الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السنة بذلك وقرأوا كتاب التوحيد لابن خزيمة ثم حضروا الديوان وسألوا إخراج الاعتقاد الذي جمعه الخليفة القادر فأجيبوا إلى ذلك وقرئ هناك بمحضر من الجميع واتفقوا على لعن من خالفه وتكفيره). (1)
موقفه من فتنة ابن القشيري:
جاء في طبقات الحنابلة: ومضمون ذلك أن أبا نصر بن القشيري ورد بغداد سنة تسع وستين وأربعمائة، وجلس في النظامية، وأخذ يذم الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم، وكان يتعصب له أبو سعد الصوفي، ومال إلى نصره أبو إسحاق الشيرازي، وكتب إلى نظام الملك الوزير يشكو الحنابلة، ويسأله المعونة فاتفق جماعة من أتباعه على الهجوم على الشريف أبي جعفر في مسجده والإيقاع به، فرتب الشريف جماعة أعدهم لرد خصومة إن وقعت. فلما وصل أولئك إلى باب المسجد رماهم هؤلاء بالآجر. فوقعت الفتنة وقتل من أولئك رجل من العامة وجرح آخرون وأخذت ثياب .. وأغلق أتباع ابن القشيري أبواب سوق مدرسة النظام، وصاحوا: المستنصر بالله يا منصور -يعنون العبيدي صاحب مصر- وقصدوا بذلك التشنيع على الخليفة العباسي وأنه ممالئ للحنابلة، لاسيما والشريف أبو جعفر ابن عمه. وغضب أبو إسحاق وأظهر التأهب للسفر، وكاتب فقهاء الشافعية نظام الملك لما جرى فورد كتابه بالامتعاض من ذلك والغضب لتسلط الحنابلة على الطائفة الأخرى. وكان الخليفة يخاف من السلطان ووزيره نظام الملك ويداريهما. وحكى أبو المعالي صالح بن شافع عن شيخه أبي الفتح الحلواني وغيره. ممن
(1) طبقات الحنابلة (3/ 19).
شاهد الحال أن الخليفة لما خاف من تشنيع الشافعية عليه عند النظام أمر الوزير أن يجيل الفكر فيما تنحسم به الفتنة، فاستدعى الشريف أبا جعفر بجماعة من الرؤساء منهم ابن جردة، فتلطفوا به حتى حضر في الليل وحضر أبو إسحاق وأبو سعد الصوفي وأبو نصر ابن القشيري، فلما حضر الشريف عظمه الوزير ورفعه وقال: إن أمير المؤمنين ساءه ما جرى من اختلاف المسلمين في عقائدهم وهؤلاء يصالحونك على ما تريد وأمرهم بالدنو من الشريف فقام إليه أبو إسحاق وكان يتردد في أيام المناظرة إلى مسجده بدرب المطبخ فقال: أنا ذاك الذي تعرف وهذه كتبي في أصول الفقه أقول فيها خلافا للأشعرية ثم قبل رأسه.
فقال له الشريف: قد كان ما تقول إلا أنك لما كنت فقيرا لم تظهر لنا ما في نفسك فلما جاء الأعوان والسلطان وخواجا بزرك -يعني النظام- أبديت ما كان مخفيا، ثم قام أبو سعد الصوفي فقبل يد الشريف وتلطف به فالتفت مغضبا وقال: أيها الشيخ إن الفقهاء إذا تكلموا في مسائل الأصول فلهم فيها مدخل، وأما أنت فصاحب لهو وسماع وتعبير فمن زاحمك على ذلك حتى داخلت المتكلمين، والفقهاء فأقمت سوق التعصب؟ ثم قام ابن القشيري -وكان أقلهم احتراما للشريف- فقال الشريف: من هذا؟ فقيل: أبو نصر بن القشيري فقال لو جاز أن يشكر أحد على بدعته لكان هذا الشاب، لأنه باد هنا بما في نفسه ولم ينافقنا كما فعل هذان، ثم التفت إلى الوزير فقال: أي صلح يكون بيننا؟ إنما يكون الصلح بين مختصمين على ولاية أو دنيا أو تنازع في ملك. فأما هؤلاء القوم فإنهم يزعمون أنا كفار، ونحن نزعم أن من لا يعتقد ما نعتقده كان كافرا، فأي
صلح بيننا؟ وهذا الإمام يصدع المسلمين وقد كان جداه -القائم والقادر- أخرجا اعتقادهما للناس، وقرئ عليهم في دواوينهم وحمله عنهم الخراسانيون والحجيج إلى أطراف الأرض ونحن على اعتقادهما. وأنهى الوزير إلى الخليفة ما جرى وخرج في الجواب: عرف ما أنهيته من حضور ابن العم -كثر الله في الأولياء مثله- وحضور من حضر من أهل العلم والحمد لله الذي جمع الكلمة وضم الألفة، فليؤذن للجماعة في الانصراف وليقل لابن أبي موسى: أنه قد أفرد له موضع قريب من الخدمة ليراجع في كثير من الأمور المهمة وليتبرك بمكانه، فلما سمع الشريف هذا قال: فعلتموها. فحمل إلى موضع أفرد له بدار الخلافة وكان الناس يدخلون عليه مدة مديدة ثم قيل له: قد كثر استطراق الناس دار الخلافة فاقتصر على من تعين دخوله فقال: مالي غرض في دخول أحد علي، فامتنع الناس.
ثم إن الشريف مرض مرضا أثر في رجليه فانتفختا. فيقال: إن بعض المتفقهة من الأعداء ترك له في مداسه سما والله تعالى أعلم. ثم إن أبا نصر بن القشيري أخرج من بغداد وأمر بملازمة بلده لقطع الفتنة وذلك نفي في الحقيقة. قال ابن النجار: كوتب نظام الملك الوزير بأن يأمره بالرجوع إلى وطنه وقطع هذه الثائرة، فبعث واستحضره وأمره بلزوم وطنه فأقام به إلى حين وفاته. (1)
التعليق:
ما يستفاد من هذا الحادث:
(1) طبقات الحنابلة (3/ 19 - 22).
- ما كان يمثله السلفيون من قوة حسية ومعنوية وعلمية.
- حسن قصد السلفيين وسلامة فطرتهم، وبالمقابل كيد المبتدعة ومكرهم.
- ما كان عليه معظم خلفاء بني العباس من حسن العقيدة.
- الصلح في أمر الدنيا جائز، وأما العقيدة فلا بيع فيها ولا شراء ولا مصالحة.
- منقبة للشريف أبي جعفر.
الملك أقسيس (1)(471 هـ)
هو أَتْسِز بن أوق الخوارزمي، صاحب دمشق، كان يلقب بالمعظم، وكانت تسميه العامة بأقسيس. قال ابن كثير: وكان من خيار الملوك وأجودهم سيرة وأصحهم سريرة، أزال الرفض عن أهل الشام، وأبطل الأذان بحي على خير العمل، وأمر بالترضي عن الصحابة أجمعين. قال ابن عساكر: ولي دمشق في ذي القعدة سنة ثمان وستين وأربعمائة بعد حصاره إياها دفعات، وأقام بها الدعوة لبني العباس، وتغلب على أكثر الشام، وقصد مصر ليأخذها فلم يتم له ذلك ثم رجع إلى دمشق، ووجه المصريون إليه عسكرا ثقيلا فلما خاف من ظفرهم به راسل تتش بن ألب أرسلان يستنجد به، فقدم دمشق سنة إحدى وسبعين وأربعمائة فغلب على البلد، وقتل أتسز لإحدى عشرة خلت من شهر ربيع الآخر من هذه السنة واستقام الأمر لتتش.
(1) السير (18/ 431 - 432) والكامل في التاريخ (10/ 99 - 100) والوافي بالوفيات (6/ 195) والبداية والنهاية (12/ 127) وتاريخ دمشق لابن عساكر (7/ 348).