (96).
{أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)} (1). قال: الأصنام. {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} (2). قال: خلقكم وخلق ما تعملون بأيديكم.
قلنا: ولأن الله تعالى قال: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)} (3). فامتدح بالقولين جميعا، فكما لا يخرج شيء من علمه، لا يخرج شيء غيره من خلقه. ولأنه قال:{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} (4) فأخبر أن قولهم وسرهم وجهرهم خلقه، وهو بجميع ذلك عليم. وقال:{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)} (5). كما قال: {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)} (6). فكما كان مميتا محييا، بأن خلق الموت والحياة، كان مضحكا مبكيا، بأن خلق الضحك والبكاء. وقد يضحك الكافر سرورا بقتل المسلمين، وهو منه كفر، وقد يبكي حزنا بظهور المسلمين، وهو منه كفر. فثبت أن الأفعال كلها خيرها وشرها، صادرة عن خلقه وإحداثه إياها. (7)
(1) الصافات الآية (95).
(2)
الصافات الآية (96).
(3)
الأنعام الآية (101).
(4)
الملك الآيتان (13و14).
(5)
النجم الآية (43).
(6)
النجم الآية (44).
(7)
الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد (ص.142 - 143).