الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل الحق وهم أهل السنة، فقالوا: هذا هو الاختيار: أن يكون الإمام فاضلا عدلا محسنا، فإن لم يكن، فالصبر على طاعة الجائرين من الأئمة أولى من الخروج عليه، لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف، ولأن ذلك يحمل على هراق الدماء وشن الغارات والفساد في الأرض، وذلك أعظم من الصبر على جوره وفسقه، والأصول تشهد والعقل والدين أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك، وكل إمام يقيم الجمعة والعيد، ويجاهد العدو ويقيم الحدود على أهل العداء، وينصف الناس من مظالمهم بعضهم لبعض، وتسكن له الدهماء وتأمن به السبل، فواجب طاعته في كل ما يأمر به من الصلاح أو من المباح. (1)
موقفه من المرجئة:
قال في 'التمهيد': أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنية، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والطاعات كلها عندهم إيمان إلا ما ذكر عن أبي حنيفة وأصحابه فإنهم ذهبوا إلى أن الطاعات لا تسمى إيمانا قالوا إنما الإيمان التصديق والإقرار، ومنهم من زاد والمعرفة. -ثم ذكر ما احتجوا به
…
- إلى أن قال: وأما سائر الفقهاء من أهل الرأي والآثار بالحجاز والعراق والشام ومصر منهم مالك بن أنس، والليث ابن سعد، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وداود بن علي، وأبو جعفر الطبري، ومن سلك سبيلهم؛ فقالوا: الإيمان قول وعمل، قول باللسان
(1) فتح البر (1/ 111).
وهو الإقرار واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح مع الإخلاص بالنية الصادقة قالوا: وكل مايطاع الله عز وجل به من فريضة ونافلة فهو من الإيمان، والإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وأهل الذنوب عندهم مؤمنون غير مستكملي الإيمان من أجل ذنوبهم، وإنما صاروا ناقصي الإيمان بارتكابهم الكبائر. ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» (1) يريد مستكمل الإيمان، ولم يرد به نفي جميع الإيمان عن فاعل ذلك، بدليل الإجماع على توريث الزاني والسارق وشارب الخمر -إذا صلوا للقبلة وانتحلوا دعوة الإسلام- من قرابتهم المؤمنين الذين ليسوا (2)
بتلك الأحوال، وفي إجماعهم على ذلك مع إجماعهم على أن الكافر لا يرث المسلم، أوضح الدلائل على صحة قولنا: أن مرتكب الذنوب ناقص الإيمان بفعله ذلك، وليس بكافر كما زعمت الخوارج في تكفيرهم المذنبين، وقد جعل الله في ارتكاب الكبائر حدودا، جعلها كفارة وتطهيرا كما جاء في حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم:«فمن واقع منها شيئا -يعني من الكبائر- وأقيم عليه الحد فهو له كفارة، ومن لا فأمره إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه» (3). وليس هذا حكم الكافر لأن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
(1) تقدم تخريجه في مواقف الحسن البصري سنة (110هـ).
(2)
في التمهيد: (آمنوا) والتصويب من مجموع الفتاوى (7/ 330) ..
(3)
البخاري (1/ 87/18).
والإيمان مراتب بعضها فوق بعض، فليس الناقص فيها كالكامل، قال الله عز وجل:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} (1) أي: إنما المؤمن حق الإيمان من كانت هذه صفته، ولذلك قال:{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} (2). ومثل هذه الآية في القرآن كثير.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» (3) أن هو المؤمن المسلم حقا. ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» (4) ومعلوم معمول أنه لا يكون هذا أكمل حتى يكون غيره أنقص، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله» (5) وقوله: «لا إيمان لمن لا صلاة له ولا من لا
(1) الأنفال الآية (2).
(2)
الأنفال الآية (4).
(3)
الترمذي (5/ 18/2627) وقال: "حسن صحيح". والنسائي (8/ 479/5010) والحاكم (1/ 10) وقال: "قد اتفقا على إخراج طرق حديث: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» ولم يخرجا هذه الزيادة وهي صحيحة على شرط مسلم" ووافقه الذهبي.
(4)
أحمد (2/ 250، 472) وأبو داود (5/ 60/4682) والترمذي (3/ 466/1162) وقال: "حسن صحيح". والحاكم (1/ 3) وصححه ووافقه الذهبي.
(5)
أحمد (4/ 286) من حديث البراء. وابن أبي شيبة (6/ 172/30443) من حديث ابن مسعود. وله طرق لا تخلوا من مقال، أوردها الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (1728) وقال:"فالحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن على الأقل، والله أعلم".
أمانة له» (1) كل ذلك يدل على أنه ليس بإيمان كامل، وأن بعض الإيمان أوثق عروة وأكمل من بعض، كما قال:«ليس المسكين بالطواف عليكم» الحديث (2) يريد ليس الطواف بالمسكين حقا، لأن ثم من هو أشد مسكنة منه، وهو الذي لا يسأل الناس ويتعفف. ويدلك على ذلك قول عائشة: إن المسكين ليقف على بابي
…
الحديث.
وروى مجاهد بن جبر وأبو صالح السمان جميعا عن عبد الله بن جمرة عن كعب قال: «من أحب في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنح لله فقد استكمل الإيمان» (3).
ومن الدلائل على أن الإيمان قول وعمل كما قالت الجماعة والجمهور، قول الله عز وجل:{وما كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (4).لم يختلف المفسرون أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانا، ومثل هذا القول:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} الآية إلى قوله: {أولئك هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} (5).
(1) أحمد (3/ 135) وابن حبان (1/ 423/195) والبغوي في شرح السنة (1/ 74/38) وحسنه. وفي الباب من حديث أبي أمامة وابن مسعود رضي الله عنهما.
(2)
أحمد (1/ 384) والبخاري (3/ 433/1476) والنسائي (5/ 89/2570).
(3)
ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان (133) موقوفا عليه، وقد ورد مرفوعا من حديث أبي أمامة عند أبي داود (5/ 60/4681)، ومن حديث سعد بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عند أحمد (3/ 440)، والترمذي (4/ 578/2521) وحسنه. والحاكم (2/ 164) وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
(4)
البقرة الآية (143).
(5)
البقرة الآية (177).