الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقفه من القدرية:
قال القاضي عند شرحه لقول ابن أبي زيد: والإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وكل ذلك قد قدره الله ربنا. ومقادير الأمور بيده، ومصدرها عن قضائه، علم كل شيء قبل كونه فجرى على قدره، لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} (1).
قال القاضي رضي الله عنه: هذا الذي قاله، هو قول أهل السنة وأئمة الحديث، ومذهب السلف الصالح، والأخبار متواترة باللفظ الذي عبر به، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«لن يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، وحلوه ومره، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن لصيبه، وأن كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس» (2) وفيه أخبار كثيرة مسندة وموقوفة على الصحابة والتابعين، لولا تعذر جمعها للشغل بالسفر، وضيق الوقت به لذكرنا طرقها واستقصينا جميع ما ورد منها، وقد قال تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (3) فعم ولم يخص. وقال تعالى: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)} (4) وقد زعمت القدرية المعتزلة: أن الله تعالى
(1) الملك الآية (14).
(2)
سيأتي تخريجه في مواقف ابن رجب الحنبلي سنة (797هـ).
(3)
القمر الآية (49).
(4)
المرسلات الآية (23).
لم يقدر المعاصي ولا الشر، وأن ذلك جار في خلقه وسلطانه بغير قدرة الله ولا بإرادته، فنفوه عن الله، وأثبتوا لأنفسهم تقدير ذلك، والتفرد بملكه والقدرة عليه دون ربهم، حتى قال بعض طواغيتهم: إنه لو كان طفل على حاجز بين الجنة والنار، لما كان الله موصوفا بالقدرة على طرحه إلى الجنة، وإبليس موصوف بالقدرة على طرحه إلى النار، وأن الله لا يوصف بالقدرة على ذلك، وزعموا أن خلاف هذا كفر وشرك، واستوجبوا بذلك هذه التسمية التي أجمع المسلمون على كفر من باد بموجبها، والأخبار متواترة بتكفير القدرية وإخراجهم من الإسلام وإضافتهم إلى أصناف الكفر، وأن جميع ما يتصرف العباد فيه من خير وشر، وطاعة ومعصية بقدر سابق من الله سبحانه وتعالى، وبتكذيب من نفى ذلك وتكفيره، فمن متواتر الأخبار ومستفيضها: قوله صلى الله عليه وسلم: «القدرية مجوس هذه الأمة» (1)
…
ثم أطال في شرح كلام المصنف وساق كثيرا من الأدلة على ذلك (2) مقررا بذلك كله منهج السلف في هذا الباب الذي زاغ فيه القدرية عن الصواب، نسأل الله حسن المآب. (3)
- قال ابن أبي زيد القيرواني: [أو يكون لأحد عنه غنى].
قال القاضي رحمه الله معلقا: اعلم أن هذا رد على المعتزلة وغيرهم من المبتدعة في قولهم: إنهم مستطيعون لأفعالهم قبل أن يحدثوها، وقادرون على
(1) تقدم تخريجه في مواقف محمد بن الحسين الآجري سنة (360هـ).
(2)
من (ص.38) إلى (ص.66).
(3)
شرح عقيدة الإمام مالك الصغير (ص.38 - 39).
إيجادها قبل إيجادها، ومستغنون عن ربهم في حال اختراعهم لها أن يقدرهم عليها، لأنهم لا حاجة لهم في تلك الحال بل هم مستغنون عنه، وهذا هو الضلال الذي لا شبهة فيه والله تعالى يقول:{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} (1) ويقول: {أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} (2) وهذا يعم سائر أحوالهم، ويقول:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} (3) ولم يقل في حال دون حال، ومن جهة العقول: فلأن الأدلة قد دلت على استحالة بقاء الأعراض كلها على اختلاف أجناسها من القدر وغيرها، فلو كانت موجودة قبل الفعل لم يخل أن تبقى إلى أن يفعل الفعل بها، وهذا يوجب ما قد قام الدليل على استحالة مردها لها أو يعدم مثل ذلك، وهذا أيضا محال، لأنه يؤدي إلى أن يوقع الفعل بقدرة معدومة، وذلك باطل. (4)
يحيى بن عمّار (5)(422 هـ)
يحيى بن عمار بن يحيى بن عمار بن العنبس الإمام المحدث الواعظ شيخ سجستان أبو زكريا الشيباني نزيل هراة. حدث عن حامد بن محمد الرفاء
(1) محمد الآية (38).
(2)
فاطر الآية (15).
(3)
الفاتحة الآية (5).
(4)
شرح عقيدة الإمام مالك الصغير (ص.55 - 56).
(5)
السير (17/ 481 - 483) وتاريخ الإسلام (حوادث 421 - 430/ص.97 - 99) والعبر (1/ 439) وشذرات الذهب (3/ 226).