الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرابطين. وقام بالجهاد ودانت له الصحراء. ثم ضاقت الصحراء بهم وأرادوا إعلان الحق وأن يسيروا إلى الأندلس للغزو، فأتوا السوس (وعاصمتها طنجة) فحاربهم أهلها فقتل ابن ياسين وانهزم أبو بكر بن عمر. ثم انتصر بعد ذلك. وتمكن من سجلماسة أيضا. فاستناب أبو بكر عليها يوسف بن تاشفين ابن عمه. ورجع هو إلى الصحراء وخطب لنفسه. وقال صاحب "المغرب عن سيرة ملك المغرب": إن أبا بكر بن عمر كان رجلا ساذجا خير الطباع مؤثرا لبلاده المغرب غير ميال إلى الرفاهية. توفي رحمه الله بالصحراء في سنة اثنتين وستين وأربعمائة، فتملك بعده ابن تاشفين.
موقفه من المشركين:
قال الذهبي: ظهر بعد الأربعين وأربع مئة، فذكر علي بن أبي فنون قاضي مراكش أن جوهرا -رجلا من المرابطين- قدم من الصحراء إلى بلاد المغرب ليحج- والصحراء برية واسعة جنوبي فاس وتلمسان، متصلة بأرض السودان، ويذكر لمتونة أنهم من حمير نزلوا في الجاهلية بهذه البراري، وأول ما فشا فيهم الإسلام في حدود سنة أربع مئة، ثم آمن سائرهم، وسار إليهم من يذكر لهم جملا من الشريعة، فحسن إسلامهم -ثم حج الفقيه المذكور، وكان دينا خيرا، فمر بفقيه يقرئ مذهب مالك -ولعله أبو عمران الفاسي بالقيروان- فجالسه وحج، ورجع إليه، ثم قال: يا فقيه ما عندنا في الصحراء من العلم إلا الشهادتين والصلاة في بعضنا. قال: خذ معك من يعلمهم الدين. قال جوهر: نعم وعلي كرامته. فقال لابن أخيه: يا عمر اذهب مع هذا. فامتنع، فقال لعبد الله بن ياسين: اذهب معه. فأرسله. وكان عالما قوي
النفس، فأتيا لمتونة، فأخذ جوهر بزمام جمل ابن ياسين تعظيما له، فأقبلت المشيخة يهنئونه بالسلامة، وقالوا: من ذا؟ قال: حامل السنة. فأكرموه، وفيهم أبو بكر بن عمر، فذكر لهم قواعد الإسلام، وفهمهم، فقالوا: أما الصلاة والزكاة فقريب، وأما من قتل يقتل، ومن سرق يقطع، ومن زنى يجلد، فلا نلتزمه، فاذهب، فأخذ جوهر بزمام راحلته، ومضيا. وفي تلك الصحاري المتصلة بإقليم السودان قبائل ينسبون إلى حمير، ويذكرون أن أجدادهم خرجوا من اليمن زمن الصديق، فأتوا مصر، ثم غزوا المغرب مع موسى بن نصير، ثم أحبوا الصحراء وهم: لمتونة، وجدالة، ولمطة، وإينيصر، ومسوفة. قال: فانتهيا إلى جدالة، قبيلة جوهر، فاستجاب بعضهم، فقال ابن ياسين للذين أطاعوه: قد وجب عليكم أن تقاتلوا هؤلاء الجاحدين، وقد تحزبوا لكم، فانصبوا راية وأميرا. قال جوهر: فأنت أميرنا. قال: لا، أنا حامل أمانة الشرع، بل أنت الأمير.
قال: لو فعلت لتسلطت قبيلتي، وعاثوا، قال: فهذا أبو بكر بن عمر رأس لمتونة، فسر إليه، واعرض عليه الأمر، إلى أن قال: فبايعوا أبا بكر، ولقبوه: أمير المسلمين، وقام معه طائفة من قومه وطائفة من جدالة، وحرضهم ابن ياسين على الجهاد، وسماهم المرابطين، فثارت عليهم القبائل، فاستمالهم أبو بكر وكثر جمعه، وبقي أشرار، فتحيلوا عليهم حتى زربوهم في مكان، وحصروهم، فهلكوا جوعا، وضعفوا، فقتلوهم، واستفحل أمر أبي بكر بن عمر، ودانت له الصحراء، ونشأ حول ابن ياسين جماعة فقهاء وصلحاء، وظهر الإسلام هناك. وأما جوهر، فلزم الخير والتعبد، ورأى أنه لا وضع له، فتألم، وشرع في إفساد الكبار، فعقدوا له مجلسا، ثم
أوجبوا قتله بحكم أنه شق العصا، فقال: وأنا أحب لقاء الله. فصلى ركعتين، وقتل. وكثرت المرابطون، وقتلوا، ونهبوا، وعاثوا، وبلغت الأخبار إلى ذلك الفقيه بما فعل ابن ياسين، فاسترجع وندم، وكتب إليه ينكر عليه كثرة القتل والسبي، فأجاب يعتذر بأن هؤلاء كانوا جاهلية يزنون، ويغير بعضهم على بعض، وما تجاوزت الشرع فيهم.
وفي سنة خمسين وأربع مئة قحطت بلادهم، وماتت مواشيهم، فأمر ابن ياسين ضعفاءهم بالمسير إلى السوس وأخذ الزكاة، فقدم سجلماسة منهم سبع مئة، وسألوا الزكاة، فجمعوا لهم مالا، فرجعوا به، ثم ضاقت الصحراء بهم، وأرادوا إعلان الحق، وأن يسيروا إلى الأندلس للغزو، فأتوا السوس، فحاربهم أهلها، فقتل عبد الله بن ياسين، وانهزم أبو بكر بن عمر، ثم حشد وجمع وأقبل، فالتقوه، فانتصر، وأخذ أسلابهم، وقوي جأشه، ثم نازل سجلماسة، وطالب أهلها بالزكاة، فبرز لحربهم مسعود الأمير، وطالت بينهم الحرب مرات، ثم قتلوا مسعودا، وملكوا سجلماسة، فاستناب أبو بكر عليها يوسف بن تاشفين ابن عمه، فأحسن السيرة، وذلك في سنة ثلاث وخمسين وأربع مئة، ورجع الملك أبو بكر إلى الصحراء، ثم قدم سجلماسة، وخطب لنفسه، واستعمل عليها ابن أخيه، وجهز جيشه مع ابن تاشفين، فافتتح السوس، وكان ابن تاشفين ذا هيئة شجاعا، سائسا. توفي الملك أبو بكر اللمتوني بالصحراء في سنة اثنتين وستين وأربع مئة، فتملك بعده ابن تاشفين، ودانت له الأمم. (1)
(1) السير (18/ 425 - 428).
ابن عبد البر (1)(463 هـ)
الإمام، شيخ الإسلام، حافظ المغرب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي. ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة. حدث عن خلف بن القاسم وعبد الوارث بن سفيان وعبد الله بن محمد بن عبد المؤمن وسعيد بن نصر، وعدة. وحدث عنه أبو محمد بن حزم، والحافظ أبو عبد الله الحميدي، وأبو علي الغساني.
قال أبو الوليد الباجي: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البر في الحديث، وقال: أبو عمر أحفظ أهل المغرب. وقال الحميدي: أبو عمر فقيه حافظ مكثر، عالم بالقراءات وبالخلاف، وبعلوم الحديث والرجال، قديم السماع. وقال الذهبي: كان إماما دينا، ثقة، متقنا، علامة، متبحرا، صاحب سنة واتباع. وقال: كان في أصول الديانة على مذهب السلف، لم يدخل في علم الكلام، بل قفا آثار مشايخه رحمهم الله.
من تصانيفه كتاب 'التمهيد' و'الاستذكار' و'الاستيعاب' و'جامع بيان العلم' وغيرهما كثير. وقال ابن حزم عن التمهيد: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه.
توفي بشاطبة سنة ثلاث وستين وأربعمائة عن خمس وتسعين سنة وخمسة أيام، رحمه الله.
(1) السير (18/ 153 - 163) وترتيب المدارك (2/ 352 - 353) ووفيات الأعيان (7/ 66 - 72) وتذكرة الحفاظ (3/ 1128 - 1132) والبداية والنهاية (12/ 111) والديباج المذهب (2/ 367 - 370) وشذرات الذهب (3/ 314 - 316).