الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما من السنة فكثير جدا، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان» (1) وقد كان معاذ بن جبل يقول لأصحابه: تعالوا بنا نؤمن ساعة. (2) أي: نذكر الله. فجعل ذكر الله من الإيمان، ومثل هذا حديث طلحة ابن عبيد الله: أن أعرابيا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال: «خمس صلوات
…
» الحديث (3)
…
-إلى أن قال- وعلى أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، جماعة أهل الآثار؛ والفقهاء من أهل الفتوى بالأمصار وقد روى ابن القاسم عن مالك أن الإيمان يزيد ووقف في نقصانه. وروى عنه عبد الرزاق ومعن (4) بن عيسى وابن نافع وابن وهب أنه يزيد وينقص يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ وعلى هذا مذهب الجماعة من أهل الحديث، والحمد لله. (5)
موقفه من القدرية:
- قال رحمه الله: وجملة القول في القدر أنه سر الله لا يدرك بجدال ولا نظر ولا تشفى منه خصومة ولا احتجاج، وحسب المؤمن من القدر أن يعلم أن الله لا يقوم شيء دون إرادته، ولا يكون شيء إلا بمشيئته، له الخلق
(1) أحمد (2/ 26) والبخاري (1/ 68/8) ومسلم (1/ 45/22) والنسائي (8/ 481 - 482/ 5016) من حديث ابن عمر.
(2)
تقدم في مواقفه رضي الله عنه.
(3)
البخاري (1/ 142/46) ومسلم (1/ 40/8) وأبو داود (1/ 242/391) والنسائي (1/ 246/457).
(4)
في التمهيد معمر بن عيسى وهو تحريف والتصويب ما أثبتناه من مجموع الفتاوى (7/ 331).
(5)
فتح البر (1/ 432 - 445)، ونقله عن ابن عبد البر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (7/ 330 - 331).
والأمر كله لا شريك له، نظام ذلك قوله:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (1). وقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (2). وحسب المؤمن من القدر، أن يعلم أن الله لا يظلم مثقال ذرة، ولا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو الرحمن الرحيم فمن رد على الله تعالى خبره في الوجهين أو في أحدهما كان عنادا، وكفرا، وقد تظاهرت الآثار في التسليم للقدر والنهي عن الجدل فيه، والاستسلام له والإقرار بخيره وشره والعلم بعدل مقدره وحكمته. وفي نقض عزائم الانسان برهان فيما قلنا، وتبيان، والله المستعان. (3)
- وقال رحمه الله -شارحا لحديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها» (4) -: في هذا الخبر من الفقه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يطلق ضرتها لتنفرد به، فإنما لها ما سبق به القدر عليها، لا ينقصها طلاق ضرتها شيئا مما جرى به القدر لها ولا يزيدها. وقال الأخفش: كأنه يريد أن تفرغ صحفة تلك من خير الزوج وتأخذه هي وحدها.
قال أبو عمر: وهذا الحديث من أحسن أحاديث القدر عند أهل العلم
(1) الإنسان الآية (30).
(2)
القمر الآية (49).
(3)
التمهيد (فتح البر 2/ 196).
(4)
أحمد (2/ 489) والبخاري (11/ 604/6601) ومسلم (2/ 1033/1413) وأبو داود (2/ 630/2176) والنسائي (6/ 380 - 381/ 3239).
والسنة، وفيه أن المرء لا يناله إلا ما قدر له.
قال الله عزوجل: {قل لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} (1). والأمر في هذا واضح لمن هداه الله، والحمد لله. (2)
- وقال -تعليقا على حديث مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم، عن طاوس اليماني أنه قال: أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر. قال طاوس: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس، أو الكيس والعجز» (3) -: وفي هذا الحديث أدل الدلائل وأوضحها على أن الشر والخير كل من عند الله، وهوخالقهما لا شريك له، ولا إله غيره، لأن العجز شر، ولوكان خيرا ما استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعاذ من الكسل والعجز والجبن والدين، ومحال أن يستعيذ من الخير، وفي قول الله عزوجل:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} (4) كفاية لمن وفق، وقال عزوجل:{يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (5).اهـ (6)
(1) التوبة الآية (51).
(2)
التمهيد (فتح البر 2/ 273).
(3)
أحمد (2/ 110) ومسلم (4/ 2045/2655).
(4)
الفلق الآيتان (1و2).
(5)
النحل الآية (93). فاطر الآية (8).
(6)
التمهيد (فتح البر 2/ 277 - 278).
- وقال رحمه الله: قال الله عزوجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (1). وقال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (2). فليس لأحد مشيئة تنفذ، إلا أن تنفذ منها مشيئة الله تعالى، وإنما يجرى الخلق فيما سبق من علم الله. والقدر سر الله لا يدرك بجدال، ولايشفى منه مقال، والحجاج فيه مرتجة، لا يفتح شيء منها إلا بكسر شيء وغلقه، وقد تظاهرت الآثار، وتواترت الأخبار فيه عن السلف الأخيار، الطيبين الأبرار، بالاستسلام والانقياد والاقرار، بأن علم الله سابق، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (3).اهـ (4)
الخطيب البغدادي (5)(463 هـ)
أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، أبو بكر الخطيب البغدادي، العلامة المفتي، الحافظ الناقد، محدث الوقت. ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة. سمع من القاضي أبي عبد الله القضاعي، وأبي نعيم الحافظ
(1) القمر الآية (49).
(2)
التكوير الآية (29).
(3)
فصلت الآية (46).
(4)
التمهيد (فتح البر 2/ 293 - 294).
(5)
السير (18/ 270 - 297) والأنساب (2/ 384) والكامل في التاريخ (10/ 68) ووفيات الأعيان (1/ 92 - 93) وتذكرة الحفاظ (3/ 1135 - 1146) والوافي بالوفيات (7/ 190 - 199) والبداية والنهاية (12/ 108 - 110) وشذرات الذهب (3/ 311 - 312).