الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغيرهم. كان فقيها مدققا محققا، نحويا مفسرا، مجتهدا في العبادة، مهيبا بين التلامذة، صاحب جد ووقار وسكينة. قال ابن شهبة في طبقاته: كان يلقب ركن الإسلام. وقال أبو عثمان الصابوني: لو كان الشيخ أبو محمد في بني إسرائيل لنقلت إلينا شمائله، وافتخروا به. توفي في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة.
موقفه من الجهمية:
هذا والد أبي المعالي عبد الملك المشهور بإمام الحرمين، وإذا أطلق الجويني انصرف إلى الابن. وكان الوالد بحرا في شتى العلوم كما بين ذلك ابن السبكي في طبقاته، وهو كغيره في وقته تربى على الأشعرية وتلقى العلوم على مشايخها، وبصيرته بنصوص القرآن والسنة والفطرة السلفية جعلته يتوقف ويشك في صحة ما يقوله مشايخ الأشاعرة من التأويل والتعطيل. ثم أخيرا هداه الله وشرح صدره لعقيدة السلف، فكتب في ذلك رسالته التي بين فيها أعظم المسائل في العقيدة السلفية وهي إثبات الفوقية والاستواء والحرف والصوت لله رب العالمين.
وهذه الرسالة طبعت منفردة ومع مجموعة الرسائل المنيرية.
وأما ابنه عبد الملك فسبح في بحر الأشعرية وتخبط مدة طويلة من الزمن، ثم رجع وكتب رجوعه في العقيدة النظامية، ولكن إلى عقيدة التفويض. انظر الصفات الإلهية بين الخلف والسلف. (1)
نموذج من رسالة الجويني الوالد:
(1)(ص.82 وما بعدها).
وبعد أن ذكر خطبة الرسالة قال: وبعد، فهذه نصيحة كتبتها إلى إخواني في الله أهل الصدق والصفاء والإخلاص والوفاء لما تعين علي من محبتهم في الله ونصيحتهم في صفات الله عز وجل، فإن المرء لا يكمل إيمانه حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه. وفي الصحيح عن جرير بن عبد الله البجلي قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم (1). وعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة» ثلاثا، قال: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» (2). أعرفهم أيدهم الله تعالى بتأييده ووفقهم لطاعته ومزيده أنني كنت برهة من الدهر متحيرا في ثلاث مسائل: مسألة الصفات، ومسألة الفوقية، ومسألة الحرف والصوت في القرآن المجيد، وكنت متحيرا في الأقوال المختلفة الموجودة في كتب أهل العصر في جميع ذلك من تأويل الصفات وتحريفها أو إمرارها والوقوف فيها أو إثباتها بلا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل، فأجد النصوص في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ناطقة منبئة بحقائق هذه الصفات وكذلك في إثبات العلو والفوقية وكذلك في الحرف والصوت.
ثم أجد المتأخرين من المتكلمين في كتبهم منهم من يؤول الاستواء بالقهر والاستيلاء ويؤول النزول بنزول الأمر
(1) أحمد (4/ 365) والبخاري (1/ 182 - 183/ 57) ومسلم (1/ 75/56) والترمذي (4/ 286/1925) ورواه أبو داود (5/ 234/4945) والنسائي (7/ 158 - 159/ 4168) كلاهما بلفظ: «
…
على السمع والطاعة وأن أنصح لكل مسلم».
(2)
أخرجه: أحمد (4/ 102) ومسلم (1/ 74/55) وأبو داود (5/ 233 - 234/ 4944) والنسائي (7/ 176/4208) عن تميم الداري. والحديث ذكره البخاري تعليقا (1/ 182). قال ابن حجر في الفتح: "هذا الحديث أورده المصنف هنا ترجمة باب، ولم يخرجه مسندا في هذا الكتاب لكونه على غير شرطه، ونبه بإيراده على صلاحيته في الجملة".
ويؤول اليدين بالقدرتين أو النعمتين ويؤول القدم بقدم صدق عند ربهم وأمثال ذلك ثم أجدهم مع ذلك يجعلون كلام الله تعالى معنى قائما بالذات بلا حرف ولا صوت ويجعلون هذه الحروف عبارة عن ذلك المعنى القائم.
وممن ذهب إلى هذه الأقوال وبعضها، قوم لهم في صدري منزلة مثل طائفة من فقهاء الأشعرية الشافعيين، لأني على مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه عرفت فرائض ديني وأحكامه فأجد مثل هؤلاء الشيوخ الأجلة يذهبون إلى مثل هذه الأقوال، وهم شيوخي ولي فيهم الاعتقاد التام لفضلهم وعلمهم ثم إنني مع ذلك أجد في قلبي من هذه التأويلات حزازات لا يطمئن قلبي إليها، وأجد الكدر والظلمة منها وأجد ضيق الصدر وعدم انشراحه مقرونا بها. فكنت كالمتحير المضطرب في تحيره المتململ من قلبه في تقلبه وتغيره.
وكنت أخاف من إطلاق القول بإثبات العلو والاستواء والنزول مخافة الحصر والتشبيه ومع ذلك فإذا طالعت النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أجدها نصوصا تشير إلى حقائق هذه المعاني وأجد الرسول صلى الله عليه وسلم قد صرح بها مخبرا عن ربه واصفا له بها، وأعلم بالاضطرار أنه صلى الله عليه وسلم كان يحضر في مجلسه: الشريف والعالم والجاهل والذكي والبليد والأعرابي والجافي، ثم لا أجد شيئا يعقب تلك النصوص التي كان يصف ربه بها لا نصا ولا ظاهرا مما يصرفها عن حقائقها ويؤولها كما تأولها هؤلاء مشايخي الفقهاء المتكلمين، مثل تأويلهم الاستيلاء بالاستواء ونزول الأمر للنزول وغير ذلك ولم أجد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يحذر الناس من الإيمان بما يظهر من كلامه في صفته لديه من الفوقية واليدين وغيرها، ولم ينقل عنه مقالة تدل على أن لهذه الصفات معاني
أخر باطنة غير ما يظهر من مدلولها مثل فوقية المرئية ويد النعمة والقدرة وغير ذلك. وأجد الله عز وجل يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} (1) .. ثم ذكر آيات الاستواء وأحاديثه ثم قال -فصل-: إذا علمنا ذلك واعتقدناه تخلصنا من شبه التأويل وعماوة التعطيل وحماقة التشبيه والتمثيل وأثبتنا علو ربنا سبحانه وفوقيته واستواءه على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته والحق واضح في ذلك والصدور تنشرح له فإن التحريف تأباه العقول الصحيحة مثل تحريف الاستواء بالاستيلاء وغيره، والوقوف في ذلك جهل وعي مع كون أن الرب تعالى وصف لنا نفسه بهذه الصفات لنعرفه بها فوقوفنا عن إثباتها ونفيها عدول عن المقصود منه في تعريفنا إياها فما وصف لنا نفسه بها إلا لنثبت ما وصف به نفسه لنا ولا نقف في ذلك وكذلك التشبيه والتمثيل حماقة وجهالة فمن وفقه الله تعالى للإثبات بلا تحريف ولا تكييف ولا وقوف فقد وقع على الأمر المطلوب منه إن شاء الله تعالى.
ثم قال -فصل-: والذي شرح الله صدري في حال هؤلاء الشيوخ الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء، والنزول بنزول الأمر واليدين بالنعمتين والقدرتين هو علمي بأنهم ما فهموا في صفات الرب تعالى إلا ما يليق بالمخلوقين، فما فهموا عن الله استواء يليق به ولا نزولا يليق به ولا يدين تليق بعظمته بلا تكييف ولا تشبيه فلذلك حرفوا الكلم عن مواضعه وعطلوا ما وصف الله تعالى نفسه به. (2)
(1) طه الآية (5).
(2)
مجموعة الرسائل المنيرية (1/ 175 - 181).
التعليق:
ماذا يقول علماء الأشاعرة في هذه الرسالة السلفية؟ هل اخترعت على الجويني أم هي حقيقة من تأليفه ينبغي أن يؤول ما فيها أو يرفض لأنه لا يتفق والعقيدة الأشعرية. والله إن هذا لهو الحق المبين مهما كان الأمر ومهما قيل.
انظر رحمك الله إلى عبارات هذا الإمام في التأويل والتشبيه يستطيع شيخ الإسلام ومن سار على طريقه أن يعبر أكثر من هذا التعبير في الوصف بالعماوة والحماقة؟ فهذا تعبير لا مزيد عليه. وابن تيمية إنما يشرح كلام أمثال هؤلاء الفحول ويبينها لا غير، إذا فليرجع أئمة الأشاعرة إلى عقيدة السلف ويكفنوا عقيدة أهل اليونان ويرموها في مكان سحيق حتى لا يتأذى الناس بشرها. أو يندبون خدودهم على مثل هذه العقائد السلفية من أئمة كانوا فحولا في العقيدة الأشعرية، فنرجو الله أن يرجع بإخواننا إلى الصراط المستقيم إنه سميع مجيب.
محمد بن علي الصوري (1)(441 هـ)
الإمام الحافظ الحجة، أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الشامي الصوري ولد سنة ست أو سبع وسبعين وثلاثمائة. سمع محمد بن أحمد بن جميع الصيداوي، ومحمد بن عبد الصمد الزرافي وعبد الغني بن سعيد المصري. وحدث عنه شيخه الحافظ عبد الغني، وأبو بكر الخطيب، والقاضي أبو عبد الله
(1) السير (17/ 627 - 631) وتاريخ بغداد (3/ 103) وتذكرة الحفاظ (3/ 1114) والأنساب (3/ 565).