الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاختلاف، وذلك يعم وصف طاعتهم في أمور الدين والدنيا، وقوله صلى الله عليه وسلم:«لو ولي عليكم مجدع فاسمعوا له وأطيعوا» (1) وقوله صلى الله عليه وسلم: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة قيد شبر مات ميتة جاهلية» (2) ولأن ذلك إجماع الصحابة، ولأنها كانت تأمر به وتحض عليه، وتحذر من الخلاف على الأئمة وتنهى عن الشقاق عليهم والاخلال بطاعتهم، وترى ذلك من أوجب أمور الدين، وألزم أحكام الشرع. (3)
موقفه من المرجئة:
- قال في شرح عقيدة الإمام ابن أبي زيد القيرواني عند قوله: [وأن الإيمان قول باللسان وإخلاص بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بزيادة الأعمال، وينقص بنقص الأعمال، فيكون فيها النقصان وبها الزيادة، ولا يكمل قول الإيمان إلا بالعمل]: هذا الذي قاله هو مذهب أهل السنة والسلف الصالح، والذي يدل على أن اعتقاد القلب وإخلاصه إيمان: أن الإيمان في اللغة التصديق، قال الله تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} (4) أي مصدق لنا، وقال:{وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ} (5) أي صدقنا به، وقال تعالى
(1) تقدم في مواقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب سنة (23هـ).
(2)
أحمد (2/ 296) ومسلم (3/ 477/1848) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
شرح عقيدة الإمام مالك الصغير (ص.137).
(4)
يوسف الآية (17).
(5)
النور الآية (47).
عن الأعراب: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} (1) أي لم تصدقوا بقلوبكم، ثم القول باللسان إيمان إذا قصد به التعبير عما في القلب، فإن لم يقارنه ذلك لم يكن إيماناً، لأنه حينئذ يكون حكاية لكلام الغير، أو لغوا وعبثا، ولذلك قلنا في اليهودي: إنه إذا لفظ بالشهادتين مع الإكراه، أو قاصدا به الحكاية عن غيره، أنه لا يكون ذلك إيمانا منه لما لم يقارنه تصديق القلب، وكذلك العمل بالجوارح الصادر عن تصديق القلب على ما روي في الحديث، وجاء في الحديث في تفسير قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (2) أي صلاتكم إلى بيت المقدس، إلا أن زيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية، لا يبلغ به نقصان ارتفاع بالجملة حتى ينتفي اسمه وحكمه، فيكون حرفه التصديق مقارنا للمعاصي بالجوارح كافرا؛ لأنه يسمى إيمانا لما يشبه التصديق، فلا يجب أن يرتفع بارتفاعه، ونحن نذكر هذا الفصل، وقد توقف مالك رضي الله عنه عن الكلام في نقصانه، وعلى القول الذي يقول: يريد به نقص الكمال دون إحباط الأعمال، لأن ذلك لا يكون إلا بانتفاء التصديق. (3)
- وقال عند قوله [ولا قول ولا عمل إلا بنية]: هذا لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (4) فنفى أن يكون ما لم يخلص له
(1) الحجرات الآية (14).
(2)
البقرة الآية (143).
(3)
شرح عقيدة الإمام ابن أبي زيد القيرواني (ص.104 - 105).
(4)
البينة الآية (5).
عبادة، والإخلاص هو القصد إليه بالفعل، وقال تعالى:{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (1) فأخبر أن العمل موقوف على النية، وأنه يجازى عليه على حسب ما ينوى به، وقال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ} (2) فأمر أن لا يلتفت إلى ما يقولونه بألسنتهم إذ في قلوبهم خلافه، فدل على أن المعول على النية دون اللسان، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» الحديث (3)، فربط الأعمال بالنيات، ومفهوم هذا أن الانتفاع بالأعمال والاعتداد بها يكون بالنية، وأن النية هي عماد الأعمال ومعلولها، كقولهم: إنما الطائر بجناحيه، وإنما الرعية بإمامها، يريدون: أن ذلك هو عمادها، وكذلك قولهم: إنما الأعمال بخواتيمها، وبين هذا قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث:«فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» وهذا خرج على سبب: وهو أن رجلا خرج إلى المدينة يظهر الهجرة وقصده أن يتزوج امرأة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المجازاة على الأعمال الخالصة وهي مما ينويه الإنسان ويقصد له. (4)
(1) الحج الآية (37).
(2)
النساء الآية (63).
(3)
انظر تخريجه في مواقف الإمام الشافعي سنة (204هـ).
(4)
شرح عقيدة الإمام ابن أبي زيد القيرواني (ص.105 - 106).